قصر باردو... أقدم البرلمانات العربية

قصر باردو... أقدم البرلمانات العربية

01 ديسمبر 2017
يختزل قصر باردو جمال العمارة التونسية الأندلسية (العربي الجديد)
+ الخط -
جمال قصر باردو تختزله الجدران والأروقة ورائحة الحضارات المتعاقبة، فتبهرك هيبة المكان وعظمة التاريخ المحفور في كل زوايا المعلم.. ستة أسود رخامية رابضة في المدخل الشرفي الكبير تحرس القصر الكبير وتخشع عندها عيون الزائرين.. قبل أن تضيع بين الأقواس الكبيرة التي تبدي الشرفات والردهات لتخفي أقواسا وأبوابا أخرى من ورائها غاية في الإبهار.
برع حكام تونس في العهد العثماني، وبالخصوص البايات الحسينيون (نسبة للدولة الحسينيّة) براعة منقطعة النظير في تشييد القصور الشاهقة، وتزيينها بالنقوش والزخارف والرسوم المختلفة، متأثرين في عملهم بفنون المعمار الإسلامي المشرقي، والمسيحي الروماني وبين أساليب العمارة اليونانية والإسبانية والإيطالية.
ويقول بعض المؤرخين إن قصر باردو شيد في البداية ليكون قصرا لحريم العائلة الحسينية بنمط معماري تونسي أندلسي فالقصر يتكون اساسا من بساتين وقصور سلطانية تقع في الضاحية الغربية على بعد 4 كيلومترات من العاصمة تونس، ويتألف المبنى من القصر الصغير الذي أضحى اليوم متحفا يضم كنزا تاريخيا متكونا من آلاف الفسيفساء الرومانية والقصر الكبير بمختلف أروقته وقاعاته مخصص للسلطة التشريعية.
ويرجع تاريخ بناء قصر باردو بالتحديد إلى سنة 1574 م، حسب المؤرخ محمد العزيز بن عاشور، وقد تم توسيعه وتجميله مرات كثيرة على أيدي البايات العثمانيين المتعاقبين، و تم تحويل القصر إلى بلاط ملكي في القرن السابع عشر الميلادي، على يد الحسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية في تونس.
ويحوز قصر باردو على أهمية تاريخية كبرى لدى التونسيين، فقد احتضن القصر عدة أحداث تاريخية، من بينها موكب الإعلان عن عهد الأمان في سنة 1857 وموكب الإعلان عن أول دستور لتونس سنة 1861 والمصادقة على دستور الجمهورية الأولى 1959 ودستور الجمهورية الثانية بعد الثورة 2014.
ويتألف القصر السلطاني الكبير من مبنى حول فناء داخلي محاط برواقين متقابلين تم تزيين وسطه بفسقيّة من رخام، وقد استعمل هذا الرخام في تبليط الأرضيّة وتزيين أطر النوافذ والأبواب، ويوجد في القصر قاعتان للاحتفال، وأروقة مسقوفة ويعتمد في إضاءته على نوافذ شاهقة في العلو ومقوسة وبعض القاعات ما زالت تحافظ على الزخرف الذهبي والنقوش الأندلسية حيث تغلب الألوان الخضراء والزرقاء والحمراء.
ويقول العم "فتحي" هو حارس عمل في قصر باردو لسنوات طويلة إنه يعرف القصر ركنا ركنا وحجرا حجرا فقد عايش فترات وحقبات وسمع قصصا وأساطير القصر من سابقيه، وممن عملوا مع آخر بايات تونس في ظل النظام الملكي السابق. ويربط العم "فتحي" الحاضر بالماضي قائلا قاعة "العرش" التي كان الباي يتربع فيها مع بطانته أصبحت اليوم قاعة "مكتب البرلمان"، ومنها يدار الحكم وتصدر القرارات المصيرية، وأما قاعة "الحكم" القديمة فقد أصبحت قاعة للمطالعة خاصة بالمكتبة في حين تحولت غرفة "البلور" التي كانت مكان استراحة للبايات إلى "مكتب رئيس البرلمان"، وكان مكتب "نائب رئيس البرلمان" قاعة لحبس الأمراء المتقاعسين، ما تزال أسماؤهم محفورة ومنقوشة على جدران المكان كما تحولت قاعة "الإعدام" إلى مخزن كبير.
وتعج مدينة باردو بالحياة حيث يعتز السكان المحيطون بقصر باردو ويتباهون بالانتماء لمدينة البايات وعاصمة الحكم سابقا، وتعرف المدينة بحلويات الباي "البقلاوة" الشهية التي يعمد التونسيون لتوزيعها في أفراحهم ومناسباتهم العائلية.
وعلى بعد أمتار من قصر باردو نجد الملعب المعشب ومقر أحباء الملعب التونسي أو كما يسميه التونسيون بالفريق الملكي نسبة إلى بايات تونس أو فريق "البقلاوة" ويستمد الفريق، الذي يعشقه أبناء باردو ويشجعونه، ألوانه من الأخضر والأحمر وهي الألوان المميزة لبايات تونس.
ومرت بباردو مراحل وأحداث غيّرت مجرى التاريخ في تونس، أهمها ولادة ديمقراطية عربية جديدة حوّلت القصر إلى فضاء مفتوح للتداول في شأن حاضر ومستقبل البلاد، يتابع تفاصيله التونسيون مباشرة في وسائل الإعلام، و لكن أحداثا أخرى آلمتهم وأقضت مضاجعهم لعل أسوأها اعتداء إرهابيين على المتحف الخلفي للبرلمان، ولكنها لم تثنهم عن مواصلة تثبيت الجمهورية الجديدة.



دلالات

المساهمون