النوبة.. هل من عودة؟

النوبة.. هل من عودة؟

21 نوفمبر 2016
(تصوير: تارة تدراس)
+ الخط -

يمتلئ تراث المصريين بقصص التندر على المفرطين بالأرض، وإن كان ذلك تحت ضغط تحسين الأوضاع الاقتصادية؛ فيتغنون بالسخرية من "عواد"، ذلك الذي تخلى عن أرض يزرعها لقاء حفنة أموال، قائلين: "عواد باع أرضه يا ولاد.. شوفوا طوله وعرضه يا ولاد".

في إطار الفولكلور السابق، يروي مصطفى الدابودي، منسق ائتلاف العودة النوبية "عائدون"، والعضو السابق في لجنة وضع الدستور المصري، قصة النوبة التي لا يعرفها عواد، قائلًا: "في عام 1902، عندما ظهرت الحاجة لبناء "خزان أسوان"، هُجّر النوبيون لأول مرة، تكرر ذلك عدة مرات منذ ذلك العام، حتى عام 1933".


بداية قرن التهجير
المعلومات التاريخية المتوافرة حول هذه الواقعة، تقول إن الخزان بُني من الخدمات المقدمة للاحتلال الإنكليزي، للتوسع في زيادة إنتاج مصانع النسيج، واستخدام فائض المياه لزراعة القطن. لم تُبدِ الحكومة المصرية وقتها اهتمامًا بمن يعيشون خلف الخزان، فغرقت عشر قرى نوبية، لكن قرار الهجرة لم يكن الخيار الأمثل، فبنوا القرى من جديد على المرتفعات القريبة.

هنا، يتابع الدابودي: "في عام 1933، الإشكالية نفسها تتكررت، فعمدت الحكومة المصرية إلى زيادة ارتفاع الخزان".


التعويضات
تاريخيًا قدمت الحكومة المصرية تعويضات للمتضرّرين من غرق 18 قرية جديدة، تحت عنوان "تعويضات منكوبي الخزان".

يقول الدابودي إن "مراحل التهجير الأخيرة كانت عند بناء السد العالي، وقتها وعد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر النوبيين بالعودة إلى القرى التي هُجّروا منها عند استقرار منسوب المياه عند 582. هكذا، ظهرت الدعوات إلى ما يُعرف باسم "التهجير الأفقي"، في مناطق مشابهة للطبيعة الجغرافية، إلا أن التهجير مضى إلى أراض صحراوية، ما أدّى إلى نزوح بعض الأهالي إلى الشمال المصري".


أرقام في عهد عبد الناصر
في عام 1959، كان البدء في تنفيذ مشروع السد العالي، وتُرك خلف ذلك قرية حلفا (أقصى شمال السودان غارقة)، الأمر الذي دعا الرئيس جمال عبد الناصر إلى السفر إلى النوبة في عام 1960، وإلقاء خطاب بجوار معبد أبو سمبل. هناك، قدم عبد الناصر وعوده بحياة أفضل، إلا أن ثلاث سنوات على الخطاب كانت كافية لبدء تهجير جديد.

استمر التهجير حوالي 244 يومًا، من 18 أكتوبر 1963 إلى 22 يونيو 1964، فيما كان عام 1964 هو الأسوأ، لوفاة أكثر من 1500 طفل، نتيجة ظروف التهجير السيئة.

حاولت الحكومة التعويض أيضًا، فصرفت من 10 إلى 50 قرشًا تعويضًا عن النخلة المزروعة، وعن بيت النوبي المبني من الطوب اللبن، ببيت إسمنتي لا يتلاءم مع درجات الحرارة المرتفعة.

يقول الدابودي إن المطالبات النوبية لم تتوقف، اعتمادًا على الوعد الناصري، من توافر منسوب المياه، خصوصًا بعد ثورة يناير 2011، كان ذلك بالتنسيق مع وزارة العدالة الانتقالية.

الجلسات تتوالى حتى حكومة محلب الأخيرة، التي تم الاتفاق معها على قانون يرضي جميع الأطراف، بحضور ممثلين عن النوبة، وممثلين لوزارتي الثقافة والآثار، والهيئة العامة للإحصاء، وممثلين عن محافظة أسوان، وانتهت إلى أن القرار سيُناقش في البرلمان المصري.


قوافل العودة
هنا، فقرتان من بيان قوافل العودة النبوية، واللتان تعتبران دستورًا لقافلتين، آخرهما انطلقت منذ يومين:

"أيها السادة، مرت سنتان، من أصل عشر سنوات، لتنفيذ ما جاء بنص المادة 236 بباب الأحكام الانتقالية من الدستور المصري الجديد، ولم تقدم الحكومة أي بادرة لتفعيل ما اتفق عليه الشعب واتخذه خارطة للطريق نحو مصرنا الجديدة التي نسعى عليها جميعا…".

"عفوًا يا سادة، فكُرة الثلج تحركت نتيجة للحمم البركانية داخل صدور النوبيين،  نتيجة لتجاهل الدولة لأبنائها،  وعرض أكثر من 110 آلاف فدان للبيع في #توشكي و #فورقندي، وهم أحق بإعمارها وتنميتها، فأجدادهم يرقدون بالقرب من هذه المناطق في الوقت الذي تم منع النوبيين من دخول أراضيهم بموجب #القرار_٤٤٤ وتعطيل تفعيل #المادة_٢٣٦ وعدم إصدار قانون التوطين والهيئة.

حدد #قانون_التظاهر المصري الجديد رقم 107 لسنة 2013 الأفعال المجرمة التي تقع تحت طائلة نصوص مواده على سبيل الحصر لا على سبيل القياس، ولم يتطرق قانون التظاهر إلى القوافل الاجتماعية التي لا تحمل بداخلها أي تيارات سياسية أو حزبية وتسعى لدعم جهود الدولة التنموية وتأصيل لمنهج التخطيط بالمشاركة".

طارق كاسو، أحد الذين خرجوا خلال قافلة حق العودة، يروي ما جرى خلال الـ 36 ساعة الماضية: "انطلقت القافلة تحت عنوان، "النوبة ضد قرار 444"، وبعد ساعتين تم توقيفها،  في الكيلو 16 طريق أبو سمبل (جنوب مصر)، على يد قوات الأمن المصرية".

عبد العليم عز الدين، يقول أيضًا إن السيارات التي حملت المشاركين بالقافلة، تعرضت للتوقيف وسحب رخص قيادة السائقين، وهوياتهم الشخصية، لمدة ساعتين، ثم تغريم كل سيارة مبلغh قدره 3000 جنيه مصري، ومنع المرور، فاعترض المشاركون وقرروا الاعتصام.

يتابع كاسو: "بعد الاعتصام لفتح طريق العبور، خرجت بعض القرى النوبية تضامنًا، الأمر الذي نتج عنه إغلاق طرق الخزان، وبلانة مصر أسوان، فيما خرج شباب "الكرور"، فتصدت لهم الشرطة العسكرية، فيما يعترض الأمن طريق المتضامنين ويمنعهم من الوصول للمعتصمين بالإمدادات".

بحسب كاسو، فإن المعتصمين يصل عددهم لـ 500 فرد، تتلخص مطالبهم في إلغاء بيع 110 آلاف فدان في منطقة "فورقندي"، وتحديد موعد عاجل مع رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال، لمناقشة المادة 236، من الدستور المصري لسنة 2014.


اتهامات
في عهد مبارك، كان السعي مستمرًا لإبقاء القضية النوبية منعزلة، أو اتهام النوبيين بأنهم دعاة انفصال، أو إظهار النوبي خلال وسائل الإعلام في صورة الطيب الضاحك دائمًا، حسب دراسة نشرها موقع حركة الاشتراكيين الثوريين بعنوان "التهجير مستمر".

تتكرر هذه الاتهامات الآن، على لسان البعض، وبطريق غير رسمي، خاصة مع بدء قوافل العودة، الأمر الذي يرد عليه الدابودي: "لا يحتاج النوبيون إلى إثبات مصريتهم طوال الوقت، خاصة مع الأخذ بالاعتبار أن كل مطالباتهم هي تفعيل الدستور المصري".

المساهمون