السيسي يحاول تهدئة الغضب الشعبي: تعديلات عبثية وإقالات متوقعة

السيسي يحاول تهدئة الغضب الشعبي: تعديلات عبثية وإقالات متوقعة

21 فبراير 2016
تحذيرات من ردود شعبية غاضبة من أداء الشرطة(العربي الجديد)
+ الخط -

حاول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بسرعة استثنائية، قياساً بتدخلاته المتأخرة في مواقف سابقة، نزع فتيل أكبر أزمة جماهيرية يتعرّض لها نظامه منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بشكل دموي، لمواجهة الغضب الشعبي العفوي إزاء مقتل مواطن من منطقة الدرب الأحمر الشعبية في وسط القاهرة على يد أمين شرطة.

وانشغل الوسط السياسي والحكومي المصري خلال اليومين الماضيين بدلالات ونتائج اللقاء العاجل الذي عقده السيسي مع وزير داخليته مجدي عبدالغفار في مدينة شرم الشيخ، حيث يتواجد لافتتاح منتدى أفريقيا 2016 لدول الكوميسا، خصوصاً بعدما أمر السيسي بإدخال تعديلات تشريعية على قوانين هيئة الشرطة بهدف محاسبة المخطئين، مع التأكيد في البيان الرئاسي على أن "التجاوزات فردية".

وكانت تجاوزات جهاز الشرطة بأكمله سواء في أقسام الشرطة أو السجون أو مقار أمن الدولة أو في الشوارع، موضوعاً غير مفضّل للطرح أمام السيسي منذ توليه رئاسة الجمهورية، بل إنه يعمد دائماً إلى الإشادة بالشرطة و"تضحياتها" ويتجاهل الحديث عن التجاوزات باعتبارها "فردية" كما ذكر مرتين خلال زيارتيه الأخيرتين لأكاديمية الشرطة.

كما أن السيسي لم يتحرك إلا بعد أزمة مرتبطة بتصرف خارج نطاق العمل ارتكبه أمين شرطة، وليس ضابط شرطة، وهذا يعكس بحسب مراقبين محليين التفاوت الذي تتعامل به الدولة بين التجاوزات المتشابهة أو المتقاربة، فلم ينتفض السيسي لأي من الوقائع السابقة للتعذيب حتى الموت داخل الأقسام، وترك الأمر للقضاء البطيء الذي تعبث به تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة العامة غير المكتملة. وقد رسّخ هذا في أذهان المواطنين استحالة محاكمة ضباط وأمناء الشرطة بعدالة، وصعوبة القصاص منهم، مما ولد مصطلح "مفيش حاتم بيتحاكم" الذي أصبح عنواناً جماهيرياً على مواقع التواصل الاجتماعي، وأدى أيضاً إلى اندفاع أهالي الدرب الأحمر للتنكيل بأمين الشرطة قاتل جارهم فور ارتكابه الجريمة مما ألحق به إصابات جسيمة كادت تؤدي لمقتله في الحال.

تعديلات جوفاء؟

حاول السيسي بحديثه الغاضب لوزير الداخلية أول من أمس الجمعة، أن يغازل المصريين البسطاء، ويؤكد على وجوب التعامل الحاسم مع التجاوزات. غير أن خلو البيان الذي أصدره من أي تصرف فعلي، والاكتفاء بالحديث عن تعديلات تشريعية، أمر يوسع الفجوة أكثر، فالغاضبون ﻻ يدركون حدود هذه التعديلات التشريعية، بل ﻻ يكترثون بها، طالما كانت القوانين القائمة ﻻ تنفذ من الأصل. ومن هنا يرى مراقبون، أن تدخّل السيسي السريع في الأزمة فقَدَ تأثيره بالاستغراق في تفاصيل ﻻ تهم من هبوا غضباً لمقتل الشاب في الدرب الأحمر.

أما عن التعديل التشريعي، فإن قانون هيئة الشرطة قد أدخلت عليه عدة تعديلات بعد ثورة يناير لزيادة مخصصات أمناء الشرطة، وإلغاء محاكمتهم عسكرياً وفقاً لحكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا في العام 2012، وإنشاء ما يُعرف بهيئة معاوني الشرطة المجتمعية، لكن لم يتم إدخال أي تعديل بضمانات حقوق الإنسان أو حدود سلطات الضباط والأمناء وحدود الضبطية القضائية الممنوحة لهم بصفاتهم.

لكن إسناد ملف التعديلات إلى وزير ينحدر من جهاز الأمن الوطني، كمجدي عبدالغفار، يُنذر بأن التعديلات ستتسم بالنمطية وتشديد العقوبات وإجراءات المحاسبة، من دون العلاج الجذري لأزمات هيئة الشرطة وتشوّهات قطاع الأمناء. ومنذ ثلاثة أيام، بدأت مصادر بوزارة الداخلية تتحدث عن بعض التعديلات المقترحة، كمنع أفراد الشرطة من الاحتفاظ بالسلاح في غير أوقات العمل الرسمية، وهو مقترح بديهي لكنه يتصادم مع أن معظم التجاوزات التي حصلت، باستثناء حادث الدرب الأحمر، وقعت من أمناء الشرطة بصفتهم الوظيفية وفي أوقات عملهم، وأحياناً داخل أقسام الشرطة.

ومن المقترحات أيضاً عودة المحاكمة العسكرية لأمناء وأفراد الشرطة، وهو مقترح يتناقض صراحة مع الدستور القائم الذي ينص على أن الشرطة هيئة مدنية، كما أن الأفراد والأمناء تحديداً موظفين مدنيين عاملين بهيئة نظامية مدنية، ﻻ سيما أن المحكمة الدستورية سبق أن ألغت محاكمة هؤلاء عسكرياً، مما يجعله مقترحاً عبثياً ومهددا بالإلغاء القضائي في أي لحظة.

وتنبئ هذه المقترحات بأن التعديلات التي ستُقدّم للبرلمان ستكون في مستوى التعديلات التي قدّمتها وزارة الداخلية للحكومة على قانون المرور عندما كلفها السيسي بذلك على خلفية تكرار حوادث المرور الدامية التي وقعت مطلع العام الماضي بمحافظة البحيرة ومدينة العبور، والتي اقتصرت على تشديد العقوبات واستحداث نظام كشف المخدرات المفاجئ على السائقين أثناء القيادة، والذي تحوّل إلى مجرد نكتة، ولم يعد ينفذ.

اقرأ أيضاً: قلب القاهرة يستعيد أجواء الغضب ونظام السيسي يستشعر الموقف

التضحية مرجّحة أم أكيدة؟

وعلى مستوى القرار الرئاسي، تقول مصادر حكومية إن السيسي يقترب رويداً من التضحية بكل الوزراء الذين لم يستطيعوا السيطرة على قطاعاتهم، وأدت سياساتهم إلى انخفاض شعبية النظام. وترتبط هذه المعلومة تحديداً بوزيري الداخلية مجدي عبدالغفار، والصحة عماد راضي، فالإطاحة بالأول ستُظهر السيسي في موقف المستجيب للضغوط الشعبية بعد حادث الدرب الأحمر تحديداً، والإطاحة بالثاني ستكون بشكل الاستجابة لتوصيات الجمعية العمومية لنقابة الأطباء التي تعددت وقفاتها وتظاهراتها الناجحة المنددة بالصمت الحكومي إزاء تجاوزات الشرطة ضد الأطباء.

ويتسق هذا الحديث مع معلومة سبق لـ"العربي الجديد" نشرها الأسبوع الماضي، عن تهديد السيسي لوزراء المجموعة الاقتصادية بالإقالة إذا فشلوا في إعداد خطة لزيادة عائدات الدولة من دون إغضاب الشارع أو بأقل الخسائر الممكنة شعبياً.

وعمل السيسي بمبدأ التضحية بالمسؤولين لإنقاذ حكمه وامتصاص غضب المواطنين، وهو في ذلك يخالف السياسة التي كان ينتهجها الرئيس المخلوع حسني مبارك، والقائمة على استمرار الوزراء في مناصبهم لفترات طويلة مهما بلغت الانتقادات. فمنذ الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان"، تولت إدارة الدولة ثلاث حكومات، أولها شكلها حازم الببلاوي وكان فيها عدد من رموز الأحزاب اليسارية، وتعرضت للتعديل مرة قبل أن تقال نهائياً، ويتم تعيين حكومة إبراهيم محلب قبل تولي السيسي الرئاسة. وتعرضت حكومة محلب للتعديل مرتين وتمت إقالة وزيري العدل والزراعة، وكل ذلك في ظرف عام واحد، ثم كلف السيسي شريف إسماعيل بتشكيل حكومة جديدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويبدو السيسي في طريقه لإجراء التعديل الأول على حكومة إسماعيل لامتصاص مزيد من الصدمات التي يتعرض لها نظامه، وهذه المرة من خلال نظام سحب الثقة الذي سيتم تفعيله برلمانياً بعد عرض برنامج الحكومة على مجلس النواب نهاية الشهر الحالي، وذلك بغض النظر عن أن أي تقييم موضوعي للوزراء يجد أنهم باتوا مجرد موظفين كبار ﻻ يملكون تغيير السياسات ولا يستطيعون التحرك من دون إذن الدائرة الاستخباراتية الرقابية التي زرع السيسي أذرعاً لها في كل أجهزة الدولة.

وتُعبّر مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" عن خشيتها من استمرار العمل بسياسة التضحية إلى أن تفقد معناها، ويجد السيسي نفسه تحت ضغط شعبي يصعب إرضاؤه إلا بتغيير رأس النظام ذاته، إذا استمرت ممارسات انتهاك حقوق وحريات المواطنين بالتوازي مع تردي الأوضاع الاقتصادية.

محاسبات فئوية

لا يخلو المشهد من داخل وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية من طبقية وفئوية، إذ فوجئ روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بأن صفحة "الشرطة المصرية" التابعة لوزارة الداخلية اعترفت بعد حادثة الدرب الأحمر لأول مرة بحدوث تجاوزات، ووجوب محاسبة المخطئ وعدم التستر عليه، وهو ما يمثّل نقلة نوعية في تعامل الشرطة مع أحداث كهذه في دولة السيسي.

غير أن تمحيص المشهد يُظهر أنه حلقة جديدة في سلسلة التنافس الفئوي على الامتيازات والحماية بين الضابط وأمين الشرطة في ظل تشوّهات وظيفية واجتماعية حادة جعلت أمين الشرطة هو الأكثر أهمية وسطوة وحظوة في الشارع والأقدر على جمع الأموال من خلال الإتاوات والعلاقات غير المشروعة مع المواطنين، في المقابل ﻻ يحظى بحماية الوزارة في الأوقات الصعبة، بينما يبقى الضابط هو الأعلى قيمة وصوتاً والمستفيد الأول بحماية وزارته لكنه الأقل دخلاً من شريحة واسعة من الأمناء والأقل قدرة على السيطرة في الشارع.

وواجهت وزارة الداخلية أوقاتاً عصيبة خلال الأعوام الخمسة الماضية بتكرار تظاهرات أمناء الشرطة، التي كانت تهدف لزيادة الرواتب أو الحوافز أو صرف بدلات والحصول على ضمانات وصلاحيات يتمتع بها الضباط، وكانت تنتهي هذه التظاهرات دائماً بتلبية مطالب أمناء الشرطة بسبب عجز الضباط عن تسيير جهاز الأمن الضخم وحدهم، وذلك بعد أكثر من 40 عاماً على بدء العمل بنظام أمناء الشرطة في عهد وزير الداخلية الأسبق شعراوي جمعة.

استثنائية الدرب الأحمر

وجدت وزارة الداخلية نفسها في الآونة الأخيرة في موضع اتهام بسبب مخالفات كثيرة ارتكبها ضباط وأمناء، غير أن تجاوزات الأمناء كانت الأكثر جذباً للإعلام والجمهور، بسبب ارتكاب معظمها خارج الأقسام وبصورة متكررة، ولأن المجني عليهم فيها كانوا مواطنين عاديين غير منتمين لتيار سياسي بعينه، ويهدد بغضب شعبي عفوي عابر للاختلافات والخلافات، وهو ما يزعج نظام السيسي أكثر من أي سيناريو آخر.

وتميزت واقعة الدرب الأحمر عن سابقاتها بالإسماعيلية وأسوان والأقصر، بأنها حدثت على مرأى ومسمع من المواطنين في حي شعبي على بُعد خطوات من مديرية أمن القاهرة، وأن رد فعل المواطنين كان فورياً بالتوجّه نحو مديرية الأمن والأقسام والهتاف ضد السيسي والداخلية وحكم العسكر.

وجد السيسي نفسه على الضفة المقابلة لفئات شعبية كان يعتبر أنها من مؤيديه ومناصريه، ففي كل خطاباته وحواراته يعتبر السيسي أن ثمة علاقة خاصة بينه وبين الفقراء والبسطاء، والرجل بطبيعته العسكرية المنغلقة يختصم فئة أخرى هي الأكثر تعليماً وثقافة واطلاعاً، بل يعتبر أن هذه الفئة التي كانت عماد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 قد احتكرت مطالب وأهداف الثورة على حساب البسطاء الذين يتوقون فقط إلى "لقمة العيش".

كان لافتاً أن يتحرك هؤلاء بصورة انتفاضية مطالبين بسقوط سياسات الرجل الذين أيدوه من قبل، وفي أحد مقاطع الفيديو المنتشرة لأهالي الدرب الأحمر بعد الحدث تقول سيدة بسيطة: "ينقطع صباعي اللي انتخبك يا سيسي". كما كان لافتاً أيضاً أن الشرطة تتوجه بغير تفكير لإغلاق ميدان التحرير منذ صباح الجمعة خوفاً من تجمّع المواطنين فيه، وكأن الفعل الثوري ضد النظام قد اختزل في ميدان التحرير وحده، وكأن المواطنين ﻻ يستطيعون التجمّع والمطالبة بحقوقهم إلا في ميدان التحرير، وهو ما يعبّر عن أزمة ذهنية تسيطر على النظام، مرجعها سقوط نظام مبارك، انطلاقاً من ميدان التحرير، ثم استغلال الجيش والشرطة رمزية الميدان مرة أخرى لإتمام الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

مخاوف من المستقبل

تلقى السيسي تقارير عديدة تحذر من ردود فعل جماهيرية غاضبة من سوء أداء الشرطة وعودة بطشها، وزيادة الأسعار، وانخفاض المداخيل، وهوس وسائل الإعلام الحكومية والتابعة للنظام بشيطنة جميع المعارضين. غير أن السيسي اختار أن يواجه هذا التململ الجماهيري باحتفالات افتتاح المشاريع التي ﻻ يرى معظم الجماهير منها شيئاً، فالبسطاء في الأحياء الشعبية والقرى الأكثر فقراً ليسوا مهتمين بتحديث شبكة الطرق بين المحافظات، أو إنشاء مدينة سكنية لمتوسطي الدخل، أو تحديث مستشفيات عسكرية، أو إنشاء مطارات وموانئ ترفيهية بالبحر الأحمر. وعكست الأزمة الأخيرة حجم الفجوة بين السيسي وبين هؤلاء البسطاء، الذين ﻻ يحلمون إلا بالعيش في أمان، وباتوا يرون الأمان يتلاشى أو يتحوّل إلى البطش كما كان في نهاية عصر مبارك.

ويعلم السيسي جيداً أن المصريين البسطاء، وليس "الإخوان المسلمين" أو "حماس" أو "حزب الله" أو شباب الثورة، هم من اقتحموا غاضبين أقسام الشرطة يوم جمعة الغضب في 28 يناير/كانون الثاني 2011 بحثاً عن الثأر لمظلومياتهم الشخصية من ضباط وأمناء الشرطة، فهم لم يكونوا من المبادرين للثورة، ولكنها حركتهم وأزالت حاجز الخوف من طريقهم.

اقرأ أيضاً: "إمبراطورية أمناء الشرطة" خارج السيطرة... واستعجال رسمي لضبط الغضب

المساهمون