تونس: هل أصبح القانون الانتخابي معطلاً لنظام الحكم؟

تونس: هل أصبح القانون الانتخابي معطلاً لنظام الحكم؟

29 أكتوبر 2019
لم تتوقف الدعوات لتعديل القانون الانتخابي (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

لا يختلف اثنان في تونس على أن حالة التشتت البرلماني مردها القانون الانتخابي الذي أفرز مجموعات نيابية متناقضة وكتلاً غير متجانسة، بشكل يحول دون تشكل الحكومة بسلاسة، وينبئ بتعطل القوانين مستقبلاً. ولم تتوقف الدعوات لتعديل القانون الانتخابي الذي أجهز على الأحزاب السياسية، وأضعف حضورها البرلماني، في وقت عزز مكانة الائتلافات الانتخابية ومجموعات المستقلين، بفضل النظام الانتخابي الذي صيغ غداة قيام الثورة، وهي فترة مخالفة لوضع الاستقرار الذي تمر به تونس.

وأكد أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ضرورة تعديل القانون الانتخابي مستقبلاً لأنه تسبب في تشتت مشهد الحكم، وانعكس سلباً على تمرير القوانين وانتخاب المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية، لأنه لا يفرز أغلبية واضحة قادرة على الحكم. ولفت إلى أنه لا يمكن لأي حزب أن يحكم أو يشكل حكومة بمفرده، أو أن يمرر قوانين حكومته في ظل القانون الانتخابي الحالي.

وتمكّن ما يناهز 163 نائباً تونسياً من الفوز بمقعد في البرلمان الذي يتألف من 217 مقعداً، بفضل النظام الانتخابي القائم على احتساب أكبر بقايا الأصوات بعد توزيع المقاعد الأساسية، بشكل جعل تركيبة البرلمان لا تُترجم إرادة الناخبين وتوجهاتهم. ويقضي قانون الانتخابات التونسي بتحديد قيمة المقعد النيابي حسب الدوائر الانتخابية بحسب كل 60 ألف ساكن، غير أن نظام الانتخابات القائم على النسبية مع احتساب أكبر بقايا الأصوات يجعل قيمة المقعد أقل بكثير من ذلك، لارتباطه بإقبال الناخبين من جهة، ومن جهة أخرى بتوزيع الأصوات على ترتيب الفائزين بأكبر البقايا، بشكل يمنح المقعد نفسه لحزبين متنافسين بفارق قد يتجاوز خمس مرات عدد الأصوات، الشيء الذي لا يترجم واقع التوجه العام للتصويت وإرادة الناخبين في كل دائرة.

فعلى مستوى دائرة تونس الأولى، التي ترشح عنها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، فقد حصلت قائمته على ما يناهز 30 ألف صوت، بنسبة تجاوزت 22 في المائة من جملة الأصوات المصرح بها، في وقت تمكن نائب رئيس الهيئة السياسية لحزب تحيا تونس مصطفى بن حمد من الظفر بمقعد بفضل أكبر البقايا، من خلال حصوله على 4 آلاف صوت، بنسبة 3.1 في المائة، ما يعني أن بن حمد سحب مقعداً كان مخصصاً للقيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي، لو لم يتم تطبيق هذه القاعدة، بحسب خبراء الانتخابات.



وسجلت الانتخابات التشريعية تسلل حزب تحيا تونس والأحزاب المنشقة عن نداء تونس وبعض قوائم اليسار والقوائم المستقلة إلى البرلمان، بفضل ميزة أكبر البقايا من الأصوات، حيث لم يفز "تحيا تونس"، الذي يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بأي مقعد برلماني بفضل الأصوات التي جمعها، بل إن جميع المقاعد التي حصل عليها، وعددها 13، كانت عبر أكبر البقايا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نواب أحزاب "مشروع تونس" الذي يتزعمه محسن مرزوق (5 مقاعد)، و"البديل" الذي يقوده مهدي جمعة (3 مقاعد)، و"النداء" (3 مقاعد)، و"آفاق تونس" (مقعدين)، إلى جانب الفائز الوحيد من قوى الجبهة الشعبية اليسارية، حيث فاز مرشح الرئاسة منجي الرحوي بمقعد وحيد.

كما عكست الانتخابات التشريعية أيضاً أن القوائم المستقلة الـ12 الفائزة بمقعد وحيد، دخلت جميعها إلى البرلمان بفضل ميزة أكبر بقايا الأصوات. وحتى المرشح الرئاسي الصافي سعيد، الذي حصد نسبة هامة من الأصوات في الجولة الرئاسية الأولى، تمكن من النجاح بفضل هذه الوسيلة. ومن بين 31 قائمة انتخابية حصلت على مقاعد برلمانية، بحسب النتائج الأولية، لم تحصل سوى 6 قوائم فقط على مقاعد عبر الحاصل الانتخابي، أي القيمة الانتخابية الحقيقية، وبنسب متفاوتة لا تترجم بالمرة توجه الناخبين. وحصلت "النهضة" على 29 مقعداً بشكل مباشر من بين 52، فيما حصد "قلب تونس" 18 مقعداً مباشراً من بين 38، والحزب "الدستوري الحر" 3 مقاعد من بين 14، وحزب "التيار الديمقراطي" مقعدين من بين 20، و"ائتلاف الكرامة" مقعداً وحيداً من بين 20، و"حركة الشعب" مقعداً وحيداً من بين 15، جاءت كلها بفضل أكبر بقايا الأصوات.

وبين المحلل عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "فلسفة اعتماد نظام التمثيل النسبي، مع اعتماد أكبر البقايا من الأصوات بعد الثورة، كان يهدف إلى ضمان تمثيل المعارضة والأقليات الحزبية، ما يخلق توازناً داخل السلطة التشريعية ويقطع مع انفراد الحزب الواحد أو حزبين بالسلطة". واعتبر أن "هذا النظام أنتج كتلاً برلمانية معارضة شرسة، وهو وسيلة لتحقيق التعددية البرلمانية". ويعاب على هذا النظام، بحسب المؤدب، "عدم ترجمته بشكل واضح لإرادة الناخبين، كما يخلق تشتتاً عددياً قد يعطل عمل البرلمان والحكومة أيضاً، ويمكن تداركه بفرض نسب حسم على غرار الدول المتقدمة، تراوح بين 3 في المائة و10 في المائة، وهي نسب قد تفضي إلى بقاء ثلاثة أحزاب على أقصى تقدير". واعتبر أن "طرح نسبة حسم تبلغ 7 في المائة على النتائج الحالية، سيخلق برلماناً يتكون من أغلبية من 100 نائب للنهضة و80 نائباً لقلب تونس و37 نائباً لحزب التيار الديمقراطي"، على حد قوله.