الأزمة اللبنانية ــ السعودية: الأوراق المتبقية لخصوم حزب الله

الأزمة اللبنانية ــ السعودية: الأوراق المتبقية لخصوم حزب الله

28 فبراير 2016
الرياض لا تريد ابتزازها بأي ورقة جانبية(حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -
يعجز مسؤولون في تيار "المستقبل" اللبناني، عن تقديم أي تفسير واضح للسياسة السعودية تجاه لبنان. لدى سؤال هؤلاء عن مسار العقوبات التي فرضتها المملكة على الدولة اللبنانية ونتائجها. لا يتردّد بعضهم في الإشارة إلى أنّ "في الرياض طاقماً جديداً وسياسات جديدة لم يعتد عليها أحد بعد، من الحلفاء أو الخصوم". 

يقدّم أحد أقطاب المستقبل في مجلسه الخاص بعض الخيوط العريضة للتحرك السعودي الأخير، الذي بدأ بوقف الهبة المقررة للجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية (4 مليارات دولار)، وتلته بيانات تحذير الرعايا السعوديين في بيروت وخطوات إبعاد لبنانيين من الأراضي السعودية. 

اقرأ أيضاً: السعودية تصنف أفرادا وشركات إرهابيين لارتباطهم بـ"حزب الله" 

يقول المسؤول المستقبلي القريب من زعيم "تيار المستقبل"، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، لـ"العربي الجديد" إنّه "يبدو واضحاً أنّ السعوديين جادّون في خوض معركة فعلية في سورية، والتحضير جارٍ لهذا الأمر". يعني ذلك أنّ المواجهة ستكون مباشرة مع النظام السوري وحلفائه الميدانيين، تحديداً الإيرانيين، أي حزب الله، الذي لم يتردّد طوال الأشهر الأخيرة في الهجوم على الرياض من باب اتهامها بتمويل "الإرهابيين" ورعايتهم، وصولاً إلى "اتهامها بالعمل لخدمة العدو الإسرائيلي". حتى إنّ بعض المسؤولين السعوديين لم يتردّدوا في الإشارة إلى أنّ حزب الله بات يدير المعارك السياسية والإعلامية وحتى الأمنية مع السعودية في بلدان الخليج انطلاقاً من الضاحية الجنوبية لبيروت (مقرّ قيادة حزب الله ومربّعه الأمني عند مدخل بيروت الجنوبي)، في إشارة إلى دعم مختلف حركات المعارضة في البحرين والسعودية والكويت والتنسيق والتواصل مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن.

وفي الخطوة السعودية المستجدة في سورية، يشير المسؤول المستقبلي نفسه إلى أنّ "الرياض لا تريد أن يتم ابتزازها بأي ورقة جانبية للضغط عليها"، ولبنان إحدى هذه الأوراق إذ بات حزب الله مسيطراً على المشهد السياسي فيه، ويتحكّم بمعظم مفاصله السياسية والأمنية. وهو ما سبق أن قاله مباشرة مسؤولون سعوديون لآخرين لبنانيين خلال لقاءات متعدّدة وفي أماكن مختلفة منها بيروت. ونتيجة هذا الواقع "تحوّل لبنان إلى ورقة للضغط على المملكة"، بحسب أكثر من مسؤول في "المستقبل"، الأمر الذي يضع الرياض أمام خيارين: مواجهة حزب الله في عقر داره، أي في لبنان، أو إخلاء الساحة وتسليمها تماماً للحزب علّ الأخير يقع في مستنقع السياسات الداخلية اللبنانية وأفخاخها المتوقعة نتيجة العجز الرسمي على كل المستويات، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى على مستوى ملف بديهي كأزمة النفايات التي باتت تأكل بجراثيمها شوارع المدن اللبنانية.

وإذا كان خيار المواجهة شبه مستحيل نظراً لانعدام التكافؤ والفرص والأدوات بين قوّة حزب الله ومقوّمات حلفاء السعودية من جهة أخرى، يبدو الخيار الثاني أكثر منطقية ولو كان صعباً اتخاذه. وفي هذا الإطار، تشير مصادر مطلعة على أجواء "المستقبل" لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "تسليم البلد لحزب الله، ولو أنه يعني فعلياً إرباكه، يعني هدم كل ما تم بناؤه سعودياً لأكثر من عقدين"، أي عودة إلى نظام ودولة وبلد خارج حديثاً من حرب أهلية، إضافة إلى كون التسليم الفعلي لحزب الله يعني أيضاً خطراً مباشراً على حلفاء السعودية في لبنان، وكل من يدور في فلكهم.

يعزّز هذا الواقع احتمال انسحاب تيار "المستقبل" من السلطة في وقت قريب، وهو ما يؤكد المسؤولون فيه "مناقشته بشكل جدي مع الرئيس الحريري". وفي هذا الإطار يشير هؤلاء إلى أنّ "الاستقالة من الحكومة ستترتّب عليها أيضاً استقالة رئيس الحكومة تمام سلام، وذلك لتقديم مشهد سياسي واضح بوجه حزب الله". مع العلم أنّ رئيس الحكومة، لم يتأخر طوال الأشهر الماضية في رفع ورقة استقالته والتلويح بها أكثر من مرة وصولاً إلى قوله علناً إنه مستعدّ للاستقالة عندما يرى أنّ حكومته عاجزة. كما بإمكان "المستقبل" الانسحاب من الحوار الثنائي مع حزب الله (الذي انطلق مطلع عام 2015)، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما أكده وزير الداخلية نهاد المشنوق، أكثر المسؤولين في "المستقبل" المتحمّسين سابقاً للجلوس مع الحزب على طاولة واحدة، وأكثر الوزراء في التيار الذين تعاونوا مع الحزب عبر إشراك الأخير في اجتماعات مجلس الأمن المركزي.

حالياً، حان موعد قطف السعودية ومعها "المستقبل" نتائج الحوارات وحركة التواصل التي دعمتها المملكة مع القيادات السنية المعارضة لآل الحريري، وأبرزها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي (الذي ترأس الحكومة التي شكّلها حزب الله بعد الانقلاب على حكومة الحريري عام 2012)، وحليف حزب الله الوزير السابق عبد الرحيم مراد، الذي زار السعودية والتقى مسؤولين رفيعين فيها قبل أكثر من شهرين. لم يتأخر ميقاتي في زيارة مقرّ السفارة السعودية في بيروت لإعلان التضامن مع المملكة، أما مراد فلم يتردّد في زيارة منزل الرئيس الحريري كتعبير عن موقف واضح إلى جانب المملكة وحليفها وتأكيد الحرص على أن "تكون الكلمة موحدة على الصعيد السني". مع العلم أن محاولة جمع القيادات السنية إلى جانب الحريري برعاية سعودية يتمّ التنسيق لها منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

يلعب المستقبل أيضاً الورقة الشعبية، بحيث يعمد الحريري منذ عودته إلى بيروت (بعد غياب عنها لأكثر من ثلاث سنوات)، إلى تنظيم جولات في المناطق المحسوبة على تياره، بهدف إعادة شدّ العصب الشعبي لجمهوره. فكانت له زيارة إلى طرابلس (شمالي لبنان)، وأخرى إلى منطقة الطريق الجديدة (الخزّان البشري لتيار "المستقبل" في قلب العاصمة)، مع ترجيحات صادرة من محيط تيار "المستقبل" بأن يقوم الحريري بزيارات أخرى إلى الأطراف تحديداً إلى عكار شمالاً والبقاع شرقاً. ومحاولة إعادة لملمة شارع تيار "المستقبل" تأتي أيضاً استكمالاً للإجماع السياسي في القيادات السنية.

هذه الأوراق الموجودة بيد "المستقبل" ربما تساعد بالحدّ الأدنى حلفاء السعودية على التماسك في مرحلة الحكم الفعلي لحزب الله بدل الانسحاب السعودي الكامل لمصلحة الحزب وتصخم قوته. وهو تضخم قابله تراجع لنفوذ "المستقبل"، لم يحصل فجأة، بل كان نتيجة تراكم الأخطاء السياسية منذ عقد، من بسط مبدأ حكومات الوحدة الوطنية مع حزب الله، مروراً بالاتفاقات السعودية – السورية (ما عُرف بمعادلات سين ــ سين بين عامي 2009 و2010)، والتراجع لحظة انقلاب حزب الله على الحريري وإسقاط حكومته، وصولاً إلى تغطية حزب الله ومعاركه ضد الثورة السورية. 

المساهمون