ثمن التغيّر المناخي [5/7]... سلطنة عُمان في عين العاصفة

ثمن التغيّر المناخي [5/7]... سلطنة عُمان في عين العاصفة

24 نوفمبر 2021
تأثيرات التغير المناخي على الموارد والبنية التحتية خطيرة (Getty)
+ الخط -

يكلف التغير المناخي سلطنة عمان خسائر مليارية، ويهدد مواردها الطبيعية وبنيتها التحتية بشكل متعاظم، ما يقتضى مواجهة استباقية تقلل من تداعياته غير أن شح التمويل وقلة المتخصصين يعيقان استراتيجية التكيف وتخفيف الأثر.

- نجت الستينية العُمانية سلايم بن حسن السعدية وأسرتها من إعصار شاهين الذي اجتاح السلطنة في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنه أغرق منزلها في ولاية السويق التابعة لمحافظة شمال الباطنة، بعدما حالت المياه الكثيفة والرياح الشديدة دون وصول الشرطة والطائرات المروحية لإنقاذهم، وظلت هي وجيرانها محاصرين حتى اليوم التالي على أسطح المنازل.

وتعد ولايات السويق والخابورة شمال الباطنة، والمصنعة التابعة لمحافظة جنوب الباطنة، أكثر المناطق تأثرا بسبب الإعصار، ما أسفر عن مصرع 13 شخصا، وتضرر البنى التحتية والمساحات الزراعية والمنازل بحسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

وتتسبب الأعاصير للسلطنة، بخسائر تقدر بمليارات الدولارات، مثلما حدث في عام 2007 أثناء كارثة إعصار جونو، والذي قدرت الحكومة العُمانية تكلفة آثاره وقتئذ بـ 4 مليارات دولار، وفي ربيع عام 2018، ضرب إعصار مكونو مناطق السواحل العُمانية، مخلفا خسائر بـ 1.5 مليار دولار، وتعدّ شمال الباطنة من المحافظات الساحلية الأكثر عرضة لتبعات الأعاصير والعواصف المدارية الناجمة عن التغيرات المناخية، بالإضافة إلى مسقط وصور وصلالة، إذ تقع السلطنة على ثلاث واجهات بحرية ويبلغ طول سواحلها 3165 كيلومترا، ويتركز معظم السكان على طول خط الساحل مباشرة وبالقرب منه حيث ترتفع مؤشرات الخطر، ما يزيد من خسائر الأعاصير، بحسب ما رصده الباحث يوسف شريف في ورقة بحثية صادرة عن جامعة السلطان قابوس عام 2013 بعنوان، :"التغير المناخي وتأثيراته المتوقعة على مورفولوجية (علم يهتم بدراسة شكل وبنية الكائنات الحية وخصائصها) السواحل العمانية".

كيف يهدد التغير المناخي عمان؟

تهدد آثار التغير المناخي الخطيرة عمان منذ فترة طويل، إذ أدت قبل حوالي 6 آلاف سنة، إلى اختفاء معظم أشجار المنغروف من سواحل السلطنة بسبب ارتفاع نسبة ملوحة مياه البحر بدرجة كبيرة وندرة كبيرة في الأمطار الشتوية، بحسب دراسة علمية أنجزها علماء من جامعة بون الألمانية ونشرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدورية "كواتيرناري ريسيرش" الصادرة عن جامعة كامبرديج.

وتبدو علاقة التغيرات المناخية بمياه البحر بوضوح في ظل هجمة الأعاصير على السلطنة، إذ تحتاج إلى  مياه دافئة تتراوح حرارتها بين 27 و30 درجة مئوية عند مستوى 50 مترا تحت سطح البحر، وتعد الشمس المصدر الأساسى الذى يستمد منه الإعصار طاقته حيث تسقط أشعتها على سطح مياه المحيط فتسخن المياه وتتحول إلى بخار ماء يرتفع الى الأعلى فيبرد ويتكاثف ويخرج الطاقة الحرارية الكامنة التى تتحول الى طاقة حركيه تدير الأعصار، ويرجع ازدياد حدة الأعاصير على السواحل العمانية إلى التغيرات المناخية المتمثلة بتراجع هطول الأمطار والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، بالتالي يزداد تبخر المياه التي تجذبها التيارات البحرية، ما يزيد من فرص تشكل الأعاصير والعواصف، إذ تأثرت السلطنة خلال الفترة بين عامي 2007 و2021 بـ 22 حالة مدارية متطرفة، من بينها 6 أعاصير، وفق إفادة الدكتور حمد الغيلاني الخبير البيئي في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه.

وتتعرض السلطنة لعواصف وأعاصير عنيفة بمعدل بين حالة إلى حالتين مداريتين كل عام، وتتصل هذه الأعاصير بموسمين الأول يبدأ من نهاية إبريل/نيسان إلى بداية يوليو/تموز، والثاني يبدأ من أغسطس/آب وحتى ديسمبر/كانون الأول، بحسب دراسة منشورة حول الأعاصير المدارية في بحر العرب بالعدد 24 من مجلة المناخ الأميركية.

ووفقا لمؤشرات منشورة على الموقع الرسمي للبنك الدولي تضم الأعوام من 1991 وحتى 2020، من المتوقع أن يتراوح ارتفاع منسوب سطح البحر خلال القرن الحالي بين 60 و100 سنتيمتر، ما يؤثر على مورفولوجية السواحل العمانية، ويرتفع المتوسط السنوي لدرجات الحرارة بنحو 0.4 درجة مئوية لكل عقد منذ الثمانينيات، كما انخفض معدل هطول الأمطار منذ ذلك الحين، إذ يتراوح متوسط الهطول السنوي بين 150 مليمترا و300 مليمتر في الشمال بينما يتراوح من 50 إلى 150 مليمترا في الجنوب، ما يؤثر على البنية التحتية الحضرية وصحة السكان ومواردهم المائية، وهو أمر بالغ الأهمية لأن السلطنة تعاني من الإجهاد المائي.

وظهر أثر التغير المناخي جليا في السلطنة في 26 يونيو/حزيران عام 2018، حين سجلت مدينة قريات الساحلية شرق مسقط، أعلى درجة حرارة دنيا تمت ملاحظتها على الإطلاق واستمرت 24 ساعة دون أن تنخفض أبدا، وبلغت 41.9 درجة مئوية، ما يعكس أن السلطنة تشكل نقطة ساخنة تتأثر بتداعيات التغيرات المناخية.

رغم مخاطر التغير المناخي السابقة، يرى الدكتور سعود الزدجالي الباحث في السياسات الإدارية، أن أحد أسباب الخسائر الكبيرة هو عدم إعطاء الأهمية الكافية لمواجهة استباقية عبر تخطيط تنموي يحجمها، في مقابل التركيز على معالجات وإغاثة آنية في كل مرة تتعرض فيها البلاد لإعصار أو عواصف.

خسائر القطاع الزراعي بسبب التغير المناخي

يعتمد العاملون في القطاع الزراعي على الأشجار المعمرة التي تحتاج لفترة زمنية طويلة حتى يبدأ إنتاجها الفعلي، كالنخيل، وعندما تأتي الكوارث الطبيعية فإنها تفتك بالبيئة الزراعية في غضون ساعات، بحسب الزدجالي، وهو ما جرى في وادي الحواسنة بولاية الخابورة والذي يعمل قاطنوه بزراعة النخيل والليمون والمانغو والتين والموز والسدر والحناء، لكن إعصار شاهين حول تلك الأراضي إلى مساحات جرداء، وفقا لما قالته وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه التي لم تنته من حصر أضرار الإعصار الأخير على المنتجات الزراعية والأراضي الصالحة للزراعة حتى الآن، بحسب ردها على "العربي الجديد".

ويطاول الضرر، الأفلاج والتي تشكل شرايين مائية تروي الحقول الزراعية، إذ خلف إعصار شاهين على سبيل المثال أضرارا تتراوح بين اختفاء كلي لمعالم الفلج أو تضرر جزئي في هيكلته وقناته، ويتم العمل على صيانة 53 فلجا متضررا في محافظة شمال الباطنة، كما ستطرح مناقصات لصيانة 25 فلجا آخر في المحافظة، بحسب وزارة الزراعة.

ومن الأفلاج التي تنتظر الصيانة فلج الغيزين في ولاية الخابورة بمحافظة شمال الباطنة، والذي عاد للجريان بجهود أهلية ذاتية، بعد توقف لمدة أسبوعين جراء الأضرار التي لحقت به بسبب الحالة المدارية شاهين، بحسب ما نشرته الجمعية العمانية للمياه Ows (حكومية) في تغريدة على تويتر في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثناء إشرافها على أعمال تنظيف وإعادة تأهيل لما تضرر من الأفلاج.

ويؤثر انقطاع الأفلاج على الأهالي والحقول الزراعية التي تعتمد عليها، إذ تستخدم مياهها في الريّ وتوزع وفقا لنظام معين على دورتين نهارية وليلية، لسقاية الأراضي المزروعة، وبعد ذلك إلى الأراضي الموسمية لترويها، وإن كانت نوعية مياه الفلج عذبة فإنها تستخدم للشرب كما ترفد المساجد القريبة منها بحاجتها من المياه، بحسب مصادر التحقيق.

موارد مائية في خطر

لعبت التغيرات المناخية دورا في تدهور المياه الجوفية وازدياد ملوحتها، ويعد ساحل الباطنة الأشد تضررا من حيث ازدياد ملوحة المياه الجوفية بمقدار من 40 إلى 45% في 670 بئرا جوفية، والحال ذاته في ولاية الخابورة وفي المنطقة الواقعة بين ولايتي المصنعة والسويق في محافظة شمال الباطنة، ما يهدد المواطنين بتحول مزارعهم مع مرور الوقت لأراض غير قابلة للزراعة، وفق دراسة وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه (ألغيت عام 2020 وأدمجت اختصاصاتها مع وزارة الداخلية) حول قياس ملوحة المياه الجوفية الصادرة بتاريخ 8 فبراير/شباط 2017.

إهمال التخطيط العمراني يضاعف الخسائر الناجمة عن السيول والأعاصير

ومن المتوقع أن يزداد متوسط درجة الحرارة السنوية بمقدار 1 درجة مئوية بحلول عام 2050 وفقا لمؤشرات البنك الدولي، ويسهم ذلك مع انخفاض هطول الأمطار السنوي وارتفاع ملوحة مياه البحر، في تراجع سنوي لحجم تواجد أنواع من الأسماك العمانية وتعرض التنوع البيولوجي البحري للخطر، وهو ما يوثقه تقرير المساهمة الوطنية الثاني الصادر في يوليو/تموز 2021 عن الهيئة العامة للطيران المدني التي تتولى اختصاصات المناخ في السلطنة. ويؤكد ذلك الغيلاني بقوله :"عدم استقرار البيئة البحرية ينعكس سلبا على موسم صيد الأسماك واستقرار موائل الشعاب المرجانية أيضا.

التعدي على مسارات الظواهر الطبيعية

أطلقت الحكومة العمانية عام 2020 استراتيجية التنمية العمرانية، والتي تؤكد أهمية مراعاة التغيرات المناخية الحاصلة، عبر وضع الخطط والمشاريع المستقبلية لإدارة المناطق المعرضة لمخاطر السيول والفيضانات وإبعاد المشاريع التنموية الحالية والمستقبلية عن مسارات الأودية التي قد تكون عرضة لخطر السيول.

ويرى المهندس والمتخصص في الدراسات المعمارية بدر الهدابي، أن الاستراتيجية في حاجة إلى اعتماد الدولة معايير  للبناء والتصميم المعماري تمثل نموذجا وطنيا قياسيا، يقوم على مواجهة ارتفاع درجات الحرارة ومقاومة المياه والأعاصير، مؤكدا أن البنية التحتية الحالية في السلطنة لا تعدّ مقاومة للأعاصير، فلا يوجد سدود كافية على سبيل المثال لحصر المياه ومنع وصولها إلى التجمعات السكنية.

تمدد الإنشاءات في مسارات السيول وعند المصبّ يفاقم المخاطر

ويتفق الباحث المتخصص في التخطيط الإقليمي والحضري والتنمية العمرانية محمود الوهيبي، مؤسس مبادرة عُمان بفكر حضاري، مع الرأي السابق في أن التخطيط العمراني من الأولويات التي أرجأت الدولة معالجتها لسنوات، قائلا أن هناك أزمة كبيرة سببها غياب نظام تشريعي حديث مخطط للمدينة، "ما أدى إلى قلة المرونة في مواجهة التغيرات المناخية والآثار التدميرية للأعاصير والسيول بسبب تحول المدن وخاصة الساحلية ذات الكثافة السكانية الأكبر، إلى تجمعات تفتقر إلى التنظيم، في ظل التعدى على مسارات الظواهر الطبيعية، حيث يجري البناء في مناطق السيول والأودية حتى يومنا الحالي".

الصورة
مناخ السلطنة2

وتبين الدراسة التي أعدها الوهيبي بعنوان "سياسة التوسع الأفقي، مسقط نموذجا"، والمنشورة في إبريل/نيسان 2016، أن وادي بوشر الواقع في مسقط والمكتظ بالسكان غمرت المياه أجزاء كبيرة منه عندما اجتاح إعصار جونو السلطنة عام 2007. وتكرر الأمر ذاته خلال إعصار شاهين في أكتوبر الماضي، إذ غمرت السيول المناطق السكنية، بسبب تمدد الإنشاءات في مسار الوادي، وعند المصبّ تماما، ما يجعلها عرضة للغرق.

ويرد خالد التوبي المختص بالشؤون المناخية في الهيئة العامة للطيران المدني (فُوضت باختصاص المناخ)، بأن السلطنة أقرت عام 2019 استراتيجية التكيف والتخفيف من التغيرات المناخية، مؤكدا أن متابعة التغيرات المناخية هدف وطني للتقليل من مخاطرها على الموارد المائية والسياحة والبنية الأساسية وصحة السكان.

ورفعت السلطنة من مستوى طموحها للتحكم في انبعاثات الغازات الدفيئة المتسببة بالاحتباس الحراري وتغير المناخ وتقليلها بنسبة 7% بحلول عام 2030، بحسب تقرير المساهمة الوطنية الثاني، وتبين مؤشرات البنك الدولي أنه مع تخفيض حجم تلك الغازات يمكن أن يقتصر ارتفاع متوسط درجة الحرارة السنوية العالمية على درجتين مئويتين أو أقل، وبدون تقليلها، يمكن أن تصل الزيادة في المتوسط السنوي لدرجات الحرارة العالمية إلى 5 درجات مئوية أو أكثر بحلول نهاية هذا القرن. 

لكن تحديات تقف أمام هذا الهدف بحسب التوبي، أبرزها شح مصادر التمويل في هذا المجال، وحاجة السلطنة إلى بناء القدرات الوطنية للاعتماد عليها، في مواجهة التغيرات المناخية.