ثمن التغيّر المناخي [7/7]... 3 أسباب وراء موجات الغبار الخليجية

ثمن التغيّر المناخي [7/7]... 3 أسباب وراء موجات الغبار الخليجية المتلاحقة

23 سبتمبر 2015
1785 حادثاً مرورياً بسبب العواصف في السعودية(هيئة الأرصاد السعودية)
+ الخط -

انطلق المواطن السعودي محمد الربيعي مسرعاً نحو أقرب مشفى من منزله، بهدف إنقاذ ابنه الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد أن تعرض لموجه اختناق حاد بسبب أزمة ربو، أثارتها موجه غبار غطت سماء جدة الأسبوع الماضي. ما أن وصل الربيعي لمشفى الملك فهد، حتى فوجئ بأنه يغص بالمرضى الذين جاءوا للسبب ذاته، لم يجد أمامه سوى الذهاب لمركز صحي خاص للحصول على أوكسجين عاجل.

يقول الربيعي لـ"العربي الجديد، بعد أن وضع ابنه من يده: "يجب أن أشتري جهاز أوكسجين أكبر، الجهاز الموجود لدي لا يفي بالغرض، وأزمات الربو صارت تحدث كثيرا، بسبب موجات الغبار التي لا تنقطع"، يضيف بعد أن قبل رأس صغيره :"يعاني عبدالله من خناق شديد، يتأثر بأقل درجة من الغبار أو البرد، وفي الفترة الأخيرة بات يعاني كثيرا، لأن موجات الغبار لم تنقطع عنا".

اقرأ أيضا: اليسار في السعودية.. ندرة المراجع وغياب التوثيق

124 ألف حالة اختناق سنوياً


حالة الربيعي ليست نادرة، ففي المركز الخاص الذي أسرع إليه، كان يوجد نحو 12 مريضاً حضروا للسبب ذاته. وتؤكد وزارة الصحة السعودية على أنها تستقبل سنوياً أكثر من 124 ألف حالة اختناق بسبب موجات الغبار المتلاحقة، لهذا بات من الطبيعي أن تحذر الوزارة قبل أي موجه غبار بأن يبقى مصابو الربو في منازلهم، لكن موجات الغبار القوية تقتحم البيوت، كما يقول ناصر باعشن، الذي جلس إلى جوار الربيعي، في حالة بالغة من القلق، ينتظر خروج الطبيب ليطمئنه على أمه العجوز التي أصيبت باختناق شديد جراء دخول عوالق ترابية في قصبتها الهوائية.

بقلق واضح، يقول باعشن :"للأسف هم (يقصد الدفاع المدني والأرصاد الجوية) يحذرون عبر تويتر من موجات الغبار، نحن لا نعرف ذلك، ولو كنت أعرف أن هناك موجه غبار عنيفة ستضرب المدينة لما خرجت بأمي العجوز، لأنني أعرف أنها مصابة بالربو"، ويتابع :"لم أعد أستطيع الخروج بها كثيراً، لأنه في كثير من المرات تصادفنا موجة غبار تتسبب لها بالمرض، فهي تعاني من حالة متقدمة من الربو، ولا تحتمل الغبار".

ليس الاختناق فقط هو المشكلة الوحيدة، ففي العام الماضي تسببت موجات الغبار المتلاحقة، والتي تجاوزت 95 موجة على مختلف مناطق السعودية في وقوع 1785 حادثا مروريا، راح ضحيتها نحو 75 شخصا، كما أصيب فيها أكثر من 595 آخرين، إذ تنعدم الرؤية فجأة عندما تهب موجات الغبار، ويتحول النهار إلى ليل، ويفشل كثير من سائقي السيارات في السيطرة على سياراتهم، وتحدث الحوادث المميتة.

خلال العام الماضي، كانت الأجواء الأكثر معايشة في السعودية، ودول الخليج، مكفهرة ومشبعة بالغبار العالق، لم تعد هذه الأجواء منحصرة في التقلبات الفصلية، بل باتت هي السائد في مختلف الفصول وتؤكد التوقعات المناخية أن هذه السنة ستكون أيضا من السنوات الغبارية بسبب قلة الأمطار في صحراء العراق وإيران والكويت، الأمر الذي سيجعل من التربة في هذه المناطق مخلخلة، وهي الطريقة التي تلج منها الرياح إلى السعودية ويساعد في ذلك تصحر المناطق الشمالية في الأردن وسورية، وحتى لبنان، يضاف إلى ذلك الطبيعة الصحراوية لشبه الجزيرة العربية، التي تحتضن ثلاث صحاري شاسعة، كما يؤكد خبراء الطقس، لـ"العربي الجديد"، الذين أشاروا إلى وجود أسباب وراء تزايد موجات الغبار عاما بعد عام، بعضها قديم ومتوقع، ولكن المؤثر منها مستحدث، بسبب تدخلات بشرية، أو مناخية غير معتادة.

اقرأ أيضا: كليات التميز في السعودية.. مستقبل غامض ينتظر الطالبات

أسباب جغرافية


"الأمر ليس مفاجأة، التغييرات المناخية التي حصلت في السنوات العشر الماضية قادت لهذه النتيجة، مسببة سلسلة لا تتوقف من العواصف الغبارية، والعوالق الترابية"، هكذا يؤكد عضو الاتحاد العربي لعلوم الفلك الدكتور خالد الزعاق على أن الغبار من عناصر المنظومة المناخية لشبه الجزيرة العربية، مشدداً على أن ثورانه أمر طبيعي، ولكن الجديد أن انقطاعه بات مستغرباً.

ويضيف قائلاً لـ"العربي الجديد": "تقع السعودية ودول الخليج في النطاق الصحراوي المداري الجاف لغرب القارات، كما تقع تحت سيطرة منخفض الهند الحار في الصيف مما يجعلها في مهب الرياح القارية الجافة التي تحدث عواصف رملية تحمل في طياتها الغبار والرمال والأتربة"، ويؤكد الدكتور الزعاق أن هناك موسم يسمى (الغبيرة) يمتد لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر تكون السماء فيه كالحة من الغبار على المناطق الجنوبية الغربية من السعودية.

ويضيف: "الغبار له عودات متتالية خلال الأيام القادمة، إلا أنه عادة ما يكون موسم غبار الخريف أخف حدة من موسم غبار الربيع، وهو يسمى بالصفري، وسمي بذلك لأن وجه السماء يصفر من الغبار، ويستمر قرابة 26 يوماً".

تغيّرات مناخية مفاجئة

ليس المناخ فقط هو ما يقود لكل هذه الموجات المتعبة من الغبار والأتربة، فالموقع المناخي لشبه الجزيرة العربية لم يتغير، وما زالت تقع في المكان ذاته وتتعرض للمنخفضات الجوية ذاتها التي تتعرض لها منذ مئات السنين، فما الذي تغير حتى تصبح السماء بهذا الشكل معظم أيام العام؟ يؤكد الخبير المناخي صالح الصالح أن هناك حالة مناخية طارئة وراء ذلك، لم تكن موجودة في السابق، ويقول متابعاً لـ"العربي الجديد": "مناخياً نحن بدأنا في أواخر سبتمبر/أيلول الانقلاب الخريفي، والذي يبدأ معه نجم سهيل، والذي سيكون ظاهرا بشكل أكبر في أواخر أغسطس/آب، وفي هذه المرحلة من العام تعاني المنطقة من تكوّن منخفضات جوية تقود إلى تشكل سحب كبيرة على الرياض والمناطق الجنوبية من السعودية، وتساعدها السحب القادمة من بحر العرب، ولكن الجديد في هذا العام أن هذه السحب تصل إلى العراق وسورية ولبنان. وهذا لا يحدث عادة".

ويشدد الصالح على أن تشكّل السحب الرعدية القوية مع الرياح الهابطة هو ما يتسبب في موجات الغبار المتلاحقة على المنطقة الغربية من السعودية، متوقعا أن يكون هذا العام أفضل من ناحية الغبار، وأقل من المعتاد.

ويضيف: "نعيش في فترة التوقعات الصينية التي ظهرت قبل خمس سنوات، والتي أكدت أن منطقة شبه الجزيرة العربية ستكون أكثر رطوبة، بسبب تكون منخفضات جوية غير معتادة على منطقة الربع الخالي، تؤدي لتكون رياح رطبة تساعد على تكوين السحب، هذا الأمر غير معتاد إطلاقا في المنطقة، فالكتلة الرطبة التي تتكون على شرق آسيا عادة بدأت تزحف على منطقة الخليج، والجزيرة العربية، ولو استمر هذا الأمر لسنوات قادمة، فسنجد أن فصل الخريف سيكون فصلا ماطرا".

اقرأ أيضا: آيات الرحمن في جهاد الهان

أسباب بشرية


التغيّرات المناخية، وطبيعة الأرض ليست فقط من يتسبب بكل هذه الموجات، أمور أخرى إضافية تقود لذلك، كما يؤكد المتحدث الرسمي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة حسين القحطاني، قائلا إن "تزايد الجفاف، وانحسار الرقعة الخضراء، هو ما يزيد من قوة موجات الغبار، وليس الرياح فقط".

يتابع لـ"العربي الجديد": "عادة ما يشهد فصل الصيف الكثير من العواصف الرملية، وتتأثر المناطق الوسطى والشرقية من السعودية فيها بالرياح المثيرة للأتربة، ولكن في السنوات الماضية بات الأمر متكررا، ونحن في الرئاسة العامة للأرصاد ندرس هذا الأمر بشكل مكثف، ولكن يمكن تحميل الأمر لانحسار الرقعة الخضراء في منطقة الخليج أو المناطق المجاورة لها في سورية والعراق والأردن بسبب الجفاف، والاحتطاب الجائر هذا الأمر جعل من السهل نقل الاتربة والغبار بالرياح السطحية، فمنطقة الخليج باتت منطقة شديدة الجفاف، وهذا يجعل الرياح البسيطة رياح مثيرة للأتربة".

طبيعياً، تتأثر المنطقة بالكثير من المرتفعات والمنخفضات الجوية، هذا الأمر يتسبب في تكون السحب، وهي تدفع الرياح المحملة بالغبار والأتربة الخفيفة من الصحاري التي يقل فيها سقوط المطر، وعند انخفاضه إلى مستوى سطح الأرض يثير موجات الغبار لدرجة تتدنى معها الرؤية مع انخفاض ملحوظ في درجة الحرارة بسبب برودة المناطق القادمة منها.

ويؤكد الصالح أن الغبار ظاهرة طبيعية، ولكنها زادت أخيراً بسبب تكاتف العديد من الأسباب معها، ويضيف :"باتت الأرض في منطقة الخليج مكشوفة، وكذلك في الأردن وسورية والعراق، بعد أن تراجعت مساحة الأراضي الخضراء، أيضا في السعودية كثرة أعمال البناء وحفر الأراضي وإزالة الجبال أثارت الكثير من الغبار، ومع قلة الأمطار باتت أقل ريح قادرة على أن تشكل موجات واسعة من الغبار، ولهذا بالتأكيد ستستمر هذه الموجات الغبارية بسبب استمرار الأسباب السابقة، وخاصة المشاريع الإنشائية، ولا ننسَ أن منطقة الخليج هي منطقة صحراوية والرمال تحيط بها من كل جانب".

ويتفق الصالح مع الدكتور الزعاق ومع القحطاني على أن قوة وشدة الغبار تتوقف عدة عوامل، أهمها كثرة الأتربة أو الرمال الناعمة المفككة على سطح الأرض وانتشارها في مساحات واسعة، إضافة لجفاف الجو الذي يؤدي لتفكك الرمال والأتربة، وأيضا نشاط التيارات الهوائية الصاعدة ما يؤدي إلى ارتفاع الأتربة والرمال الناعمة، ولكن الأهم هو هبوب رياح سطحية تحمل معها الأتربة والرمال الصاعدة، وهو ما ينتج عادة عندما تمر جبهة هوائية باردة على أرض دافئة، يضيف الدكتور الزعاق: "هنا تسخن الأجزاء السفلى من الهواء البارد وترتفع بشكل تيارات صاعدة تحمل معها الأتربة والرمال الناعمة التي تدفعها الرياح أمامها".

-------
اقرأ أيضا:
سعوديون في داعش..12 سبباً تدفع مراهقي المملكة إلى التنظيم