النظام السوري يلقي بكل ثقله لشطر الغوطة... ويمنع المساعدات

النظام السوري يلقي بكل ثقله لشطر الغوطة... ويمنع المساعدات عن المدنيين

09 مارس 2018
دمار كبير في الغوطة جراء القصف المتواصل(حمزة الأجوه/فرانس برس)
+ الخط -
يُلقي النظام السوري وروسيا بكل ثقلهما لتحقيق هدفهما بتقسيم الغوطة الشرقية لدمشق إلى شطرين، شمالي وجنوبي، وسط مقاومة مستميتة من قِبل فصائل المعارضة السورية، التي لجأت إلى شن هجمات معاكسة لاستعادة بعض المساحات التي خسرتها، من دون أن تتمكن كلياً من إبعاد خطر تقسيم المنطقة، وهو ما يهدد مصير الغوطة برمتها، على نحو يذكّر بما حصل سابقاً في مناطق أخرى، مثل حلب وداريا وبيت جن، والتي لجأ النظام إلى تقطيعها لتسهيل السيطرة عليها.

ولم يترك النظام أي وسيلة لتحقيق هدفه في الغوطة إلا استعملها، مستخدماً كل الأسلحة المتوفرة لديه، ومنها الكيميائي، مستفيداً من أن الوعيد الدولي بمحاسبته على استخدام الكيميائي، والذي جاء على لسان فرنسا هذه المرة، يبقى مجرد كلام بلا أي حراك فعلي، بالتوازي مع خنق النظام للمدنيين عبر عرقلة دخول قافلة مساعدات إلى المنطقة، أمس، واستمرار استهدافهم بالقصف، ليصل عدد القتلى المدنيين في الغوطة إلى 905، صباح أمس، منذ بدء هجوم النظام على المنطقة في 18 فبراير/ شباط الماضي، ليصبح القرار الأممي 2401 الداعي لهدنة في سورية مجرد حبر على ورق. ويحاول النظام تبرير هجومه بمحاربة "التنظيمات الإرهابية"، وهو ما أعاد تكراره سفير النظام السوري لدى الأمم المتحدة في جنيف، حسام الدين آلا، أمس، قائلاً إن العمليات العسكرية في الغوطة تستهدف "المنظمات الإرهابية بما يتفق مع القانون الإنساني الدولي". ورداً على تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، الأربعاء، ادعى آلا أن "الإرهابيين واصلوا القصف العشوائي لدمشق رغم أننا التزمنا بهدنة إنسانية يومية".

وبعدما ادعى النظام السوري، منذ يوم أول من أمس، أنه نجح في تقسيم الغوطة إلى شطرين، اعترف قائد عسكري في تحالف داعم للنظام، أمس، بأن قوات النظام "توشك" على شطر الغوطة إلى قسمين، من دون أن يؤكد النجاح بتحقيق هذا الهدف، وفق ما نقلت وكالة "رويترز" عنه.
وسعت قوات النظام، أمس، إلى محاولة التقدّم عبر محور حمورية التي أمطرتها بوابل من القذائف والصواريخ، وكذلك جارتها زملكا التي سقط فيها عشرات الضحايا، في حين قالت مصادر النظام إن الأخير أمهل فصائل المعارضة في بلدة مسرابا ساعات لتسليم المدينة وإلا فإنه سيقوم باقتحامها. في حين نقلت وسائل إعلام عن "قائد عسكري في القوات الرديفة" قوله إن "الجيش السوري تمكّن من شطر الغوطة الشرقية إلى جزءين، حيث توشك القوات الحكومية المتقدمة من الشرق أن تنضم إلى القوات عند الطرف الغربي للجيب". ونقلت وكالة "رويترز" عن القائد العسكري الذي رفض ذكر اسمه، أن الجزء المتبقي من الأراضي الذي يربط الجزءين الشمالي والجنوبي للجيب يبلغ كيلومتراً واحداً وتسيطر عليه قوات النظام. وقالت مصادر النظام إن الهجوم يتركز على مدينة مسرابا بهدف الدخول نحو مديرا والوصول إلى قوات النظام الموجودة في حرستا والتي تبعد عنها نحو كيلومترين فقط، وذلك عبر المناطق المكشوفة بين دوما ومسرابا ومن دون الحاجة إلى خوض معارك داخل الأبنية السكنية في مسرابا.

في المقابل، أعلن المتحدث باسم "فيلق الرحمن"، وائل علوان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام لم تستطع فصل الغوطة إلى شطرين حتى الآن، مشيراً إلى أنها استطاعت، الأربعاء، "التسلل من مزارع العب ومسرابا باتجاه بيت سوا، ثم حررها الثوار قبل أن تتمكن قوات النظام من السيطرة عليها مجدداً". وأوضح علوان أن المعارك تدور بين بلدة بيت سوا وبين طريق الغوطة الرئيسي و"الثوار موجودون بين بلدة بيت سوا في المعامل والمزارع وطريق الغوطة الرئيسي، حيث تدور معارك عنيفة جداً".

وقالت فصائل المعارضة إنها شنّت هجوماً معاكساً في مزارع الأشعري والمحمدية وتمكّنت من التقدم في المحورين مسافة 1.5 كيلومتر. وأفاد بيان نشرته غرفة عمليات "بأنهم ظلموا"، بأن مقاتلي المعارضة تقدّموا على جبهة المحمدية ومن جهة مسرابا ومن جهة جبهة المشافي في حرستا، موقعين عشرات القتلى والجرحى في صفوف النظام. وأضاف البيان أن جبهة مسرابا شهدت عملاً مشتركاً لفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، تم على أثره إرجاع "مليشيا النمر" إلى ما يقارب الـ800 متر عن النقاط التي تقدمت إليها في مزارع مسرابا، الثلاثاء، وفي حرستا أيضاً، تمكن مقاتلو المعارضة من "تحرير مساحات وكتل واسعة تجاوزت الكيلومتر مربع إضافة إلى تدمير دبابة ومقتل أكثر من 20 عنصراً من المليشيات".

كما أعلن "جيش الإسلام" إسقاط طائرة استطلاع في جبهة الريحان. وقال المتحدث باسمه حمزة بيرقدار، في تسجيل صوتي، إنهم خاضوا معارك عنيفة ضد مليشيات النظام على جبهة الريحان، وتحديداً في محور المياه، إثر محاولة النظام اقتحام البلدة. غير أن مصادر محلية ذكرت لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام وصلت بالفعل إلى بلدة بيت سوا، لتبقى أمامها فقط بلدة مديرا التي أصبحت نقطة الاشتباك الوحيدة التي تفصلها عن شطر الغوطة إلى قسمين شمالي وجنوبي.

وأمام المقاومة القوية التي تواجهها من جانب فصائل الغوطة وأبرزها "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" و"أحرار الشام"، تعمد قوات النظام ومعها الطيران الروسي إلى تصعيد القصف على الأحياء السكنية في الغوطة فضلاً عن جبهات القتال، موقعة المزيد من الضحايا المدنيين، الذين سقط العشرات منهم أمس الخميس، جراء غارات روسية بالصواريخ العنقودية على بلدتي حمورية وزملكا. وقال الناشط الإعلامي قيس الحسن، الموجود في الغوطة الشرقية، لـ"العربي الجديد"، إن الطائرات الحربية الروسية شنّت، منذ فجر أمس، عشرات الغارات الجوية على المنطقتين، وأدت الغارات على بلدة حمورية إلى تهدم عدد من المباني ومقتل عدد كبير من المدنيين الذين بقيت جثث معظمهم تحت الأنقاض. كما قتل نحو عشرة مدنيين جراء قصف بصواريخ عنقودية من طائرات روسية على الأحياء السكنية في مدينة زملكا.


كذلك أصيب العديد من المدنيين جراء قصف جوي وصاروخي تعرضت له الأحياء السكنية في مدينة حرستا بأكثر من 70 صاروخ أرض - أرض و30 غارة جوية، إضافة إلى قصف بالنابالم المحرم دولياً، فيما ألقت طائرة مسيرة تابعة لقوات النظام قنابل متفجرة على بلدة عين ترما بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي استهدف البلدة. كما تعرضت بلدة جسرين للعديد من الغارات الجوية أسفرت عن مقتل 11 شخصاً، وفق الناشط قيس الحسن، ومثلها بلدة سقبا التي لم ينقطع القصف الجوي عليها طوال الليل والنهار. في حين شاركت مدفعية النظام والطيران الروسي في استهداف بلدة عربين ما أوقع العديد من الضحايا، بينما ألقت مروحيات النظام براميل متفجرة على بلدة مسرابا التي تشهد أيضاً محاولات تقدّم بري من جانب قوات النظام باعتبار أنها تقع في المساحة الفاصلة بين شمال الغوطة وجنوبها، والتي يسعى النظام للاستيلاء عليها لتحقيق عملية الفصل.

وطاول القصف عن طريق الخطأ بعض مناطق النظام، إذ سقط، وفق ناشطين، صاروخ أطلقته طائرة حربية روسية على منطقة القزاز في دمشق، غير البعيدة عن الغوطة، وإن كانت مصادر النظام اتهمت المعارضة بالمسؤولية عن القصف.

إلى ذلك، وثق الدفاع المدني في الغوطة إصابة 124 مدنياً بحالات اختناق نتيجة هجوم لقوات النظام بغاز الكلور السام على منطقة سكنية في الغوطة، يوم الأربعاء. وقال الدفاع المدني في ريف دمشق عبر صفحته في "فيسبوك"، إن فرقه أخلت 124 مدنياً، بينهم أكثر من مائة طفل وامرأة، أصيبوا بحالات اختناق جراء إلقاء مروحيات النظام برميلاً متفجراً يحوي غاز الكلور السام على الأحياء السكنية بين مدينة سقبا وبلدة حمورية، مشيراً إلى أن الاستهداف بالكلور تزامن مع قصف مكثف من طائرات حربية روسية وقصف لقوات النظام بصواريخ محملة بمادة الفوسفور. ويأتي ذلك بعد نحو 48 ساعة من قصف النظام بالكلور أيضاً على بلدة حمورية، ما أدى لإصابة 30 مدنياً بحالات اختناق.

وعلى هذا الصعيد، أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن بلاده سترد إذا ثبت استخدام أسلحة كيميائية في سورية أدت إلى سقوط قتلى مدنيين. ودعا روسيا وإيران إلى استخدام نفوذهما للضغط على بشار الأسد لضمان احترام دمشق للقرار 2401. وكان وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أكد نهاية الشهر الماضي، أن الغرب لن يبقى مكتوف الأيدي أمام استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، متوعداً بشن غارات ضد حكومة الأسد إذا اكتشف تورطه في ذلك.

في غضون ذلك، عرقل النظام السوري دخول قافلة مساعدات إنسانية إلى الغوطة، أمس. وأعلنت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر يولاندا جاكمت، أن "وتيرة تسارع الأوضاع على الأرض في الغوطة الشرقية لا تسمح للصليب الأحمر بتنفيذ العملية، ومن غير الواضح متى ستستأنف".

أما على صعيد الوضع الإنساني، فوصف الناشط قيس الحسن لـ"العربي الجديد"، الوضع في الغوطة بأنه كارثي، مؤكداً أن معظم الناس يعيشون إما تحت الأرض أو أنهم تائهون في الشوارع، والكثير منهم لم يتناول أي طعام منذ ثلاثة أيام. وأشار الحسن إلى وجود حالات نزوح داخلي كبيرة في الغوطة، خصوصاً من مدن الاشتباك إلى المدن الداخلية، والتي قال إنها تعيش هي الأخرى ظروف القصف والتدمير نفسها، فيما يملأ الركام الشوارع، حيث أغلب الطرقات مدمرة وغير صالحة للاستخدام، إضافة إلى تدمر البنية التحتية بشكل شبه كامل، بينما تعيش الكوادر الطبية حالة من الشلل والعجز بسبب كثرة الإصابات وقلة الإمكانيات.