التضامن مع إبراهيم عيسى وحرية التعبير

التضامن مع إبراهيم عيسى وحرية التعبير

11 مارس 2017
إبراهيم عيسى قبل التحقيق معه (العربي الجديد)
+ الخط -
حكى الشاب المصري صفوان محمد، صاحب أول توكيل في مصر لمبادرة محمد البرادعي من أجل تغيير نظام الحكم، تجربته، في معرض حديثه عن واقعة إحالة الكاتب الصحافي المصري، رئيس تحرير جريدة المقال إبراهيم عيسى، للتحقيق أمام النائب العام المصري، على خلفية بلاغ مقدم ضده من مجلس النواب. فقال: "عام 2009 بعدما عملت توكيل فى الشهر العقارى للبرادعي، إبراهيم عيسى كتب مقال وهاجم فكرة التوكيلات، وكنت وقتها على علاقة جيدة بيه... اتصلت بيه وقولتله إنت ليه يا أستاذ إبراهيم بتهاجم الفكرة... قالي تعالى قابلني ونتكلم شوية... قال لي الفكرة هايلة وأنا معجب بيها وشجعنى جدًا على الاستمرار فيها. قولت له غريبة يا أستاذنا لما إنت معجب بالفكرة ليه هاجمتها من الأول، قال لي: ده حاجة ودي حاجة تانية". 

أكمل صفوان قصته عام 2009: "بعدها قال لي: إيه رأيك في الحملات اللى موجودة في الشارع بتدعم ترشح عمر سليمان للرئاسة... قولت له: حاجة قذرة طبعا ورافضها. قال لي كلام بيني وبينك والموضوع غاية في السرية أنا ومجموعة من الشباب طرحنا الفكرة دي، ومتحمسين ليها جدًا. قولت له: وإيه الهدف منها؟ قال لي: ضرب في حسني مبارك".

فسّر صفوان في الفقرة الثالثة من تدوينته، أسباب كتابته تلك الواقعة التي جمعته مع عيسى قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 "لأني بصراحة دايمًا بقول إن حرية التعبير خط أحمر، مهما كان الشخص اللي بينكل بيه في قضية معينة كان بيحرض على القتل وبيطبل لمهيب الركن.. بس هنا مع إبراهيم عيسي تحديدًا الوضع مختلف، وبعيدًا عن إنه نموذج للمثقف الذي يخدم السلطة، لإنه يجيد قلب الحقائق ومحاكاة الثعابين في المراوغة، وده أشد خطرًا من الجاهل الذي يخدمها، إبراهيم عيسى مش كاتب أو رئيس تحرير لجريدة أو مذيع مؤيد للنظام العسكري المجرم اللي بيحكمنا تم التنكيل بيه علشان خرج على النص قليلًا زي كتير من اللي اتنكل بيهم".

ختم صفوان تدوينته قائلاً "إبراهيم عيسى أحد الأذرع الرئيسية لأجهزة الدولة العميقة، واللي بيحصل معاه ده جزء من صراعهم مع بعضهم، وزي ما كتير من الأصدقاء كتبوا إن أسيادنا المعتقلين أولى وأحق بالكتابة وبتذكير الناس بيهم، فأنا مش متعاطف مع دولة إبراهيم عيسي، برغم إني عارف إن بينكل بيه في اللحظة دي، فهقول أنا رافض اللي بيحصل معاه وأنا قاعد علي الكنبة وبشاهد التليفزيون وباكل فشار".

وجهة نظر صفوان في رفض التضامن مع الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى، شاركه فيها عشرات الشباب الذين شاركوا بتدوينات مشابهة، تتحدث عن "صراع الأذرع الإعلامية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، وعن "التنكيل بالمعارضة الصورية"، وعن "التضحية بكل من يخرج على النص"، وغيرها من المضامين التي تحدثت عنها مجموعة من رافضي التضامن مع عيسى.



على النقيض، كان هناك فئة كبرى تعلن وتتبنى مواقف تضامنية مع عيسى، باعتبار أن "التضامن مع الفكرة والمبدأ، لا يختلف باختلاف الأشخاص". فالناشطة السياسية المصرية، ماهينور المصري، كتبت تدوينة قالت فيها "نرجع ونقول: لما حد مختلفين معاه أو ضدنا بيحصله حاجة ظالمة أو إحنا مش موافقين عليها؛ لما بنقف ضد اللي بيحصله ده مش معناها أننا بنتضامن مع الشخص ده (بما تحمله الكلمة من فكرة ضمنية بالموافقة على أفكاره أو أفعاله) بس الحقيقة إحنا بنتضامن ضد ممارسات السلطة..بس خلاص".

هذا المبدأ المطلق، تبنته فئة كبرى بالفعل في إعلان تضامنهم مع عيسى، وتبنيهم مبدأ الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، ورفض الظلم، بغض النظر عن الأشخاص. فعيسى الذي طالما اختلفت الرؤى ووجهات النظر بشأنه؛ تعددت مواقفه المؤيدة والمعارضة لنفس السلطة، ما خلق حالة من الجدل حوله.

وعيسى الذي كانت شهادته أحد أسباب الحكم بالبراءة في القضية المعروفة إعلاميا بـ"قضية القرن"، والتي حوكم فيها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، على قتل المتظاهرين وقت الثورة؛ حوكم في عهد المخلوع، بتهمة نشر أخبار كاذبة عن صحة رئيس الجمهورية. وصدر يوم 13 سبتمبر/أيلول 2007 حكم ضده بالسجن سنة، وتمت إعادة محاكمته أمام دائرة أخرى والتي أصدرت في 28 سبتمبر/أيلول 2008 حكمها عليه بالحبس لمدة شهرين، وكان الحكم مشمولاً بوجوبية النفاذ فسلّم نفسه للسلطات في نفس اليوم، ولكن الرئيس حسني مبارك أصدر قراراً جمهورياً بالعفو عنه في 6 أكتوبر/تشرين الأول من نفس عام صدور الحكم.
حتى مع النظام المصري الحالي؛ لم يكن عيسى معارضا طوال الوقت، بل كان داعما له في الكثير من المواقف.



عيسى الصحافي المحترف والإعلامي البارز، كان دائما ماهرا في تطويع المنطق لصالحه وعدم الانزلاق في ما يردده الإعلاميون الموالون للنظام، كما كان قادرًا على التحكم في السياق الذي يحضره، كما حدث خلال الحملة الانتخابية لترشح الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، لانتخابات الرئاسة في 2014، حيث استضافه عيسى مع الإعلامية لميس الحديدي، ليفاجأ بـ"الجنرال" الذي كان حينها وزيرا للدفاع، يقول له بحزم: "مش هسمحلك تقول عسكر تاني"، ليسود الصمت لحظات، ويتحول الحوار لحالة من الترصد والتماسك لحين انتهاء الحلقة.

شارك عيسى في مؤتمر الشباب، الذي عقده الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان له كلمة معارضة خارج سرب المؤتمر، قال فيها "إن النقاش حول الإعلام يتم تصويره على أنه صراع بين الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأمر ليس كذلك.. الأمر ليس أهلي وزمالك لأن التليفزيون ومواقع التواصل فيهما غياب للمصداقية".

وتابع "الحل يكمن في التعدد.. مفيش حرية من غير تعددية، ولو الشخص منزعج من صوت معين يحول بالريموت، والقصة كلها إن المذيع ميقولش لشخص معلومة غلط.. هناك قوانين معطلة للحرية ومش ناقصين، والمصادرة عملت إيه للمجتمع، والحل مزيد من الحرية، والإعلام لازم يقول رأي، واللي مش عارف كده يروح يتعلم تاني، ومن حق الأغبياء أن يعبروا عن رأيهم".

الحرب على عيسى بدأت مبكرا. ففي اليوم الأول من العام الجاري، عرض عيسى الحلقة الأخيرة من برنامجه "مع عيسى" المذاع على قناة فضائية مصرية، على خلفية هجوم حاد طاوله خلال الجلسة العامة بمجلس النواب المصري، في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث اتهمه نواب بـ"هدم الدولة" و"ارتكاب عدد من التجاوزات ضد رئيس مجلس النواب وأعضاء البرلمان عبر البرنامج"، وطالب وزير الشؤون القانونية المصري، المستشار مجدي العجاتي، الحكومة، بأن تأخذ موقفا إداريا حيال القناة.

أُغلق برنامجه بالفعل، لكن الهجوم عليه لم يتوقف، كما أن حلقات التنكيل به لم تتوقف أيضا، على الرغم من صدور قرار النيابة بإخلاء سبيله بكفالة 10 آلاف جنيه في البلاغ المقدم ضده من رئيس مجلس النواب المصري، بتهمه بإهانة مجلس النواب.




المساهمون