الوطنية في أوروبا

الوطنية في أوروبا

26 ابريل 2017
+ الخط -


على أبواب الجولة الثانية من انتخابات فرنسا الرئاسية الحاسمة، وكما العادة في القارة العجوز، يتحول المهاجرون إلى مادة محورية. بعيداً عن تهويل اليمين الشعبوي تجاه أعدادهم، والقلق من نقص نسب المواليد في القارة، تواجه المجتمعات تحديات جدية وخطيرة. الحلول التي تطرحها الأحزاب التقليدية ما عادت تعجب المواطنين، وهم متشككون في الاتحاد الأوروبي، بعجزه عن حل كثير من مشاكل اجتماعية وسياسية في الدمج والمواطنة.

بين كل ذلك يطل علينا البعض، بلسان عربي، مدافعاً بشراسة عن أقصى اليمين. المبرر عند هؤلاء "الوطنية". ولا أحد ينفي حرية هؤلاء في التفكير والانتماء. ما يصنع الدهشة هو الإصرار على قياس الوطنية "الصافية" بالتطرف اليميني كاحتكار. ففي أوروبا أحزاب وحركات، من اليسار إلى يمين الوسط، تعتبر نفسها وطنية أيضاً. ولهؤلاء ملاحظات على سياسة بلدانهم وتعريف المواطنة. أن يحصر بعضٌ "عربيٌّ" الولاءَ والوطنية في التطرف، فتلك مصيبة أخرى من مصائب المهجر، مثلما هي مصيبة العيش في أوروبا على مقاس المجتمعات الأصلية. فعلى الجانبين يستخدمهم الشعبويون لتوكيد صحة التوجه.

وفي المقابل، تأتي الأحداث الأمنية، ومنها إطلاق النار على شرطة فرنسية في الشانزيليزيه، لتصب الزيت على نار اليمين الفرنسي. وبما أن أغلبية العرب في أوروبا من المسلمين والمسلمات فلا يُتوقع بأن يحمل المستقبل لوحده انفراجة في أوضاعهم.

بكل الأحوال لا بد من الاعتراف بأن الوطنية في أوروبا، ومشاعر الانتماء والمواطنة، تنتشر بين الجيلين الثاني والثالث رغم كل التجاذب الديني والثقافي.

ولا مفر من مجابهة الواقع بسياسات هجرة مختلفة عما عاشته الأجيال السابقة في القارة. أمام العرب في أوروبا طيف، وهامش، واسعان من الحركات والأحزاب والقوى للتعبير الاجتماعي والثقافي والسياسي وحرية التحرك في مجال الهوية الأوسع من تلك التي يقدمها بعض "الوطنيين الجدد" في احتكارها في أقصى اليمين، أو العزلة التامة.

منذ عقود يفتح نقاش موسمي عن ضرورة تحول الجاليات العربية إلى الفعل بدل اللعب على الهامش، من منطلقات تحكم الخوف بالهوية أولاً، وباعتبار هذه الهجرة "مؤقتة" ثانياً. فلا الهوية مورست كما ينبغي، بدليل أن بعض الممارسات أدت إلى شبه عزلة عن المجتمعات، ووضع مجتمعات الهجرة تلك تحت مجهر التقاط الأخطاء المسكوت عنها. ولا الهجرة نفسها صارت مؤقتة بعد كل هذه العقود. والنقطة الأخيرة، عند المهتمين بالاجتماع، ولدت صراعاً هوياتياً بين الجيل الأول وما أعقبه.

كمدخل، يطرح بعض المختصين في علوم الاجتماع ضرورة التوجه نحو العمل تحت سقف الواقع وليس المتخيل. فالأحزاب السياسية تتجه نحو فئات كثيرة في مجتمعاتها لكسب الأصوات، لذا تجدها في برامجها تعد تلك الفئات بصون مصالحها.

ولا ضير لو أن الجيل الأول، الذي اعتبر الهجرة مؤقتة، ترك الجيل الثاني والثالث، وحتى الرابع، يخطوا طريقهم في مجتمعاتهم بدون أوهام الحلول بالتطرف وطنيًا... سواء يمينًا أو تقوقعًا بانتظار العودة إلى القرية والمدينة التي جاء منها الآباء والأجداد.
فالوطنية والمواطنة في أوروبا، كما أن لها حقوقاً فعليها واجبات. فما بالنا لو كانت فوق هذا وذاك تسير على خطوط رفيعة جداً في زمن الأزمات عن الثقافة والدين؟

المساهمون