توتر بين السيسي والكنيسة... ورقة الغضب المسيحي وأقباط المهجر

توتر بين السيسي والكنيسة... ورقة الغضب المسيحي وأقباط المهجر

28 يوليو 2016
تزايد حالة الغضب في أوساط أقباط مصر (إبراهيم يوسف/الأنضول)
+ الخط -
يواجه النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي، أزمة داخلية جديدة تتعلق بارتفاع حدة الانتقادات من قبل المسيحيين، على خلفية ما يعتبرونه عجز الدولة عن وقْف الاعتداءات المتكررة عليهم خلال الفترة الماضية. وشهدت محافظة المنيا نحو خمس حالات عنف طائفي، على مدى شهرين، وهو معدل مرتفع مقارنة بحوادث سابقة، فضلاً عن أن جميعها وقعت في محافظة واحدة. وتدخّل النظام الحالي من خلال اتصالات مع قيادات من الكنيسة المصرية وعلى رأسها بابا اﻹسكندرية وبطريرك الكنيسة اﻷرثوذكسية، تواضروس، لاحتواء حالة الغضب، بعد دعوات من أقباط المهجر إلى تنظيم تظاهرات أمام البيت اﻷبيض في الولايات المتحدة اﻷميركية، بسبب الاعتداءات المتكررة ضد المسيحيين في مصر. وكان البابا تواضروس أبلغ أجهزة سيادية، تدخلت لاحتواء الموقف، أن هناك حالة غضب كبيرة في أوساط المسيحيين جراء عدم اتخاذ إجراءات حاسمة لمنع تكرار تلك الاعتداءات، ووقف جلسات الصلح العرفية التي لا تؤدي إلى حل حقيقي للأزمة .

وتقول مصادر أمنية، إن تواضروس وقيادات كنسية، لمًحوا إلى اقتراب فقدان السيطرة على الشباب الأقباط، واستخدموا هذه الورقة خلال الاتصالات مع جهات عليا في الدولة. وتضيف المصادر في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن حديث القيادات الكنسية أغضب الجهات السيادية، ووصل إلى السيسي نفسه أن هناك نبرة تهديد من الكنيسة، علماً بأن القيادات القبطية كانت داعمة له بقوة في انقلاب "30 يونيو" وخلال الانتخابات الرئاسية.

وكان مجلس النواب لجأ إلى التدخل أيضاً للتخفيف من حدة التوتر القائم بين الدولة والكنيسة، وسط تشكيل وفد من اللجنة الدينية في البرلمان، ولقاء البابا تواضروس، الاثنين الماضي، في محاولة لامتصاص حالة الغضب. لكن هذا الوفد لم ينجح، كما فشلت أجهزة الدولة بإنهاء حالة التوتر وامتصاص الغضب لدى قيادات الكنيسة، بحسب مصادر برلمانية في ائتلاف "دعم مصر". وقال بابا الأقباط لوفد اللجنة الدينية: "التزمنا الصمت بعد حرق كنائسنا عقب أحداث فض رابعة، وكنا مدركين مسلمين ومسيحيين جميعاً أننا نواجه عدواً، أما الحوادث التي تحدث حالياً فهي أقل حجماً مما جرى من حرق الكنائس ولكن الغضب في أوساط الأقباط أكبر بكثير"، مضيفاً: "أرجوكم بكل محبة وإخلاص تصدوا لذلك".


وتؤكد المصادر البرلمانية المقربة من دوائر صنع القرار على أن هناك محاولات لامتصاص غضب الكنيسة، ولكن مسألة ممارسة ضغوط والتصعيد ضد الدولة والنظام أمر مرفوض، مشيرة إلى أن الكنيسة تضغط للحصول على مكاسب معينة أبعد من مسألة محاسبة المتورطين في أحداث العنف الطائفي، ﻷنه لا مجال إلا تطبيق القانون على كل من يرتكب جريمة. وتضيف المصادر ذاتها أن الكنيسة تضغط لعدم تمرير قانون بناء الكنائس إلا بموافقة تامة عليه، وضمان تنفيذ رؤيتها دون إدخال تعديلات كبيرة عليه، حينما يتم عرض مشروع الحكومة على البرلمان. تجدر الإشارة إلى أن البابا تواضروس طالب مجلس النواب بالشفافية، خلال لقائه بوفد اللجنة الدينية، ملوحاً بإمكانية رفض الكنيسة لقانون بناء الكنائس، ومشدداً على رفض سيطرة جهة معينة على بناء الكنائس في مصر.

وتشدد المصادر على أن مسألة اللعب بورقتي الغضب المسيحي وأقباط المهجر، أمر في غاية الخطورة، وأنه لا يجب التعامل وفقاً لهذا المبدأ، لا سيما أن هذا يعتبر تلويحاً باستعداء الغرب للنظام الحالي ومصر. كما تلفت المصادر إلى أن حديث السيسي خلال احتفال تخرج دفعة جديدة من الكلية الحربية، اﻷسبوع الماضي، والذي شدد فيه على المساواة بين جميع المواطنين، ومحاسبة كل من يخطئ، كان رسالة للداخل والخارج، بعد اتصالات جهات سيادية بقيادات كنسية وحالة التوتر التي حدثت خلال الفترة الماضية.

في غضون ذلك، تقول النائب سوزي ناشد، إنه لا بد من تدخل الدولة بقوة لوقف الاعتداءات المتكررة، وتقديم الجناة إلى المحاكمة بشكل سريع لنزع فتيل اﻷزمة. وتضيف ناشد لـ"العربي الجديد" إن الأقباط تنتابهم حالة غضب شديدة من تكرار الاعتداءات، لا سيما أن السكوت على ضياع الحقوق سابقاً أسفر عن تزايد الانتهاكات. وتشير ناشد إلى أن بعض العائلات اضطرت إلى التهجير من منازلها عقب اندلاع أزمة مع أسر أخرى مسلمة، منعاً للتنكيل بها، وكل هذا كان يتم برعاية الدولة، على حد قولها. وتتابع البرلمانية المصرية أن أحد حلول اﻷزمة هو إقرار البرلمان بشكل عاجل قانون بناء الكنائس، لأن أغلب حوادث العنف الطائفي نتجت بسبب دور عبادة المسيحيين وادعاء بتحويل بعض المنازل لكنائس للصلاة فيها.

وعلى الرغم من وجود حالة عنف طائفي، حذرت ناشد من استغلال أقباط المهجر والغرب ما اعتبرته تقاعس الدولة عن نزع فتيل اﻷزمة، لزيادة الضغوط الخارجية على مصر في هذا الملف، وهو ما قد ينسحب على ملفات أخرى.

من جانبه، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن ملف اﻷقباط في مصر شائك جداً، لا سيما أن اﻷجهزة السيادية واﻷمنية هي التي تتولى التعامل مع هذا الملف، وليس جهات أخرى مثل الحكومة أو البرلمان. ويضيف عز لـ"العربي الجديد"، أنه لا مجال للتشكيك بوجود حالة احتقان حالية في بعض المناطق التي يغلب عليها تفشّي موروثات ثقافية وجهل، ولكن على الدولة التعامل بحكمة مع اﻷمر لمنع تفاقمه. ويشير إلى أن الملف القبطي في مصر أمني وسياسي في اﻷساس وهذا خطأ، فلا بد من تطبيق المواطنة بشكل كامل، وأن يكون الكل سواء أمام القانون، وهو أمر من شأنه نزع فتيل أي أزمة، وعدم إعطاء فرصة للمتربصين من أقباط الداخل أو المهجر للضغط للحصول على مكاسب معينة.

ويكشف عز أن تصاعد الهجوم على السيسي والحديث عن دعمه في "30 يونيو"، يدل بوضوح على وجود اتفاقات حدثت قبل الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، لا سيما مع عدم خروج مصدر رسمي في الكنيسة لينفي أو يرفض ما ذكره أحد الكهنة المقيمين في الولايات المتحدة ويدعى مرقص عزيز ميخائيل، حول دعم اﻷقباط للسيسي في الانقلاب على مرسي. ويوضح أن العلاقة بين اﻷنظمة الحاكمة والكنيسة متذبذبة منذ حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تارةً تكون أفضل ما يكون وتارةً أخرى متوترة وسيئة للغاية، ويجب وقف طريقة التعامل مع الملف باعتباره أمنياً، لا سيما مع شعور بعض المسلمين بوجود امتيازات خاصة للمسيحين والعكس.

وكان ميخائيل قال، في شريط مصور، قبل بضعة أيام، تعليقاً على تكرار حوادث العنف تجاه الأقباط في محافظة المنيا: "السيسي أسوأ رئيس جمهورية"، مضيفاً أن الأقباط خدعوا به، علماً بأنهم قدموا له الدعم وساندوه بكل قوة في الإطاحة بالرئيس المعزول. ولفت إلى أنه كان يساند السيسي ليصبح رئيساً لمصر، قائلاً: "لا أنسى أني عملت له دعاية كثيرة في أحد برامجي بالتلفزيون".

المساهمون