شهر رمضان ينكأ جراح مغتربي غزة في الصين

شهر رمضان ينكأ جراح مغتربي غزة في الصين

04 ابريل 2024
فقدت غالبية عائلات غزة أفراداً (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المغتربون الفلسطينيون في الصين يعانون من العجز والحرمان بسبب الأوضاع في غزة، مع تأثرهم بأخبار الدمار والفقد.
- يشعر المغتربون بالذنب والقلق الدائم على أهلهم، مثل المهندس أحمد ناصر، الذي يحاول إيجاد الأمل في الأخبار الواردة من القطاع المحاصر.
- تتضاعف مأساة المغتربين خلال رمضان، حيث يفتقدون للتجمعات العائلية، مثل محمد شتات الذي يشعر بالفقد والحرمان، لكنهم يظلون صامدين متمسكين بالدعاء والأمل.

اعتاد عدد كبير من المغتربين على العودة إلى قطاع غزة لقضاء فترات من شهر رمضان مع ذويهم، لكنّ أيّاً منهم لم يتمكن من فعل ذلك هذا العام بسبب العدوان الإسرائيلي، ويزيد الألم فقد عدد كبير منهم أفراداً من عائلته والعديد من أصدقائه الذين كان يحيي معهم هذه الأيام المباركة في أجواء من الدفء والطمأنينة.
يقيم حازم السوافيري، في مدينة كوانجو جنوبي الصين منذ نحو عشرين عاماً، وفقد في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الماضي 27 فرداً من أسرته في استهداف إسرائيلي لمنزل العائلة في مدينة غزة، وخلال الاقتحام الأخير لمجمع الشفاء الطبي، فقد الاتصال بمن تبقى من أفراد أسرته، وهو لا يزال يحاول الاتصال بهم للاطمئنان عليهم. 
يقول السوافيري لـ "العربي الجديد": "اعتدنا في المأساة أن نقول بأي حال عدت يا عيد، لكننا اليوم نقول بأي حال عدت يا رمضان. حجم الألم والصدمة أكبر من ترف البكاء على الأطلال، وتسارع الأحداث لا يتيح لنا فرصة للحزن. تلقيت قبل أشهر قليلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي نبأ استشهاد أمي أم إيهاب، وأخي محمد وزوجته وأولاده، وأختي رنين وأولادها، وزوجات إخواني. تمكن الأهل والجيران من انتشال جثامين بعضهم ودفنهم، والبقية ما زالوا تحت الأنقاض. هؤلاء ليسوا أرقاماً، فكل منهم له قصة وأحلام وطموحات".
يضيف: "كنت قد زرتهم قبل الحرب بأيام قليلة، وقضينا معاً أوقاتاً جميلة، وبعد أن غادرت القطاع بيومين اندلعت الحرب، ومنذ ذلك الحين أعيش في قلق لا يكاد يتوقف لحظة واحدة. في كل مرة أجلس مع عائلتي الصغيرة في الصين حول مائدة الإفطار يعتصرني الألم. في مثل هذه الأيام كان يفترض أن نجتمع معاً تحت سقف واحد، لكن للأسف هذا السقف انهار عليهم، لأبقى وحيداً أتجرع مرارة الفقد والحرمان".

تسارع الأحداث لا يتيح للمغتربين الفلسطينيين فرصة للحزن على غزة

يقيم المهندس أحمد ناصر في الصين منذ سنوات طويلة، ويقول إن الشعور بالعجز وقلة الحيلة يطارده، ويحاول التحكم في سير الحياة اليومية رغم الإحساس بالذنب مع كل لقمة يحاول أن يستسيغها في رمضان، بينما أهله في قطاع غزة لا يجدون الماء النظيف للشرب. يضيف لـ"العربي الجديد": "أتجاهل مشاعري وأتفرغ لمشاهدة الأخبار ومتابعة مجريات الأحداث علها تحمل أملاً هنا أو انفراجة هناك. على مدار أيام الحرب، تتسارع دقات قلبي مع كل استهداف من الطيران أو الدبابات، ومع كل خبر أشعر بالقلق على أهلي وأصدقائي ومعارفي هناك".
يتابع ناصر: "نزح والداي أبي وأمي المسنّان بعد استهداف مدرسة مجاورة لمنزلنا في مدينة غزة، وحين تكلمني هاتفياً تحاول طمأنتي، لكني أستحضر معاناتهم الحالية بسبب النزوح، والبقاء في مدارس إيواء لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة، وهي تفاصيل وصور نتابعها يومياً عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم ذلك أفاجأ بأن اهتمامات الوالدة تختلف عن توجهات الوالد في هذه اللحظات الفارقة، فأمي تحاول أن تطمئن ابنها المغترب بأن حياتهم طبيعية، في حين أن أبي لا يمل من تكرار وصاياه لي في حال وقوع مكروه له بالحفاظ على إخوتي من بعده، وعندها أصاب بشرخ في قلبي يمتد إلى أطرافي".

يدير محمد شتات، مكتباً تجارياً في جنوب الصين منذ سنوات، وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، فقد شقيقه رامي، والذي أصيب في القصف، وتعذر خروجه من القطاع لتلقي العلاج ما أدى إلى وفاته. يقول لـ "العربي الجديد": "يتضاعف في رمضان الشعور بالفقد والحرمان، فالأسرة التي كانت تجتمع حول مائدة الإفطار باتت مشتتة بين أماكن متفرقة في القطاع، ونصف العائلة نزح إلى الجنوب، وبعضهم ظل في المنطقة الوسطى، وهناك أفراد فقدنا الاتصال بهم بسبب سوء خدمات الإنترنت".

يواصل: "يعاني المغترب مأساة مضاعفة، فقد حُرم العديد من التجار الغزيين من العودة إلى القطاع بسبب ظروف الحرب، خصوصاً من اعتادوا في كل عام على العودة إلى ديارهم لقضاء شهر رمضان بين أهلهم وذويهم، كما نشعر بالعجز لأننا غير قادرين على فعل شيء، ولا سبيل للمواساة سوى باستحضار معاناة الآخرين ومأساتهم، فمن فقد فرداً من أسرته يحمد ربه أن البقية ما زالوا على قيد الحياة، فهناك عائلات مُسحت من السجل المدني، وشهداء دفنوا في الطرقات، وأطفال مجهولو الهوية بسبب استشهاد أهلهم وذويهم، وهناك أسرى، وجوعى، وكل هذا يترك الكثير من الألم والحسرة والحزن في عيون الأصدقاء الغزيين المغتربين في الصين وقلوبهم، لكننا لا نملك سوى الدعاء بأن يمدنا الله بالثبات والصبر ويربط على قلوبنا".
تجدر الإشارة إلى أن معدّ هذا التقرير واحد من الغزيين المقيمين في الصين، وقد فقد والدته قبل أيام بعد أن اشتد عليها المرض في ظل الحرب والحصار وتكرار النزوح عقب الاستهداف المباشر لمنزل أسرته، واستشهاد أربعة من أبناء عمومته.

المساهمون