"إمبراطورية أمناء الشرطة" خارج السيطرة... واستعجال رسمي لضبط الغضب

"إمبراطورية أمناء الشرطة" خارج السيطرة... واستعجال رسمي لضبط الغضب

19 فبراير 2016
تزايدت انتهاكات الشرطة بحق المواطنين (محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ ارتفاع الأصوات المصرية المطالبة بمعاقبة أمناء الشرطة، بعد جريمة الدرب الأحمر، أخيراً، تقلق النظام المصري الحالي من تفجّر الأوضاع في البلاد، ما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى اقتراح مشروع قانون للحد من تجاوزات الشرطة، على الرغم من أنّه كان يرفض باستمرار انتقاد الشرطة، ويعتبر الحوادث المتكررة، "أعمالاً فرديّة". ووفقاً لمصادر حكومية، فإن السيسي طلب من وزير الداخلية، مجدي عبدالغفار، خلال اجتماعه به يوم الجمعة، إدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمني بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين دون وجه حق. ووجّه بعرض هذه التعديلات التشريعية على مجلس النواب خلال 15 يوماً لمناقشتها.

وتصاعدت انتهاكات وممارسات أمناء الشرطة في مصر، خلال الفترة الأخيرة، تحديداً مع اشتداد القبضة الأمنية وتزايد القمع وإطلاق يد وزارة الداخلية في عمليات التنكيل بمعارضي النظام الحالي، من دون رادع لهم، ما دفع البعض لإطلاق مصطلح "إمبراطورية أمناء الشرطة" أو "دولة الحواتم".

وتصدّر أمناء الشرطة بطولة أربع وقائع لانتهاكات ضد مواطنين خلال أسبوع واحد فقط. اثنتان منها داخل المستشفيات والاعتداء على أطباء وممرضين، والثالثة التحرش بزوجة مواطن في محطة لمترو الأنفاق، والأخيرة قتل سائق "توك توك" في محيط مديرية أمن القاهرة.
"يمثل تصاعد الغضب الشعبي ضد أمناء الشرطة، إرهاصات ثورة جديدة مقبلة، وهو الأمر ذاته الذي مهد من قبل لثورة 25 يناير، في ظل الانتهاكات والممارسات الخاطئة في التعامل مع المواطنين"، هكذا يرى خبير في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، معلقاً على المشهد، في حديث لـ"العربي الجديد".

وتمارس أجهزة الأمن المصرية انتهاكات واسعة النطاق سواء ضد المعارضين للنظام الحالي أو رافضي الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنّها امتدت لتشمل قطاعات غير سياسية، وهو ما حدث مع الأطباء، أخيراً. وأمام ممارسات أمناء الشرطة التي لا تعكس إلا التجبّر على الشعب في ضوء عدم وجود رادع أو محاكمة، لم يكن هناك موقف من وزارة الداخلية في تحجيم هذه السطوة التي يتعامل بها أفرادها مع الشعب. بل على العكس تماماً، تحاول إنقاذهم من الحبس، بالتلاعب في الأدلة والشهادات أمام النيابة. وتعكس ممارسات أمناء الشرطة، امتداداً لفكر وتوجيهات الضباط. فلا يمكن لفرد في الشرطة تجاوز حق مواطن، إلّا إذا كان يضمن عدم العقاب، ومساندته من قبل ضباط الشرطة وقيادات الوزارة، بحسب مراقبين.

وتبرز ممارسات أمناء الشرطة بشكل كبير على الرغم من رصد انتهاكات الضباط، وإنْ كانت أقل، نظراً لأنّ الأول هو المنفذ الفعلي لتوجيهات الأخير، وبالتالي تكون آثار انتهاكاته واضحة.
ولم يتدخل النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي بالفعل أو بالإشارة إلى ضرورة وقف هذه الانتهاكات والسطوة التي يتعامل بها أفراد الداخلية، للحدّ الذي وصلت إلى القتل وسحْل امرأة حامل، والتحرش بأخرى في محطة مترو على مرأى ومسمع من الجميع، وغيرها من مظاهر الاعتداءات.

ردود الأفعال التي بدت على أنها إرهاصات للثورة على انتهاكات أمناء الشرطة، كانت بشكل قوي، في الجمعية العمومية لنقابة الأطباء، قبل ما يزيد عن أسبوع، إذ حشد 10 آلاف طبيب لمحاسبة المتورطين في الاعتداء على أطباء المطرية. ويقول خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إنّ ممارسات أمناء الشرطة تمثّل خطراً ليس على النظام الحالي فقط بل على الدولة ككل، لناحية فقدان الثقة بجهاز الشرطة، وبالتالي صعوبة التعامل معه.

ويضيف الخبير السياسي لـ"العربي الجديد"، أنّ التظاهرات الغاضبة التي يمكن أن تتكرر خلال الفترة المقبلة، رسالة بإرهاصات ثورة جديدة، مثلما حدث في 25 يناير 2011. ويوضح أن وزارة الداخلية "لو كانت تريد وقف هذه الممارسات، فلن تتمكن، لأنها عبارة عن فكر يسير وفقاً له أفراد وضباط الشرطة". ويشير الخبير ذاته، إلى كسر المواطنين حاجز الخوف الذي حاولت وزارة الداخلية بناءه، في العامين الماضيين، من خلال القتل والتعذيب والاعتقالات. فلم تتمكن من فض التظاهر أمام مبنى مديرية الأمن، خوفاً من تزايد الغضب ضدهم.

اقرأ أيضاً: جمهورية "أمناء الشرطة"

اختلفت ردود الفعل على انتهاكات أمناء الشرطة بين حالة وأخرى. كانت البداية بشكل قوي، في الجمعية العمومية لنقابة الأطباء. ولم يكد يمر أسبوع على هذه الحادثة، حتى قتل أمين شرطة في النقل والمواصلات، سائق "توك توك"، أمس الأوّل الخميس، في محيط مديرية أمن القاهرة، ما تسبب في حصار المئات للمبنى. وبدأت الواقعة أثناء قيام رقيب شرطة من قوة النقل والمواصلات يدعى مصطفى.م.ع بصحبة أحد أقاربه بشراء بعض البضائع من المنطقة في محيط مديرية الأمن، وحدثت مشادة بينه وبين السائق محمد عادل إسماعيل، قام على أثرها رقيب الشرطة بإخراج سلاحه، وأطلق النار تجاه رأس إسماعيل.

وبحسب منظمات حقوقية دولية ومصرية، باتت جرائم الشرطة منهجاً متواصلاً كل يوم في معظم محافظات الجمهورية. وتعدّدت جرائم عناصرها بين القتل والتحرش والابتزاز، إضافة إلى الانتهاكات التي يمارسونها داخل السجون وأماكن الاحتجاز من تعذيب بحق المعتقلين وتلفيق التهم للأبرياء. فيما تنفي وزارة الداخلية كل هذه التهم، وترى أن انحرافات ضباط وأمناء الشرطة هي مجرد حالات فردية يتم التعامل معها بحزم، بحسب تصريحات المسؤولين في الوزارة. وانتهت مشرحة زينهم من تشريح جثة السائق، إذ تبيّن وجود كسر في الجمجمة، ونزيف بالمخ، وتهشّم الجزء الخلفي من رأسه بالكامل. تم دفن السائق، على أن تنتهي مصلحة الطب الشرعي من التقرير النهائي خلال أيام وتسلمه إلى النيابة.

من جانبها، تكشف مصادر أمنية خاصة لـ"العربي الجديد" عن أسباب عدم القدرة على ردع أمناء الشرطة في وزارة الداخلية، قائلة، "أصبحوا خارج السيطرة تماماً". وتضيف أنّ قيادات الوزارة لديهم أزمة كبيرة في التعامل مع أمناء الشرطة، نظراً لأنهم قوة كبيرة داخل الوزارة.
وتلفت المصادر الأمنية إلى أنّ هناك تخوفات من أن معاقبة أحد أمناء الشرطة على أفعال معينة، سيترتب عليها غضب زملائه، وبالتالي وقف العمل في أقسام الشرطة ومديريات الأمن، وهو أمر له تأثيرات سيئة للغاية.

وتشير هذه المصادر إلى أن قيادات الوزارة، "ربما لا تتخذ أي موقف حيال تجاوزات الأمناء، لكنها ترفع شعار ما باليد حيلة"، موضحة أنّ "الأزمة في عدم وجود آليات يمكن من خلالها ردع تلك الانتهاكات وفي الوقت عينه تجنب حدوث أزمة في الوزارة". وتشدد المصادر ذاتها، على أن أمناء الشرطة في أكثر من مناسبة هددوا بوقف العمل في المديريات والأقسام، خصوصاً بعد تجمعهم في روابط على مستوى الجمهورية، وبالتالي بات هناك تنسيق كبير بينهم. وتبيّن المصادر الخاصة أن قيادات الوزارة تستفيد من الأمناء في عمليات القمع والتنكيل بالمعارضين، وبالتالي هم جزء أصيل من الوزارة، فضلاً عن أن الضباط الصغار شركاء في الرشى التي يتقاضاها الأمناء في الأقسام أو الشوارع وإدارات المرور.

وتؤكد أنّ قيادات الوزارة تحاول تحجيم هذه الممارسات لأمناء الشرطة، لكنها لن تتمكن من تركهم يُحاكمون ويُسجنون، فضلاً عن أنّ المحاكمات العسكرية لأفراد الشرطة أمر بات من الصعب للغاية عودته مرة أخرى، في ظل تكتلات الأمناء. وتوضح المصادر الأمنية أنّ هناك عدم رغبة في استثارة وإغضاب أمناء الشرطة في ظل الأوضاع التي تمر بها مصر، وحاجة النظام الحالي للضباط والأمناء في مواجهة التحركات السياسية المناهضة له.

ويضاف إلى واقعة قتل السائق في محيط مديرية أمن القاهرة، اعتدى اثنان من أمناء الشرطة على عاملين في مستشفى "إيتاي البارود" العام، بالضرب بسبب رفض العاملين صعودهما إلى الأدوار العليا للمستشفى لزيارة مريض، إلّا بعد دفع قيمة التذكرة المقررة.

وفي واقعة ثالثة، نشبت مشادة كلامية بين أمين شرطة حضر إلى مستشفى "بولاق الدكرور" بصحبة والده وممرضة، تطورت إلى مشادة كلامية أخرى مع الطبيب المناوب الذي أصر على عمل محضر تعدٍّ عليه. وقالت الطبيبة منى مينا، إن الأمين تجاوز لفظيًّاً بحق الطبيب.
وتدخل المسؤولون في وزارة الداخلية سريعاً منعاً لتفاقم الأزمة، وأجبروا أمين الشرطة على الاعتذار.

وفي حادثة رابعة، اتهم المواطن محمد سيد عبد الفتاح أمين شرطة في قسم المرج بالتحرش بزوجته غادة حسين وتهديدها بالسلاح لاصطحابها معه إلى المنزل أثناء وجودها أمام محطة مترو المرج. وفي تفاصيل الحادثة، قال الزوج إنه توجّه إلى قسم المرج لكن العناصر رفضوا تحرير محضر بحجة عدم وجود شخص بهذا الاسم. وأثناء خروجه وجد الأمين المشار إليه الذي هدّده. فتوجه إلى وزارة الداخلية لتحرير محضر لكن لم يتحرك أحد.

اقرأ أيضاً مصر: حصار مديرية أمن القاهرة احتجاجاً على قتل مواطن

المساهمون