"البنت السريلانكية" أو كيف تعيد تدوير العنصرية

"البنت السريلانكية" أو كيف تعيد تدوير العنصرية

04 ديسمبر 2019
نادي أبو شبكة وبيار رباط في الحلقة (يوتيوب)
+ الخط -

الشهر الماضي، حطّت طائرة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية في مطار أديس أبابا، آتية من بيروت. في قاعة الوصول تجمّع المئات في انتظار وصول المسافرات العائدات من لبنان. خرجت الشابات الإثيوبيات لملاقاة عائلاتهنّ وأحبابهنّ وسط الدموع والتصفيق. عند باب قريب من قاعة الوصول، خرجت سبعة صناديق، تحتوي على جثث سبع عاملات إثيوبيات قتلن في لبنان، تحديداً في منازل العائلات التي كن يعملن في خدمتها. قتلت الشابات من التعذيب والضرب وسوء المعاملة كما التغذية.

ليلة أمس، ووسط هذا السواد المحيط بوضع العمالة الأجنبية في لبنان، أطلّ علينا "الكوميدي" نادي أبو شبكة في برنامج "منّا وجرّ" الذي يقدّمه بيار رباط على قناة MTV، "متنكراً" بـ"زيّ" عاملة إثيوبية، ومتقيئاً، في مشهد من العنصرية الصافية وسط قهقهات زملائه الموجودين في الحلقة، باستثناء المصري باسم يوسف واللبناني سلام زعتري اللذين اعتبرا أن المشهد "عنصري قليلاً A Bit Racist".

لكن المشهد الذي حاول مقاربة الواقع اللبناني الجديد بعد الانتفاضة، من منظار عاملة منزلية، كان في الحقيقة أكثر من "عنصري قليلاً": من لباس أبو شبكة، إلى تسريحة شعره إلى طريقة كلامه وشتائمه المتطايرة يميناً ويساراً. توالت الصور النمطية عن العاملات الأجنبيات، صورة خلف صورة، بشكل يخلق إحساساً خانقاً بالضيق. تُنزع الصفة الإنسانية عن العاملة، تتحوّل إلى مادة للسخرية، على وقع جموع "المستر" والـ"مدام" الموجودين في الاستديو وخلف الشاشات. يستخدم أبو شبكة عناصر المأساة ليصنع منها كوميديا ثقيلة الظلّ: المرتبات الزهيدة للعاملات، ظروف العمل غير الإنسانية، المهام المرهقة الموكلة إليهنّ... يسخر من كل ذلك، ويضحك بين جملة وأخرى.

سبع دقائق، انتهت على وقع أغنية "هالبنت السريلانكية" التي غناها المنولوجيست إيلي أيوب منتصف التسعينيات. سريعاً بعدها اعتذر بيار رباط. اعتذر عن الشتائم التي قالها أبو شبكة فقط. وحاول الانتقال إلى فقرة أخرى.

ما تلا ذلك المشهد كان متوقعاً. اعتراض باسم يوسف وسلام زعتري. صدمة رباط من وصفهما الفقرة بالعنصرية، بينما حاولت الإعلامية دوللي غانم (ضيفة ثابتة في البرنامج) إعطاء بُعد محليّ لما قدمه نادي أبو شبكة قائلة "العاملات الأجنبيات هنّ الوحيدات اللواتي يتقاضين رواتبهن بالدولار حالياً في لبنان". لم تشر دوللي إلى أن الحد الأقصى لرواتب العاملات المنزليات في لبنان هو 250 دولارا أميركيا، يحصلن عليها وفق عقود أشبه بصكوك عبودية حديثة.

أعطت MTV الهواء لعاملة إثيوبية صممتها على مزاجها. صممتها حسب مخيلتها ومخيلة المجتمع اللبناني، وابتكر لها أبو شبكة مونولوغاً لا يمتّ لواقع العمالة الأجنبية بصلة. لماذا لم يستضف البرنامج عاملة إثيوبية لتخبرنا عن ظروف عملها في هذه الأوضاع الاقتصادية في لبنان؟ لا ننتظر جواباً من القناة، فلا صوت للهامشيات في لبنان، لم يمنحن إلا في ما ندر صوتاً، على صورة مموهة خوفاً من ردة فعل "الكفيل".

بعد مرور 45 يوماً على الانتفاضة، يعود الإعلام اللبناني إلى قواعده. يتأقلم مع واقع فاجأه، لكنّه طبّع معه أخيراً، ليستعيد عجزه في كسر أدائه التقليدي والجامد، في التغطيات الإخبارية تماماً كما في الكوميديا، فيستقي الممثلون والإعلاميون عناصر الضحك من الفئات الأكثر تهميشاً: اللاجئين واللاجئات، المثليين والمثليات، والعاملات المنزليات. منذ ثلاثين عاماً يعاد تدوير النكات نفسها. وما نادي أبو شبكة إلا نسخة أكثر شباباً من مخرجين وممثلين سبقوه إلى القاع.

دلالات

المساهمون