التظاهرات وكورونا تعيد ترتيب أولويات العراقيين

التظاهرات وكورونا تعيد ترتيب أولويات العراقيين

16 ابريل 2020
دفعت التظاهرات السلطة لاتخاذ إجراءات لتهدئة الشارع(حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -



منذ تفجّر التظاهرات الشعبية في مدن جنوب ووسط العراق فضلاً عن العاصمة بغداد مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مروراً بسلسلة القرارات التي اضطرت الحكومة والبرلمان إلى اتخاذها ضمن سلسلة محاولات تهدئة الشارع، وانتهاءً بأزمة جائحة كورونا وما أعلنه العراق من إجراءات وقائية، يرصد مسؤولون ونواب ومواطنون عراقيون ما يصفونه بملفات وجوانب استنزفت مبالغ ضخمة وأهدرت الكثير من الوقت منذ عام 2003، تبيّن أنه يمكن تجاوزها أو إعادة النظر بها، معتبرين أن الحكومة الجديدة في حال تشكيلها برئاسة مصطفى الكاظمي، مطالبة بأن تجري تقييماً واسعاً لكل ما تم تصنيفه سابقاً تحت خانة لا يمكن الاستغناء عنه أو ضروري، وكان أحد أبواب استنزاف البلاد مادياً.

وفي هذا الصدد، تحدث مسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بالحقائق التي أفرزتها أحداث الأشهر الستة الماضية، ولمسها العراقيون خلال الفترة ذاتها وعلى حكومة الكاظمي المرتقبة والبرلمان الحالي إعادة النظر فيها، كاشفاً أن بعضها طُرح فعلاً من قبل رئيس الوزراء المكلف سابقاً عدنان الزرفي ووعد بإنهائها بعد ثبوت إمكانية العراق الاستمرار من دونها، لكن لم يحالفه الحظ بتشكيل حكومته.
وحول أبرز تلك الملفات، أكد المسؤول أن أبرزها هو عدم تأثر إدارة المحافظات كما كان متوقعاً ولو بنسبة واحد في المائة بعد إلغاء البرلمان نهاية العام الماضي مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، لافتاً إلى أن إلغاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي العراقية في 19 محافظة، يبلغ عدد أعضائها 475 عضواً وكانت تستنزف سنوياً من موازنة الدولة نحو 30 مليار دينار عراقي (نحو 26 مليون دولار) كمرتبات فقط لأعضاء تلك المجالس عدا عن مخصصات الحماية والضيافة والإيفاد الخارجي والداخلي، يضاف لها مجالس الأقضية والنواحي بنحو أقل منها، ليبلغ إجماليها 44 مليار دينار سنوياً، وهي مبالغ كافية لبناء 8 مستشفيات متطورة سنوياً، أو 40 مدرسة حديثة سنوياً، أو شمول ما لا يقل عن 30 ألف أسرة مصنفة ضمن خط الفقر بشبكة الرعاية الاجتماعية، وتبيّن أنه يمكن الاستغناء عن هذه المجالس، فالمحافظات تدار منذ أشهر من المحافظ ومن القائمقام ومدير الناحية، بل أثبت أن مجالس المحافظات حلقة زائدة، وتسبّب مشاكل إدارية في بعض الأحيان.

وأضاف "أظهر تقليص الدوام بواقع 50 في المائة في المؤسسة العسكرية والأمنية ودوائر البلديات والكهرباء ومؤسسات خدمية أخرى وبقاء عملها بشكل سلس، أن الترهل الوظيفي وحشر الناس في الدوائر من دون عمل خطأ وأذى يستنزفان الاقتصاد ويجب توجيه هذه الطاقات إلى القطاع الخاص بدلاً من الحكومي". وتابع: "خرافة عدم تمكّن العراق من الاستغناء عن الزراعة الإيرانية أو الاستيراد من إيران ثبت عدم دقتها الآن، فالعراق أغلق منذ 5 أسابيع حدوده بالكامل مع إيران، ويأكل مما يزرع، والإعلان عن وصول البلاد للاكتفاء الذاتي من 25 مادة غذائية يؤكد أنه بالإمكان الاعتماد على الناتج المحلي وإبقاء العملة الصعبة داخل العراق ودعم الزراعة بها".
ورأى أنه "يمكن تقليص مخصصات الرئاسات الثلاث المالية (البرلمان والحكومة والجمهورية)، وتخفيض النفقات الممنوحة لمكاتب الرئاسات لأنها كانت رفاهية زائدة وبذخا لا أكثر إذ لم تؤثر على عمل الدولة، وهي عادات سيئة استنزفت العراق مالياً وثبت أنه يمكن تركها من دون أن يحصل شيء".


في السياق، قال عضو مجلس النواب باسم خشان، إن "السلطات العراقية سعت خلال الأشهر الماضية إلى سلسلة من الإصلاحات الإجبارية، من أجل امتصاص غضب المحتجين، إضافة إلى شعور غالبية المسؤولين في العراق بالورطة بعد فضيحة فشل الأحزاب السياسية في إدارة الأزمات على كافة الأصعدة". ورأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشعب العراقي بات على دراية وإيمان بأن عمل مجالس المحافظات والأقضية والنواحي لم يكن إلا استنزافاً لموارد الدولة، وكان لا بد من ربط إدارة المحافظات برئيس الوزراء، أو تحويل صلاحيات المجلس إلى المحافظ، من دون الحاجة إلى انتظار جلسات الأعضاء لمناقشة الأفكار والمقترحات والتي غالباً ما تتعرض إلى مشاكل سياسية لأن بعضها يصطدم مع مصالح حزبية معينة وبالتالي يتم رفضها".
ولفت خشان إلى أن "مليارات الدولارات ضاعت في العراق على نفقات لا مبرر لها، ومنها ما صُرف على المجالس المحلية والهدايا والمنح التي كان يحصل عليها المسؤولون في المحافظات، وقد تبيَّن عدم أهمية وجودها في المستقبل، لأن الكثير منها كانت دكاكين للفساد المالي والاختلاسات والصفقات المشبوهة"، معتبراً أن "على الحكومات الجديدة أن تحوَّل الأموال التي كانت مخصصة لمجالس المحافظات إلى قطاعات الزراعة والتعليم والصحة التي تعاني إهمالاً كبيراً وفساداً وإدارات حزبية وطائفية".

أما عضو الحزب الشيوعي العراقي أيهم رشاد، فشخّص المشكلة بالترهل الإداري والوظيفي في أعداد القوات العراقية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "أكثر من 30 في المائة من القوات الأمنية ليست ضرورية، وهي تمثّل وجهاً واضحاً من أوجه البطالة المقنعة، لا سيما بعد أن تبيَّن عدم توقف عجلة الحياة مع اعتماد نظام الدوام الجزئي لها، والأمر نفسه ينطبق على الموظفين في الدوائر الحكومية، لذلك لا بد من إعادة النظر بهؤلاء الموظفين، والنظر إلى شرائح العمال والمزارعين وتعويضهم بالفائض من الأموال العراقية".

في السياق، تعلن وزارة الزراعة بين فترة وأخرى عن اكتفاء ذاتي في المحاصيل الزراعية، ولكن الاكتفاء يكون لفترة زمنية محددة وليس طوال السنة، وبعد فترة تمنح التراخيص لاستيراد المحاصيل الأساسية التي تحتاجها البلاد. كما أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بدأت تتقلص نتيجة تحويل البساتين إلى بيوت سكنية، بالإضافة إلى شح المياه وضعف إصلاح الأراضي الزراعية. ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء، فإن استيراد العراق من السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية يبلغ 12.4 مليار دولار سنوياً من إجمالي الاستيراد الذي يتجاوز 40 ملياراً، ولا تمتلك القطاعات الإنتاجية القدرة على منافسة البضائع المستوردة بسبب عدم تنفيذ قانون التعرفة الجمركية لفترة طويلة، بالإضافة إلى سعر صرف الدولار الذي يخدم البضائع المستوردة.

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يملك حالياً منتجات زراعية نباتية وحيوانية كثيرة في الأسواق، وهي ممنوعة من الاستيراد، ونعمل على زيادة الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، من خلال دعم الفلاحين والمزارعين"، موضحاً أنه في "الأشهر الأربعة الماضية ونظراً لأسباب كثيرة، استطاع العراق توفير 25 مادة زراعية نباتية وحيوانية، ومنع استيرادها من أجل حماية المنتج المحلي". لكنه أكد في الوقت ذاته استمرار استيراد منتجات زراعية من الدول الأخرى على الرغم من انتشار فيروس كورونا في العديد من الدول الأوروبية ودول الشرق الاوسط، مشيراً إلى أن "منظمة الصحة العالمية أوضحت أن الفيروس لا ينتقل عبر المنتجات الزراعية، ومع ذلك نستمر بالفحوص المختبرية على كافة البضائع المستوردة".
ونفى النايف أن "يقع العراق في دائرة الأمن الغذائي المهدد بسبب الأزمات الحالية المرتبطة بفيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، لأن الخطط الاستراتيجية المستقبلية المعمول بها في الوزارة تدعم النشاطات الزراعية، وقد تقدمنا كثيراً بهذا القطاع خلال السنوات الماضية".

المساهمون