زواج الأطفال في الأردن.. ترخيص قانوني للاتّجار بالبشر

زواج الأطفال في الأردن.. ترخيص قانوني للاتّجار بالبشر

30 يوليو 2017
(من الفيلم التسجيلي القصير: الصرخة)
+ الخط -
لن يحتاج أحد من عصابات زواج القاصرات في الأردن بعد اليوم، للجوء إلى حيلة الزواج "البرّاني"، أو "العرفي"، وذلك بعد أن يحصل على "فتوى" تشرّع له استباحة عرض فتاة لم تتجاوز سن 18، فيقتل فيها طفولتها وبراءتها، وكل ذلك بستار شرعي وقانوني أيضًا.

فالحكومة الأردنية قد أراحت هؤلاء السماسرة من هذا العناء، بل وقنّنت زواج القاصرات لمن أتمّت 15 سنة، لتكون الطفلة المسكينة ضحية استغلال هؤلاء المتاجرين بعرضها، وفق هذا التشريع القانوني. وكان مجلس الوزراء الأردني قد أقرّ القانون لمن لم يكمل الثامنة عشرة، إذا كان زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة، وفقًا لأحكام هذه التعليمات.

وبموجب الفقرة (ب) من المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية، رقم (36) لسنة 2010، فإنه "يتمّ منح إذن الزواج على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عامًا، وأن تتحقّق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة، وما تتضمّنه من تحقيق منفعة، أو درء مفسدة، وبما تراه مناسبًا من وسائل التحقّق، بالإضافة إلى أن يتحقّق القاضي من الرضا والاختيار".

كما اشترطت التعليمات، التي عاينها "جيل"، على المحكمة، "أن يكون الخاطب (كفؤًا) للمخطوبة"، وفقا لأحكام المادة 21 من القانون، إضافة، إلى "ألا يتجاوز فارق السنّ بين الطرفين خمسة عشر عامًا، وألا يكون الخاطب متزوجًا، وألا يكون الزواج سببًا للانقطاع عن التعليم المدرسي".

من ناحيته، أكد رئيس ديوان الرأي والتشريع الأردني، القانوني المخضرم نوفان العجارمة، ومن خلال منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه "يجوز ضمن شروط يحدّدها سماحة قاضي القضاة، بموجب تعليمات، السماح بزواج من بلغ 15 عامًا وبموافقة القاضي"، مبينًا أن "هذه التعليمات قد صدرت في عام 2011، وما جرى أخيرًا، أنه تم تشديد الشروط على هذه الحالة من الزواج". وسيتم العمل بهذه التعليمات اعتبارا من الأول من شهر آب/ أغسطس القادم، في مقابل ذلك تُلغى تعليمات منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن الثامنة عشرة لعام 2011.

لم يخف فاعلون وناشطون حقوقيون، ومنظّمات المجتمع المدني في الأردن، استياءهم من سن هكذا قانون، معتبرين "زواج الفتيات القاصرات جريمة تُرتكب وفق القانون، ولا يجدون فيه سوى ترخيصًا قانونيًا للاتجار بالبشر".

فـ"تعليمات منح الإذن بالزواج للقصر، لا زالت غير كافية لمنع تزويج القصّر، وما يدلل على ذلك، ارتفاع أعداد تزويج الفتيات لأكثر من 10 آلاف حالة العام الماضي، وأكثر من 300 حالة تزويج لفتى قاصر، وهي أرقام مرتفعة، وتشير إلى أن هناك تساهلًا في منح الإذن بالزواج بالتعليمات الجديدة كما في سابقتها، والتي جاءت بشروط فضفاضة وغير منضبطة، ولا يمكن متابعتها، وليست كافية لمنع التزويج"، وفق الناشطة بمجال حقوق المرأة المحامية هالة عاهد.

وأشارت عاهد، في حديث إلى "جيل"، إلى أن "الشروط المذكورة في التعليمات، تنطبق على عقود الزواج كافة، وليست شروطًا خاصّة أو مشدّدة لزواج القصّر، كاشتراط أن يكون الخاطب كفؤًا للمخطوبة، وأن يتحقّق القاضي من الرضا والاختيار، وإبراز وثيقة الفحص الطبي، وهي شروط لا يمكن للمحكمة التي تمنح الإذن أن تضمن تحقّقها بعد إجراء عقد الزواج".

وتتساءل المتحدّثة حول الضمانات التي تملكها المحكمة لبقاء الفتاة على مقاعد الدراسة، خاصّة أن تعليمات وزارة التربية تمنع الفتاة المتزوّجة من العودة للدراسة المنتظمة، وهذا الشرط يتناقض كذلك مع شرط في التعليمات نفسها حول إثبات قدرة الخاطب على الإنفاق، ما يعني السماح ضمنيًا للخاطب القاصر بأن يترك مقاعد الدراسة وينخرط في العمل.

من جانبها، رأت الناشطة الحقوقية هديل عبد العزيز، أن القانون الأردني أصلًا، يسمح بتزويج من هم دون 18 سنة، وأكبر من 15، بعد صدور إذن من المحكمة، مبينة أن "الجديد في القضية، لا يعدو كونه محاولة تعميم التعليمات ونشرها لتنظيم كيفية إعطاء الإذن".

"نشر هذه التعليمات وتطبيقها، هو شيء إيجابي، فمن ضمن الشروط التي من الممكن أن كثيرًا من الناس يجهلها، ضمان عدم انقطاع الطفل عن التعليم، وعدم وجود فارق كبير في العمر بين الزوجين، والتحقّق من الرضا ووجود منفعة، وغيرها مما يؤدّي إلى توقف عمليات تزويج الأطفال لرجال أكبر سنًا، مقابل المال، والتي انتشرت في السنوات الأخيرة"، تقول عبد العزيز، التي تشغل أيضًا منصب مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، مطالبة في الوقت نفسه بإلغاء "زواج الأطفال".

ومن جانبه، وصف خليل الزيود، المستشار التربوي والأسري، القانون بـ"الاغتصاب القانوني"، موضحًا أن "الزواج بناء، وهو يعتمد على كثير من القواعد، على رأسها الوعي بالصبر لمسافات طويلة من تقلّبات الزمان"، متسائلًا: "فهل هذا الوعي بالزواج متوافر عند هذين الطفلين؟".

وأضاف الزيود في تدوينة له على فيسبوك، أن "كلمة البلوغ، لا يقصد بها العمر، أي سنوات الحياة، بل هي مدى القدرة على أن تكون مدركًا لتحرّكاتك وقراراتك"، مضيفًا أنه "في ليالي البناء الأولى للزواج، تحدث مصائب بسبب الجهل من الطرفين، إضافة للخرافات الاجتماعية المرتبطة بليلة الدخلة، متسائلًا: "فهل سيكون هذا الأمر أخف جناية، عندما نضع من لا يدرك معنى علامات البلوغ عند الفتاة، مع التي ترهب حيضها الأول في غرفة واحدة، في ليلة معتمة، ونقول: على سنة الله ورسوله؟".

وذهب آخرون إلى الأخطار التي ستنتج عن هذا الزواج، الذي عدوه "انتهاكًا صارخًا للمبادئ الأساسية للصحّة الإنجابية، ولتوافر علاقة جنسية متكافئة ما بين الزوجين، والقدرة الجسدية على الحمل الطبيعي والولادة الطبيعية، علاوة على عدم قدرة الزوج الطفل أو الزوجة الطفلة، على تحمّل المسؤولية وفقًا للقوانين".

وفي سياق متصل، أشار اختصاصيون في الطب النسائي والتوليد إلى "أن الحمل السليم بحاجة إلى جسد مكتمل من الناحية الفيزيولوجية، يكون قادرًا على التعامل مع المتغيّرات الهرمونية الجديدة، والمصاحبة للحمل"، مبينين أن "الحمل له أعراضه، والتي لا يستطيع جسد فتاة صغيرة أن يحتمله، وهو ما يؤدّي في الغالب إلى الإجهاض، وبالتالي، فإن النتائج النفسية الناجمة عن هذا الحمل والإجهاض، تنعكس آثارهما سلبًا على نفسيه الأم الطفلة".

ووفق ما جاء في التقرير الإحصائي السنوي، لعام 2016، والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، فقد ارتفعت حالات الزواج المبكّر (أقل من 18 عاما) بحوالي 41 حالة زواج، حيث بلغت 10907 حالات عام 2016، فيما كانت 10866 حالة عام 2015.

من ناحيتها، كشفت جمعية معهد "تضامن النساء الأردني" (تضامن)، أن "نسبة الزواج المبكّر إلى إجمالي حالات الزواج، ثبتت على ارتفاع خلال آخر عامين، على الرغم من الجهود التوعوية والإرشادية التي تبذلها مختلف الجهات والمؤسّسات للحد منها، فلم تتراجع هذه النسبة التي سجّلت خلال عامي 2016 و2015 حوالي 13.4%".

وتضيف "تضامن"، ومن خلال تقرير صادر عنها حديثًا، اطلع عليه "جيل"، أن 402 حالة من بين 10907 حالات زواج مبكّر خلال عام 2016 انتهت بالطلاق في العام نفسه، فيما وصل العدد الإجمالي لحالات الطلاق في العام الأوّل للزواج (81343 حالة زواج)، إلى 6637 حالة طلاق، وبنسبة 8.2%، وهو ما أصبح يطلق عليه الطلاق المبكّر (الطلاق بعد زواج لم يتجاوز عاما واحدا)، وبارتفاع، مقارنة مع عدد الحالات خلال عام 2015 (5599 حالة طلاق في العام الأوّل للزواج).

تجدر الإشارة إلى أن ناشطين على مواقع التواصل الإلكترونية، أطلقوا وسمًا "هاشتاج"، تحت مسمى #زواج_القاصر_غير_أخلاقي، عبّروا فيه عن رفضهم للقانون، حيث جاءت أقوى التعليقات من خلال هذا الوسم، لتصف هذا التشريع بأنه "اغتصاب قانوني"، و"اغتصاب طفولة تحت بنود القانون"، "زواج القاصر غير أخلاقي"، "اغتصاب بشكل شرعي"، ما شكّل ردود فعل أردنية متباينة حول هذا القانون.

المساهمون