- تم انتخاب الإدارة المدنية عبر المجلس التأسيسي المدني بمشاركة مندوبين من محليات الولاية، في خطوة تعد الأولى من نوعها في السودان، مع تهديدات سابقة من قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة موازية.
- الردود على تشكيل الإدارة المدنية المؤقتة تباينت بين الاعتبارها خطوة ضرورية لملء الفراغ الإداري والدستوري، وبين اعتبارها "مسرحية" قد تكون واجهة لإدارة أعمال الإرهاب، مع تعليقات تعبر عن الأمل في تحسين الخدمات والأمن.
أثار إعلان قوات الدعم السريع في السودان تأسيس أول سلطة مدنية مؤقتة في ولاية الجزيرة، منذ بدء قتالها مع الجيش السوداني في إبريل/ نيسان 2023، العديد من الأسئلة والاستفسارات في الأوساط السودانية.
وأعلنت قوات الدعم السريع، الاثنين الماضي، تأسيس إدارة مدنية مؤقتة لولاية الجزيرة في وسط البلاد. وتعتبر الجزيرة واحدة من كبريات الولايات السودانية من حيث الكثافة السكانية والمساحة، ويوجد بها أكبر مشروع زراعي في أفريقيا كما يوجد بها عدد من المجمعات الصناعية وتعد عاصمتها ود مدني ثالث أكبر مركز تجاري في البلاد.
وجاء اختيار "الإدارة المدنية" عبر ما سمي بالمجلس التأسيسي المدني، حيث اجتمع مندوبون من محليات الولاية في ود مدني وانتخبوا رئيساً تنفيذياً للإدارة المدنية ونائباً له كما انتخب المجلس التأسيسي، وهو بمثابة سلطة تشريعية رقابية، رئيساً له ونائباً.
أول "إدارة مؤقتة" في السودان
ورغم سيطرة قوات الدعم السريع على ولايات أخرى في دارفور كلياً أو جزئياً إلا أنها المرة الأولى التي يُعلن فيها عن تأسيس "إدارة مؤقتة" في أي من الولايات، وسبق لها أن هددت بتشكيل حكومة كاملة في حال أقدم قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، على تشكيل حكومة من مقر إقامته في مدينة بورتسودان، شرقي البلاد، ما فتح الباب أمام تكرار التجربة الليبية بوجود حكومتين في الدولة.
وكانت قوات الدعم السريع سيطرت على ولاية الجزيرة في 18ديسمبر/ كانون الأول الماضي دون عمليات قتالية عقب انسحاب وحدات تابعة للجيش بالكامل إلى ولاية سنار أو لمنطقة المناقل، وهى من المناطق القليلة بالولاية التي لم تصل إليها "الدعم السريع" حتى الآن.
ومنذ سيطرة "الدعم السريع" عليها شهدت غالبية مدن وقرى وبلدات ولاية الجزيرة انتهاكات واسعة ارتكبتها هذه القوات بحق الأهالي، شملت القتل والنهب والسلب والاعتقال والتعذيب والحد من حركة التنقل والسيطرة على المؤسسات الخدمية بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية، ما أدى إلى موجة نزوح واسعة وسط المدنيين خصوصاً الذين كانوا نزحوا أصلاً إلى الولاية من العاصمة الخرطوم في الأشهرالأولى من الحرب.
وساءت الخدمات كلياً وانقطعت لنحو شهرين الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت في الجزيرة تحت سيطرة "الدعم السريع"، كما تدهورت خدمات الكهرباء والمياه وخرجت العديد من المستشفيات عن الخدمة وظهرت عصابات للنهب والسلب في أجزاء من سهول البطانة.
وتأمل قوات الدعم السريع أن تنجح الإدارة المدنية المؤقتة في معالجة كل تلك الإشكاليات التي يواجهها المدنيون في الجزيرة، بما في ذلك تحسين الخدمات وبسط الأمن والحد من الانتهاكات واستعادة النظام الإداري.
وقال رئيس "الإدارة المدنية المؤقتة" صديق أحمد عثمان فور اختياره، إن انعقاد المؤتمر "يعد نقله نوعية وانتصاراً لثورة ديسمبر المجيدة المطالبة بالحكم المدني". ووعد بوضع الأسس المتينة للحكم الفيدرالي، وحثّ سكان الولاية الذين نزحوا إلى ولايات أخرى، على العودة إلى منازلهم.
وتباينت إلى حدّ بعيد المواقف والآراء تجاه خطوة "الدعم السريع" الجديدة في ولاية الجزيرة، حيث اعتبرها البعض بدايةً لتشكيل حكومة في المناطق التي تُسيطر عليها وأن الخطوة لن تحرز تقدماً في تحسين الخدمات ووقف الانتهاكات، بينما رأى آخرون أنها ضرورية.
وقال الناشط السياسي والحقوقي، حاتم الياس، لـ"العربي الجديد" إنّ "انسحاب الجيش من ولاية الجزيرة، نهاية العام الماضي، ترك فراغاً إدارياً وغيّب مؤسسات الدولة وترك أثراً كبيراً على الواقع في الولاية، وكان لا بد من وجود سلطة تقوم بالمهام الأساسية وهي حفظ الأمن وتطبيق القانون"، معتبراً أنّ وجود الإدارة المدنية "ضروري طالما الدعم السريع مسيطرة على الولاية، ولو أنها تترك السلطة لأهالي الولاية لإدارة أنفسهم سيكون ذلك أفضل، لأن أهل مكة أدرى بشعابها".
وأضاف إلياس أن السلطة المؤقتة "يمكن لها عبر التواصل مع قيادة الدعم السريع وتعاونهما أن تلقي القبض على المتفلتين الذين ينتهكون حقوق أهالي الجزيرة، وسيحسب ذلك نجاحاً لقوات الدعم السريع"، لافتاً إلى أنّ الوضع في الجزيرة وكل السودان "خلق نوعاً من الهشاشة الأمنية، لذا زاد عدد المجرمين خصوصاً بعد فتح السجون وهروب أصحاب السوابق".
ويتفق المحلل السياسي، حافظ كبير، مع إلياس في ضرورة تأسيس إدارات مدنية محلية بسبب الفراغ الإداري والدستوري الذي يشهده السودان، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الإدارة المؤقتة معنية أيضاً بمتابعة أوضاع مشروع الجزيرة والإشراف عليه وإنجاح الموسم الزراعي".
وأكد كبير أن "المجتمع الدولي وكل الساعين لحماية المدنيين سيدعمون تلك الإدارة في ولاية الجزيرة، لاسيما وأن المهنيين من أبناء الولاية يدعمونها لإدراكهم الحاجة إليها"، مبدياً تفاؤلاً بنجاح الفكرة "في حماية المدنيين ووقف الانتهاكات، ففي السلطة الجديدة هناك رئيس للشرطة وستكون هناك قوة خاصة من أبناء المنطقة تابعة للشرطة، مضافاً إليها قوة من الدعم السريع سوف تعمل تحت إمرة الإدارة المدنية لمكافحة التفلتات، وقد تتوسع صلاحيات الإدارة في المستقبل".
خطوة "خطيرة"
من الجهة الأخرى، وجدت خطوة "الدعم السريع" استهجاناً واستغراباً وأصدرت لجان المقاومة في مدينة ود مدني بياناً، أمس الأربعاء، قالت فيه إن تكوين الإدارة المدنية "جاء بالتزامن مع موجة عنف ثالثة من قبل الدعم السريع ضد الأهالي"، مؤكدة أن الموجة تلك هي الأوسع وشملت كافة محليات الولاية دون استثناء "مع الإمعان في قهر وإرهاب وإفقار المواطنين العزل".
وكشفت اللجان عن مقتل 43 شخصاً على أيدي قوات الدعم السريع خلال أيام شهر رمضان الحالي، كما أن الموجة عرضت آلاف الأسر إلى مخاطر الجوع بعد نهب مخزونات المحاصيل الغذائية وقطع طرق الإمداد وتدمير الأسواق.
وأبدت اللجان، في البيان، استغرابها من توسع موجة العنف والإرهاب الحالية مع إعلان إنشاء إدارة مدنية في ولاية الجزيرة "والتي يبدو أن تشكيلها في هذا التوقيت خير بيان على حقيقة مهامها المتعلقة بإدارة أعمال الإرهاب والإفقار التي تمارسها المليشيات في الولاية".
كما أصدر حزب الأمة القومي في ولاية الجزيرة بياناً وصف فيه قرار تشكيل الإدارة بـ"مسرحية سيئة الإخراج" لن تنطلي على أهل الولاية. ونفى الحزب أن يكون له أي صلة برئيس "الإدارة المؤقتة"، وذلك رداً على ما أشيع بأن رئيس الإدارة المدنية المؤقتة هو قيادي في حزب الأمة.
وقال محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة، إن تشكيل إدارة مؤقتة بالجزيرة هو "خطوة خطيرة جداً"، مبيناً أنّ تنسيقية القوى الديمقراطية بقيادة عبد الله حمدوك ظلت تنفي أنها حليف سياسي لقوات الدعم السريع و"بقبولها تسكين بعض قيادتها ضمن الإدارة المدنية المؤقتة التابعة للدعم أمر يؤكد التحالف بين الجانبين، ما ينفي عن التنسيقية الحيادية التي تدعيها".
وبيّن لـ"العربي الجديد" أنّ الخطوة تطرح أسئلة أمام حزب الأمة القومي الذي فتح خطاً تصحيحياً داخل تقدم بهدف إعادة الأمور لنصابها"، مستغرباً "صمت الحزب عن تعيين قيادات في المكتب السياسي للحزب ضمن قوائم الإدارة".
وجزم زكريا، بأنّ القرار لن يجلب أي استقرار لولاية الجزيرة ولا أمنها، وأنها ستكون إدارة على الورق معزولة عن الجماهير، "لأنّ قوات الدعم السريع ليست لها قابلية على الانضباط والسيطرة ولا تلتزم بالسلسلة الإدارية والقيادية وستكون الإدارة المدنية المؤقتة في النهاية خصماً لكل الأطراف"، وفق قوله.
ومن جهته، استبعد محمد عبد الحكم، القيادي في قوى الحرية والتغيير، في حديث لـ"العربي الجديد"، حدوث أي تأثير حقيقي للخطوة على الأوضاع في ولاية الجزيرة، ولفت إلى أن "ما ارتكب من اعتداءات ونهب وتعدٍ على الأملاك الخاصة بالمواطنين فاق تصورات من التقوا بقيادات الدعم السريع في الجزيرة باعتبارها سلطة أمر واقع"، موضحاً أنه "اتضح للمدنيين جلياً أن من ساهم في انفراط عقد الأمن بعد سيطرة الدعم على الجزيرة، هم جنود الدعم السريع أنفسهم".
وأوضح عبد الحكم أن خطوة تشكيل إدارة مؤقتة كانت مطلوبة من الكثيرين من أهالي الجزيرة مع بدايات فرض قوات الدعم السريع لسلطتها هناك "لكن في الوقت الراهن هي بلا جدوى، خاصة وأن التجربة المريرة في الجزيرة من القتل والنهب والسلب أكدت بأن من يعيثون فساداً وخراباً في الجزيرة يصعب على قادة الدعم السريع ضبطهم، ما يجعل ضبط إدارة مدنية لا صلة عضوية لها بالدعم السريع لهؤلاء بمثابة الاستحالة"، مضيفاً "ولا يزال الأمل يحدونا في أن تخفف هذه الخطوة من تصاعد الانتهاكات لتشكل بداية جديدة تحمل في طياتها واقعاً مغايراً تبسط فيه سلطة الأمر الواقع بالجزيرة الأمن وتعيد الطمأنينة لسكان الولاية التي عانت الأمرّين".
أما الصحافي عبد الماجد عبد الحميد فيرى أن الخطوة لا تحمل أي معنى أو قيمة، وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "ولاية الجزيرة ولاية كبيرة وبها نظام سياسي وأهلي صارم جداً، وأن الذين اختيروا للإدارة ليس لهم سند حقيقي، ولا أثر لهم في المجتمعات المحلية. ولن يتمكنوا من إحداث أي تغيير في المنطقة ولن يجدوا أي تعاون أو اعتراف من المجتمعات المحلية"، مضيفاً أن "انتهاكات الدعم السريع لن تتوقف في الجزيرة ما لم تتدخل القوات المسلحة السودانية وتعيد الأمور لنصابها".
الكباشي: الجيش سعيد بالتلاحم الشعبي
ومن جهته، قال الفريق أول شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للجيش السوداني، إن الجيش لن يقبل براية سياسية أو حزبية أو كيانات داخله أو داخل المقاومة الشعبية التي تشارك في الحرب الحالية ضد "الدعم السريع".
وأوضح الكباشي، خلال مخاطبته حفل تخريج دفعة من مقاتلي حركة تحرير السودان، إحدى الحركات الموقعة على إتفاق السلام، أن المقاومة الشعبية المسلحة تعمل تحت قيادة القوات المسلحة المؤسسة القومية التي لا تعرف الانتماءات السياسية "ويجب أن يعمل كل منسوبيها تحت راية القوات المسلحة، وان كل سلاح يصرف يجب أن يكون من داخل المعسكرات المعروفة ولن نقبل بسلاح لأشخاص بانتماءات سياسية خارج المعسكرات".
وجاء حديث كباشي مع تزايد الانتقادات لاستغلال جهات سياسية المقاومة الشعبية الداعمة للجيش، مضيفاً أنّ "قيادة الجيش سعيدة بحجم التلاحم الشعبي مع القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وأطراف السلام".