انفراجة لبنانية: حكومة قريبة بصيغة لا غالب ولا مغلوب

انفراجة لبنانية: حكومة قريبة بصيغة لا غالب ولا مغلوب

19 ديسمبر 2018
أكد إبراهيم أن لا عراقيل أمام تشكيل الحكومة(حسين بيضون)
+ الخط -

ينتظر اللبنانيون الأيام المقبلة لتلمّس مدى جدية الانفراجة في مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية هذه المرة، وذلك بعد أيام من المشاورات والمباحثات والاتصالات، على أكثر من خط، أدت إلى حلحلة لما يسمى بـ"العقدة السنية"، ما انعكس في تصريحات أكثر من طرف سياسي يؤكد أن التأليف لن يطول بعد الآن، فيما تبدو الحلحلة مرتبطة بما هو أبعد من لبنان، تحديداً دوراً روسياً واضحاً.

وعلى هامش المفاوضات، كان يمكن تسجيل عدد من الملاحظات، ليس أقلها الدور الذي يؤديه المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، الذي تركت تحركاته الأخيرة أكثر من علامة استفهام، بما في ذلك لقاؤه أمس بـ"النواب السنة المستقلين"، والذي خرج بعده ليؤكد أن "الأمور تسير على قدم وساق ولا عراقيل أمام تشكيل الحكومة". ولفت إلى أن "المبادرة مؤلفة من 5 بنود وسنعرضها على الرئيس سعد الحريري (التقاه أمس) والحكومة ستبصر النور قريباً. الجميع ضحى ولا يوجد خاسر، والمبادرة بحاجة إلى وقت لتستكمل ولا فيتو على أحد واللقاء التشاوري يختار من يمثله". وأعلن النائب عبد الرحيم مراد، بعد اللقاء، أن كل العقد بشأن تشكيل حكومة جديدة وجدت طريقها إلى الحل. وقال: "انحلت كل العقد، وما في ولا عقدة أبداً وسيكون لنا من يمثلنا في الحكومة".

والحل المنشود للحكومة حتى الساعة، هو وفق ما كانت قد كشفته "العربي الجديد" قبل أيام، ويرتكز على الصيغة اللبنانية الشهيرة "لا غالب ولا مغلوب"، وهي تقول بأن يخرج الجميع منتصراً ولا أحد منكسرٌ. وعليه، يقوم الحل المنشود على قبول رئيس الجمهورية، ميشال عون، بتوزير شخصية سنية محسوبة على "النواب السنة المستقلين"، من ضمن حصته، فيما يتنازل النواب السنة عن شرط توزير أحدهم. أما رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، فقد يكون تمسك بقرار عدم توزير أحد هؤلاء، على الرغم من قبوله توزير شخصية مقربة منهم. وعادة، الحلول السياسية في لبنان تخرج بهذه الصيغة، ووفقها تحرك عباس إبراهيم، قبل أيام، والتقى، أمس الثلاثاء، "النواب السنة المستقلين"، للبحث في الأسماء المطروحة، على الرغم من أن مصادر "العربي الجديد" تؤكد أن لا اتفاق بين النواب السنة على اسم واحد، وبالتالي فإن الأيام المقبلة ستخصص للبحث في ما بينهم عن الاسم المناسب، على أن يبلغ إبراهيم به لاحقاً، وعلى الأرجح يوم الجمعة المقبل.

في بورصة الأسماء، يجب أن يراعي الاسم المختار عوامل عدة، أهمها أن يكون محسوباً على النواب السنة الستة أو أحدهم، ويكون مقبولاً من رئيس الجمهورية، بما أنه سيكون وزيراً من اللقاء التشاوري، لكن من حصة رئيس الجمهورية. ووفق ذلك تطرح، بحسب معلومات "العربي الجديد"، أسماء محدودة، وسط توقعات بأن يبرز خلال الساعات المقبلة صراع ضمني بين النواب الستة، خصوصاً أن كل واحد منهم سيحاول إيصال وزير مقرب منه إلى الحكومة، بما أن النواب السنة الستة لا يشكلون كتلة واحدة بل مجموعة مستقلة من النواب الذين اجتمعوا في الساعات الأخيرة برعاية من "حزب الله" للضغط على الحريري. في الشكل، تبدو مستبعدة إمكانية توزير شخصية مقربة من النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد بما أنهما في كتلة أخرى متحالفة مع تيار "المردة" الذي لا تبدو علاقته إيجابية بـ"التيار الوطني الحر" وبالعهد منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي رفض فيها "التيار" دعم سليمان فرنجية رئاسياً، بالإضافة إلى صعوبة تمثيل شخصية إضافية من مدينة طرابلس أو الشمال بما أن الحكومة ستضم اسماً سنياً من المدينة محسوباً على "تيار المستقبل" وآخر محسوباً على رئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، من أصل 6 مقاعد سنية في الحكومة.



وعليه، ستكون الساعات المقبلة مخصصة للبحث في الأسماء التي تشكل تقاطعاً بين النواب السنة الستة و"حزب الله" من جهة وبين "التيار الوطني الحر" والعهد من جهة أخرى. وفي هذا السياق، تبرز وفق معلومات نشرها موقع "المدن" عدة احتمالات، منها توزير شخصية مقربة من النائب عبد الرحيم مراد، يرجح أن تكون نجله حسن، الذي خاض الانتخابات متحالفاً مع "التيار الوطني الحر"، أو اختيار رئيس بلدية صيدا السابق، عبد الرحمن البزري، الذي خاض الانتخابات النيابية في صيدا أيضاً متحالفاً مع "التيار الوطني الحر"، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأسماء. وعملياً، ترتفع أسهم مراد والبزري لعدة عوامل، أهمها إلى تحالفهما مع "التيار الوطني الحر" انتخابياً، انفتاح مراد على السعودية منذ الحرب على اليمن، التي شهدت موقفاً من مراد داعماً للمملكة، كما شهدت هذه الفترة تقارباً مع تيار "المستقبل"، فيما تحالف البزري مراراً، منذ العام 2009، مع تيار "المستقبل" انتخابياً في أكثر من محطة، خصوصاً في الانتخابات البلدية الأخيرة، على الرغم من أن العلاقة ساءت في الانتخابات النيابية الأخيرة.

وتقول المصادر إن المقربين من "حزب الله" يؤكدون أن الفرج الحكومي قريب، بانتظار دور سيضطلع به الحزب للتوافق على الاسم، بما أن المهمة لن تكون سهلة بين النواب السنة الستة، وسيكون حضور الحزب ضرورياً لحسم الأمر. وتؤكد المصادر أن أكثر من طرف عمل على حلحلة هذه العقدة، من بينهم عون ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، وعباس إبراهيم الذي بات يضطلع بأدوار سياسية ليست من ضمن مهامه، ما يُذكر بحقبة الوصاية السورية التي كان رجالات الأمن يؤدون فيها أدواراً سياسية، على الرغم من اختلاف الزمن، واستناد إبراهيم اليوم إلى نجاحاته في التفاوض الأمني في أكثر من ملف خلال الحرب السورية. وعلمت "العربي الجديد" أن الأجواء باتت ممهدة كلياً أمام الفرج الحكومي، على الرغم من بعض المخاوف من عقبات قد تبرز في الساعات الفاصلة كما يحصل عادة في لبنان، إلا أن المصادر تؤكد أنه في حال سارت الأمور على ما هو عليه الآن فستكون في لبنان حكومة قبل بداية العام المقبل، بانتظار إنضاج ظروف الحلحلة مع اختيار الاسم، واللقاء المرتقب بين النواب السنة والحريري، الذي يصر عليه النواب السنة لأنه يعني شكلياً الاعتراف بهم وبتمثيلهم.

عموماً، نجح العاملون على خط الحلحلة في التقاط اللحظة الدولية والإقليمية المناسبة للدفع قدماً بعملية تأليف الحكومة. لكن الأكيد أن ثمة عوامل أخرى مرتبطة مباشرة بلبنان ساهمت في إنضاج ظروف تأليف الحكومة، لعل أبرزها ملف أنفاق "حزب الله" على الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، والدور الروسي الواضح في هذا الملف، وفي الملف الحكومي. وقد تأتي زيارة مرتقبة لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى لبنان مع الانفراجة الحكومية، وهو ما يعني أن الحكومة قد تولد في ظل وجوده في لبنان. وإن تحقق هذا الأمر، فإنه يعني أن روسيا وجهت رسالة واضحة بأن دورها في لبنان بات ثابتاً ومؤثراً، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تدخل فيها بقوة على خط الملفات اللبنانية، إن كانت مع إسرائيل، أو الداخلية مثل تأليف الحكومة، بعد أن كان دورها في السنوات الماضية ينحصر في سورية ومع "حزب الله" بوصفه مشاركاً في الحرب السورية.
ومن بين ما يمكن أن يسجل أيضاً في حال تألفت الحكومة، نجاح روسيا في ملف عادة ما يوكل دولياً إلى فرنسا لتعالجه، وهي حاولت في الأشهر الماضية، خصوصاً قبيل القمة التي عقدت في أرمينيا بين عون والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وكادت تنجح لولا إعلان "حزب الله" رفضه حكومة لا تضم النواب السنة المحسوبين عليه. ويعني الدخول الروسي على الخط اللبناني، أن موسكو باتت تعتبر لبنان من ضمن أولوياتها في الشرق الأوسط، خصوصاً أن أي حل سوري يتطلب دوراً لبنانياً، تحديداً في ملف اللاجئين، بما أن لبنان أعلن تأييده الخطة الروسية، التي يعارضها المجتمع الدولي، وذلك على لسان الحريري، خلال إحدى جلسات تشريع الضرورة في البرلمان قبل أسابيع. إلى ذلك، يبدو أن الدور الروسي الضابط إيقاعَ "حزب الله" في سورية بات ينتقل رويداً رويداً إلى الداخل اللبناني، خصوصاً بعد الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي، والتي خصصت للبحث في موضوع الأنفاق، والكلام الروسي الذي أدان حفرها، وأكد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".