رمضان تونس... تقاليد جميلة تخفف وطأة الواقع الصعب

رمضان تونس... تقاليد جميلة تخفف وطأة الواقع الصعب

04 ابريل 2024
أواني طبخ مجددة استعداداً لرمضان (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خلال رمضان، يعود التونسيون إلى تقاليدهم العريقة، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف الأجيال الجديدة بعادات قديمة، مما ينعش الحركة التجارية ويحيي صناعات تقليدية.
- عواطف مزغني ترى رمضان كفرصة للتونسيين للهروب من الواقع الصعب وتجديد الصلة بالماضي، مؤكدة على دور وسائل التواصل في تذكيرهم بتراثهم الغني.
- منجي العلاني يشهد على إحياء الأواني التقليدية والحرف اليدوية في رمضان، معبراً عن تعلق التونسيين بالتفاصيل الصغيرة التي تربطهم بماضيهم وتحافظ على ذاكرتهم الجماعية.

جدد التونسيون خلال شهر رمضان الصلة بعاداتهم وتقاليدهم القديمة، حتى تلك التي تواجه الاندثار. وتساعد وسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بالعادات القديمة المرتبطة بشهر رمضان في مختلف المحافظات، ما يساهم في تنشيط الحركة التجارية، ويُحيي صناعات وحرفاً تكاد تختفي.

ويمثل شهر رمضان شهر الحنين إلى الماضي بامتياز، حيث تصبح الأحياء القديمة داخل المدن مراكز الحركة التجارية والثقافية. تقول عواطف مزغني (57 سنة) لـ"العربي الجديد": "يهرب التونسيون في رمضان من واقعهم المعيشي الصعب، ويجددون الصلة الروحية بماضيهم الذي يمنح غالبيتهم إحساساً بالطمأنينة".
تضيف: "ينشغل التونسيون بمستقبلهم ويرهقهم الغلاء، كما تؤثر الحرب الحالية على غزة في نفسياتهم، ما يزيد حاجتهم إلى سكينة يجدونها في العودة إلى حياتهم القديمة عبر استحضار أدق تفاصيلها. رمضان هو شهر البحث عن السكينة الروحية، ولمّ الشمل الأسري. ونحن نقاوم الواقع الصعب تارة بالتمسك بالعادات وطوراً بتحدي العراقيل والأزمات، وكل شخص يفعل ذلك على طريقته".
وتشيد عواطف بدور وسائل التواصل الاجتماعي في تذكير التونسيين بعاداتهم القديمة ونبشهم تراث محافظات البلاد، وتعتبر أن التقاليد الجميلة تزاحم واقعاً اجتماعياً صعباً، وتخفف وطأته.
وفي شأن خصوصيات رمضان هذا العام، تقول مزغني: "يشعر التونسيون بمرارة كبيرة بسبب إقبال الشهر الكريم من دون حسم الحرب في غزة. وقد يكون إعداد أطباق فلسطينية على موائد رمضان هذا العام أحد أشكال التضامن وإحياء تراث عريق يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى طمسه عبر حربه الشرسة على غزّة وأهلها".
إلى ذلك، يعدّ تجديد النشاط في أسواق النحاس وقصدرة الأواني أحد شواهد عودة الروح إلى أواني الطبخ التقليدية على الموائد. وشهدت السنوات الأخيرة عودة قوية إلى استعمال هذه الأواني، ولا سيما في شهر رمضان، ما جعل الحرفيين يفتحون دكاكينهم مجدداً، ويستعيد من تبقى منهم أمجادهم.

الصورة
يشكو التونسيون من اختفاء المواد الغذائية الأساسية (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
يشكو تونسيون من غلاء المواد الغذائية (شاذلي بن إبراهيم/Getty)

ويقول منجي العلاني، وهو صاحب محل لبيع النحاس وقصدرته في العاصمة تونس، لـ"العربي الجديد": "كادت هذه المهنة تندثر بعدما غابت الأواني النحاسية عن المطابخ لسنوات طويلة، وترك أهل الصنعة دكاكينهم، ثم عادت تدريجاً بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في شهر رمضان".
ويتحدث عن تعلّق التونسيين بالتفاصيل الصغيرة التي تعيدهم إلى ماضيهم خلال شهر رمضان، ما يطيل عمر عشرات الحرف، ويحفظ الذاكرة الجماعية للمهن". ويؤكد أن الحرفيين الباقين في سوق النحاس يلبون بصعوبة الطلبات الكثيرة للزبائن الذين يجلبون أواني الطبخ لتجديدها استعداداً لشهر الصيام، باعتبارها تعطي نكهات خاصة للطعام".
ومن العادات الراسخة للتونسيين خلال شهر رمضان طلاء المطابخ وشراء الأواني الجديدة، وتأمين مستلزمات أساسية من بهارات و"فريك" الذي يستخدم في إعداد الحساء، وأيضاً بودرتي "الدرع" و"البسيسة" اللتين تستعملان في إعداد حلويات ووجبات سحور.
ويؤثر شهر رمضان في السلوك الغذائي للتونسيين، فيصبحون أكثر ميلاً إلى الأطباق التقليدية الدسمة، ويتخلون عن المأكولات الخفيفة، ما يكلفهم نفقات إضافية يحرصون على تأمينها متحدّين الوضع المعيشي الصعب في البلاد.
ومن أبرز أنواع السلوك الغذائي المرتبط برمضان في تونس زيادة استهلاك الألبان الطازجة والبيض مقابل تراجع استهلاك الخبز المدعوم، ما يفسح المجال أمام استهلاك أصناف خبز غير مدعوم.
ولم يقتصر الاستعداد لرمضان على شراء مواد استهلاكية، إذ شارك العديد من التونسيين في تنظيف المساجد ومساعدة المشرفين في أنحاء البلاد على تزيينها بأضواء، وتعطيرها لاستقبال المصلين طوال هذا الشهر.

ومن أجل تأمين الزينة الكاملة للمساجد وبيوت العبادة انطلقت قبل رمضان حملات جمع التبرعات لتغيير سجاد المساجد، وتوفير مصاحف وصيانة مكبرات الصوت، إذ تشهد المساجد خلال شهر رمضان توافد أعداد كبيرة من المصلين، خصوصاً خلال الليل لأداء صلاة التراويح التي تنطلق ليلة رصد الهلال.
أما موائد الرحمن وسلال المتبرعين فلا تنقطع في تونس. وهي من العادات القديمة التي تعود سنوياً في أشكال جديدة سواء عبر حملات لجمع تبرعات غذائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر جهود شبان متطوعين يضعون سلالاً خاصة أمام المحلات التجارية الكبيرة لحث المواطنين على تخصيص جزء من مقتنياتهم لفائدة الفقراء.
ويشارك تلاميذ مدارس وطلاب جامعات بكثافة في حملات جمع التبرعات التي تنفذها جمعيات مدنية لتحفيز اليافعين على التطوع في أعمال الخير، وتحضير "قفة" شهر رمضان مبكراً لمصلحة المحتاجين وعابري السبيل وفاقدي السند الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن سد لقمة عيشهم، ولا يستطيعون مشاركة عائلاتهم في موائد الإفطار خلال شهر رمضان.

المساهمون