فرقة "يارمركا"... إشارة إلى تبعية الأسد لروسيا

فرقة "يارمركا"... إشارة إلى تبعية الأسد لروسيا

10 مارس 2019
فرقة "يارمركا" (فيسبوك)
+ الخط -
إن استضافة سورية لفعاليات ثقافية وعروض فنية روسية لا تشير بالضرورة إلى تبعية النظام السوري إلى روسيا اليوم، فعادةً ما تجول العروض الفنية الحية المسارح حول العالم من دون أن يشير ذلك إلى مستوى العلاقات السياسية بين البلد المستضيف للفعالية وجنسية الفرق الفنية القائمة على العروض؛ ولكن أن تستثمر فرقة فنية جزءاً من الفضاء المسرحي في دولة تستضيفها لتنصب علم بلادها، كما فعلت فرقة "يارمركا" الروسية في العرض الفني المتنوع الذي قدمته، يوم الأربعاء الماضي، على خشبة مسرح "دار الأوبرا" في سورية، فهو أمر خارج عن المألوف، ولا تمكن قراءته بمعزل عن العلاقة السياسية بين البلدين. 

عندما نصبت فرقة "يارمركا" سارية علم بلدها، روسيا، على خشبة مسرح دار الأوبرا السورية، المعروف باسم دار الأسد، فإنها بذلك تلاعبت بمفهوم السينوغرافيا، لتفرض هيمنة وسطوة بلادها على البلد المستضيف سورية. ولتؤكد من خلال ذلك أن المكان الذي تقدم به العرض بات تابعاً لها، فكرياً وثقافياً وسياسياً. خصوصاً أن وجود العلم على الخشبة لم يكن له أي مبرر درامي، إذْ إن العرض يتكون من لوحات منفصلة، بعضها كان راقصاً على أنغام تشايكوفسكي، وبعضها الآخر كان سردياً، وتضمن أشعار بوشكين ومقاطع من روايات تولستوي.

ولا يخفف من وطأة وجود العلم الروسي على الخشبة وجود علم سوري يناظره على الجهة الأخرى، كما أن تقديم العرض على أنه احتفال بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيس العلاقات السورية الروسية، بالتعاون ما بين وزارة الثقافة وسفارة روسيا الاتحادية بدمشق، لا يعتبر مبرراً كافياً لغزو العلم الروسي للفضاء المسرحي بهذا الشكل الفج إطلاقاً؛ ولا سيما أن العرض الذي تم تقديمه على الخشبة كان روسياً بالمطلق، فقدمه فنانون روس، وهو مستمد بالكامل من الأدب والموسيقى الروسيين. أدب غير مقترن بالعلاقة المزعومة بين البلدين، بل هو من التراث الروسي العريق بالفن والأدب، ولم تقحم به أي عناصر سورية على الإطلاق. ولم يتخلل الفرقة المؤدية أي فرد سوري، ولا حتى آلة موسيقية شرقية تربط هذا الأدب بثقافتنا، بل كان العرض روسياً قلباً وقالباً، واقتصر الحضور السوري فيه على العلم في الركن الأيسر من المسرح، وعلى الأغلبية الساحقة من الجمهور.

وبالنسبة للجمهور السوري الذي دخل إلى صالة العرض ليحتفل بالعلاقات المشتركة بين بلده وروسيا، فإنه اكتفى بلعب دور المتلقي السلبي، واستمع لموسيقى وأبيات شعرية لا تنتمي لثقافته، وشاهد رقصات شعبية لا يدرك سبب وجودها. وهو أمر طبيعي يعكس العلاقة الثقافية بين البلدين؛ فروسيا لا تسعى للتبادل الثقافي مع سورية، كما توحي العناوين العريضة للاحتفال، بل إن الاحتفال برمته ليس سوى جزء من الخطة الروسية للغزو الثقافي الذي تمارسه في روسيا، والذي بدأت تتضح معالمه في الأشهر الماضية، بعد أن دخلت روسيا في قطاع الإنتاج الفني السوري، وفرضت لغتها على المدارس السورية، واستثمرت كل المنافذ الممكنة لتبسط سيطرتها الثقافية على سورية بعد أن غزتها عسكرياً.

المساهمون