حكواتي: رأسي الذي يهزّ وحده

حكواتي: رأسي الذي يهزّ وحده

17 يوليو 2014
الصورة لماريانا أرماتا (Getty)
+ الخط -

زمان أجريت حواراً مع مذيعة فضائية تلمع لمعاناً في الفضاء.

وحدَها تبرّعت وقالت إنّها تحبّ الشعر.

والله العظيم لم أضغط عليها ولم أومئ لها حتّى. أصلاً أنا لا أسأل الشعراء ذاتهم إن كانوا يحبّون الشعر أم لا.

لكنّ الحق أقول إنّني اعتبرت جملتها مساعدة صحافية لي.

قلت: عظيم، ماذا تقرأين؟

 قالت: أحبّ نزار قبّاني.

قلت: طبعاً طبعاً، نزار شاعر كبير.

قالت: تحديداً قصيدته: "أحنّ إلى خبز أمي"، وأبكي حين أسمعها من مارسيل خليفة.

قلت: لكن هذه القصيدة ربما ليست لنزار.

قالت: لا لا عزيزي أنا متأكدة.

قلت: أنا لست متأكداً من أيّ شيء.

المهم أنّ صورتها هبطت على غلاف المجلة، وهي تضع سبابتها على ذقنها وسارحة في مترها المربع وتحسبه بحراً بلا حدّ، وفي الداخل كانت المذيعة تقول: "وأنا أحبّ شعر درويش، وتحديداً قصيدته "أحنّ إلى خبز أمي"، وأضفتُ من عندي: والتي كتبها في سنّ مبكرة وما زالت ذهبية لا تصدأ".

وبقيت فترة طويلة يا صاحبي وأنا أفكّر بكتاب أكشف عبره فضائحهم. فضائحهم هم. و"هم" ليست منسوبة إلى الغائب بل إلى الحاضرين كلّهم، وعمر الحاضرين طويل.

لم أنجح في إصدار كتابي، ربما لأنّني ما زلت صحافياً لم أتقاعد ولأنّ أطفالي "زغب الحواصل لا ماء ولا شجر".

لماذا لا أكشف فضائحي إذن. الفضائح التي يسمونها "أدب الاعتراف"؟

خذ عندك إذن.

يخطر في بالي أن أزور طبيباً نفسياً، وأقول بيني وبين نفسي: المرض النفسي مش عيب.

أنا يا صاحبي حين يحدّثني أي شخص، أظلّ أهز رأسي لحثّه على مواصلة الكلام.

وهي عادة صحافية لتشجيع الضيف على التصريح أكثر وأكثر، وتوريطه في عنوان صحافي يكسّر الدنيا.

لكنّ الناس ليسوا كلّهم ضيوفاً على الصحافة. قبل أيام كان الشخص الذي يحدّثني مدّعياً ودَبِقاً، فانتبهتُ إلى أنّني أهزّ رأسي رغم ضيقي الشديد.

منذ متى وأنا هكذا؟

أنا مرتعب. لم أعد أتحكّم في رأسي؟

المساهمون