غبار الأحواز يعصف بين سياسيي إيران

غبار الأحواز يعصف بين سياسيي إيران

17 فبراير 2015
إيران لم تستطع حل مشكلة التلوث (فرانس برس)
+ الخط -

شغلت احتجاجات مواطنين إيرانيين يقطنون في الأحواز في محافظة خوزستان جنوبي إيران، مواقع إيرانية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبادلت صوراً للمحتجين أمام مبنى البلدية بعد معاناتهم لأكثر من أسبوع من العواصف الترابية والرملية، والتي عطّلت الحياة وأوقفت المدارس وبعض المؤسسات الرسمية، وزادت كذلك عدد المرضى والمراجعين لغرف الطوارئ في المستشفيات والمستوصفات.

وأعرب المحتجون عن استيائهم من الأوضاع التي زادت مشكلة تلوث الهواء تعقيداً، وهي المشكلة التي تعانيها الأحواز أصلاً، إذ ترتفع فيها نسبة التلوث ثمانية أضعاف الحد المسموح به كما يقول المختصون، فطالب المحتجون المعنيين والمسؤولين بوضع خطط مفيدة لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلات الطبيعية والتي تزيدها العوامل الإنسانية سوءاً.

ويقول بعض المتخصصين إن هبوب العواصف الرملية والترابية على تلك المناطق يعود لقربها من بعض الدول العربية التي تعاني أيضاً من هذه المشكلة، كالعراق والكويت والسعودية، ويرتبط التلوث في الأحواز بكثرة المصانع ومحارق النفط والفولاذ، فهي غنية بهذه الثروات، والأبرز هي مشكلة الجفاف والتصحّر التي تعاني منها هذه المنطقة الحارة، وما زاد الطين بلة هو تحويل مسار نهر "كارون" عن تلك المنطقة، وإقامة السدود عليه ما ساهم في زيادة الجفاف هناك.

ولطالما عانت الحكومات الإيرانية المختلفة على مر السنين من مشكلة الجفاف، فحاولت تحويل مسار الأنهار إلى مناطق أكثر جفافاً، لحل المشكلة لكن هذا ساهم في خلق مشكلات في مناطق أخرى.

الاعتراض في الأحواز التي يسكنها غالبية عرب إيران فضلاً عن الإيرانيين من قومية "البختيار"، تجاوز المواطنين ووصل إلى سياسيي البلاد، فدخل نواب محافظة خوزستان إلى قاعة البرلمان الإيراني في وقت سابق، وهم يضعون أقنعة وكمامات على وجوههم، لإيصال رسالة الاعتراض للمعنيين بسبب عدم بذلهم جهوداً حقيقية لحل هذه الأزمة المتكررة والتي تفاقمت هذا العام كما قالوا.

ورأى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، أن مشكلات محافظة خوزستان تؤثر على المواطنين بالدرجة الأولى، قائلاً إنها مشكلات بدأت بالتفاقم منذ سبعة أعوام تقريباً وليست مشكلات مستجدة حسب رأيه، معتبراً أنها لا ترتبط بالداخل الإيراني بل عواملها خارجية، لكنه طالب في الوقت نفسه المسؤولين في الحكومة باتخاذ الإجراءات الملائمة والتحذير من عواصف من هذا النوع في محاولة لتقليص العقبات السلبية.

أما النائب المحافظ وعضو لجنة الأمن القومي في البرلمان جواد كريمي قدوسي، فقال لوكالة "أنباء فارس" الإيرانية بوضوح إنه على رئيسة مؤسسة البيئة معصومة ابتكار زيارة محافظة خوزستان وتفقُّد أهلها عن كثب، لا الوقوف والتعليق بعيداً.

وأضاف قدوسي أن الأحوال الجوية الطبيعية والجفاف عوامل غير مساعدة، لكن يجب التنبؤ بهذه الظواهر وتحذير المواطنين ومحاولة وضع برامج تُقلّص من تبعات هذه الظروف الجوية، قائلاً إنها مشكلة يعانيها العديد من المناطق غربي وجنوبي البلاد، وخصوصاً المناطق الحدودية، معتبراً أن على الحكومة كتابة برنامج دقيق ومحدد وعلى معصومة ابتكار اتخاذ خطوات فعلية.

ابتكار المرأة المعروفة في إيران، تتعرض اليوم للعديد من الانتقادات، وجاءت مشكلة الأحواز لتفتح باب الجدل على مصراعيه بين السياسيين من التيارات المختلفة من جديد، فهي منتمية للتيار الإصلاحي، وكانت مستشارة للرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، كما أنها كانت من الطلاب الذين اقتحموا مبنى السفارة الأميركية بعد انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من ثلاثة عقود، وإطلاق أزمة الرهائن الأميركيين، والتي أدت إلى قطع العلاقات بين البلدين وفرض حظر على إيران ما زال مستمراً حتى اليوم.

تتعرض ابتكار اليوم لانتقادات شديدة، لا سيما أنها أقرت برنامجاً لاستيراد البنزين من الخارج بحجة أن بنزين الداخل يساهم في زيادة أزمة التلوث، ولكن التلوث لم يتقلص لا في طهران ولا أصفهان ولا في الأحواز، كما يقول منتقدوها من المحافظين الذين بدأوا يطالبون الرئيس المعتدل حسن روحاني بعزلها.

على الضفة المقابلة، تعرف ابتكار مدى تعقيد المشكلات البيئية في بلادها، كما تدرك أن كل القضايا في إيران تُستخدم في ساحة السياسة، فردت قائلة "لا يمكن توجيه أوامر للأمطار كي تهطل وتحل مشكلة العواصف الرملية ومشكلات البيئة"، وهو الرد الذي اعتبره كثر "استفزازياً"، ولا سيما أن ابتكار ألغت رحلتها بالطائرة إلى خوزستان بسبب "سوء الأحوال الجوية"، بينما وصل وزير الصحة حسن هاشمي براً، والتقى بالمسؤولين هناك وتفقد المرضى في المستشفيات، وهي نقطة وإن حُسبت لحكومة روحاني، لكنها لا تصب في صالح ابتكار.

روحاني يدرك أن هذا الملف قد يزيد الجدل تعقيداً، فقام خلال اجتماعه بأعضاء الحكومة مساء الأحد بإقرار العديد من النقاط، أبرزها مطالبته باستشارة المختصين لوضع خطط لمعالجة مشكلات الأحواز، وأقر مشاريع لإيجاد برك وبحيرات صناعية تساعد في تلطيف الجو والتقليل من الجفاف، كما أقر خططاً للتشجير حول المدينة.

وتحدث عن ميزانيات خاصة لمعالجة المرضى والمصابين إثر هذا النوع من الظواهر الطبيعية، ولكن الأهم هو مطالبته بإيجاد حلول للتوصل إلى تقنية رصد أفضل لدراسة العوامل الطبيعية وتبعاتها والتنبؤ بها وتحذير المواطنين منها، وهو ما قد يسد باب الانتقادات ولو قليلاً أو مؤقتاً، فلطالما حمل شتاء إيران مشكلات طبيعية، أهمها التلوث والجفاف والبرد من دون معدل هطول كافٍ للأمطار، وهي التي تنعكس سلباً على الإيرانيين أنفسهم، لكنها تفتح دائماً باب الجدل السياسي.

المساهمون