النارجيلة سيئة الصيت

النارجيلة سيئة الصيت

13 سبتمبر 2014
بحثنا عن مقهى للنارجيلة بعد نهار طويل (Getty)
+ الخط -
لم أكن أميّز بين أندريا ومهدي في البداية. كنت بتلقائية نمطية، أعتقد أن ذلك الشاب الأسمر صاحب الشعر القصير هو مهدي، بينما الأبيض الذي يربط شعره الطويل هو أندريا. إلا أن لكنة مهدي بالفرنسية التي تطرق أذني وتذكرني بالمغاربة في باريس، كانت تدعوني للتشكيك، ولكن ماخدعني هو لون بشرته وشعره المربوط على شكل ذيل حصان.

لولا تلك المناقشة الاعتباطية التي جرت بيننا، وهو يطمئنني عن إمكانية دخول تلك البارات الليلية ذات السمعة المخيفة في باريس، التي تنتهي دائماً بمصيبة تستدعي وصول الشرطة، قائلاً: "نو مدام، في بروكسل الأمر مختلف".

خبرة هذا الشاب الأبيض، ذي الشعر المربوط إلى الخلف بالمناطق الساخنة، كما ندعوها في باريس، وتبسيطه لعالم المهمَّشين وأصحاب المشاكل الذين نراهم على شاشات التلفزة في نشرات الأخبار، يحرقون عجلات السيارات ويضايقون وزراء الداخلية، منذ أيام ساركوزي تحت حكم الرئيس جاك شيراك حتى الآن، جعلني أميل إلى الاعتقاد أنه مهدي لا أندريا، وحين سألته بتأدب شديد، السؤال المزعج لأغلبنا نحن الأجانب: "حضرتك من أي أصول.."، أجابني كما أن الأمر بديهي واستغرب جهلي: "جزائري".

بسبب الثقة التي تولدت بيننا، حين كان مهدي وأندريا ومجموعة من طلاب جامعة بروكسل الحرة، يرافقوننا، نحن الأساتذة والباحثين والكتاب في جولة في مدينة بروكسل، لتعريفنا على معالم المدينة، خصوصاً على رسومات الغرافيتي المنتشرة على جدرانها، سألت مهدي متوددة: "أين يمكنني العثور على مقهى نارجيلة لطيف هنا؟". انتفض مهدي كأن أفعى لدغته "نو مدام"، وراح يلقنني محاضرة حول سوء سمعة الأركيلة.

الأمر ذاته كان قد حصل معي في المغرب، حينما ذهبت برفقة كاتبين صديقين عرضا عليّ التجوال في الدار البيضاء بعد نهار طويل أمضيناه معاً في قاعات معرض الكتاب، وتعذّر علينا دخول مقهى للنارجيلة. كانت أغلب المقاهي التي مررنا أمامها، ذات طبيعية استثنائية بالنسبة إلي، زبائنها لا يوحون بالطمأنينة مما جعلني أشعر انني في مكان مخصص للذكور.

في الدار البيضاء، شرحت لي صديقتي رشيدة الأمر؛ أن تدخين النارجيلة غير محبب للنساء، واصطحبتني إلى مقهى لبناني، فتيات وشباب بأعمار مختلفة، جلسوا يدخنونها، ويحتسون الشاي.

أخذت الأمر على محمل الجد ورحت أشرح لمهدي، اليساري المنفتح، الذي يُؤثّم مدخني النارجيلة ومدخّناتها خصوصاً، أن النارجيلة جزء من التراث الشعبي في مصر ولبنان وسورية، واستفضت شارحة، كيف تدخنها صديقاتي المصريات واللبنانيات في وسط البلد، دون تقييم ذلك بطريقة سلبية، حتى أنه في مقهى الروضة في بيروت تجد سيدات في أعمار متقدمة، يدخّن النارجيلة.

هزّ مهدي رأسه محاولاً إظهار موافقته، مردداً: "نو مدام، ليس بالنسبة لنا". قلت له حين تأتي إلى باريس، سأدعوك إلى مقهى سوري يقدم نارجيلة مميزة، فقال مثبتاً وجهة نظره: "لأنه سوري!". وحين أخبرته، أن المقهى التابع لمسجد باريس يقدم نارجيلة لزبائنه، صمت مهدي قليلاً، ثم شرح لي أنه لا يملك أي موقف شخصي ضد النارجيلة، وأنه يحترم الفوارق الثقافية وحريات البشر.

كان من المهم بالنسبة لي في نهاية المطاف، أن أجعل مهدي يتقبل أمر تدخين النارجيلة، من دون سوء فهم. لكنني لم أفلح بالعثور على مقهى يلبّي رغبتي بتدخين النارجيلة في بروكسل، ربما عليّ العودة برفقة دليل آخر، يعتبر النارجيلة طقساً عادياً، كفنجان الشاي أو القهوة أو حتى كلعبة الطاولة لدى رجال الحارة.

المساهمون