رمضان العاملات وربات المنازل في فلسطين

رمضان العاملات وربات المنازل في فلسطين

11 يونيو 2017
لحظات راحة قليلة (مصطفى الخروف/ الأناضول)
+ الخط -
يضع شهر رمضان نساء فلسطين من ربات منازل وعاملات في ظروف استثنائية، إذ تتضاعف المسؤوليات عليهن خلال الشهر الفضيل، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية السيئة هذا العام وأبرزها إضراب الأسرى عن الطعام الذي انتهى لكنّه ترك آثاراً نفسية سيئة لدى الأهالي، عدا آثار غياب الأبناء الأسرى أو الشهداء عن الموائد الرمضانية.

المربية نيفين الحسيني أم لثلاثة أطفال، تعتبر شهر رمضان واحداً من أهم أشهر السنة للمرأة خصوصاً العاملة، فيه تبذل جهوداً مضاعفة، فهو شهر عبادة لكنّ عملها فيه بحد ذاته عبادة. فمن تحضير السحور، ومهمة إيقاظ الأبناء إليه، ثم التجهيز للخروج إلى المدارس، وعناء العمل والصيام والحر أو البرد وعودتها إلى البيت ثانية، كلّ ذلك يتطلب منها بذل أقصى الجهد، لتبدأ ثانية مرحلة تجهيز الطعام، ثم ترتيب وتنظيف البيت الذي لم يتسن لها العمل عليه في ساعات الصباح لوجودها في عملها خارج البيت. يضاف إلى كلّ ذلك تدريس الأبناء. وبدلاً من أخذ قسط من الراحة، تنتقل إلى مهمة أخرى، وهي تجهيز المأكولات والحلويات والأصناف المختلفة بحسب رغبة أفراد العائلة: "لكلّ منهم طبقه المفضل".

بالرغم من ذلك، تعتبر الحسيني، في حديثها إلى "العربي الجديد"، أنّ رمضان يصبغ حياة الأسرة بأجواء رائعة، فجميع أفرادها يلتقون على مائدة واحدة، بعد يوم طويل، إلّا أنّ "الأم والزوجة لا يمكنهما الاستمتاع بهذه الأجواء، إذ عليهما التنظيف والترتيب بعد الإفطار وإعداد القهوة على وجه السرعة، كي لا يغضب سي السيد وأولاده، فهو صائم وخرج إلى عمله وعاد إلى النوم ليستيقظ ساعة الإفطار، وبالتالي هو متعب وفي حاجة إلى فنجان قهوة ليعدل مزاجه بعد الإفطار. مع ذلك، فمهمتها لا تنتهي عند هذا الحدّ، إذ عليها أن تقدم للصائمين من أفراد العائلة الحلويات والمثلجات والمكسرات، وما إن تأخذ قسطاً من الراحة في ذلك اليوم الطويل، حتى تستيقظ بعد بضع ساعات على صوت المنبه وقت السحور، وهكذا تسير أيام رمضان حتى نهايته".

من جهتها، لا تخفي ربة المنزل المسيحية نوال خاروفة سعادتها بشهر رمضان، وتؤكد لـ"العربي الجديد" على وحدة الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه، فهم أبناء شعب ووطن واحد أفراحهم واحدة وأتراحهم واحدة. مع ذلك، هي تعتقد أنّ شهر رمضان هذا العام يأتي في وقت عصيب يفقده كثيراً من البهجة والروحانية بسبب الأوضاع السياسية السائدة ومعاناة الأسرى داخل سجون الاحتلال. تدعو المواطنين جميعاً إلى مراعاة حال غيرهم من الأسر التي تفتقد أبناءها سواء كانوا شهداء أو أسرى، وعدم المبالغة في ولائم رمضان، كتعبير عن إحساسهم بمعاناة غيرهم.



بدورها، تقول الإعلامية آلاء كراجة، وهي مقدمة برامج تلفزيونية، لـ"العربي الجديد": "رمضان مرتبط بشكل أساسي بالضغوطات المادية والالتزامات الاجتماعية التي لا مفر منها، إلى جانب الالتزام العائلي بمستلزمات الأسرة التي تتضاعف مع الأعباء المنزلية والاهتمام بالأطفال بالنسبة للأم العاملة". أما عملية التسوق فمنهكة، خصوصاً بوجود أطباق يومية ورئيسية تزداد مع كلّ دعوة، لكن، مع كلّ ذلك فاجتماع الأسرة والأصدقاء فيه حالة من الدفء والمحبة والأجواء الرمضانية المميزة".

كذلك، تقول الناشطة المقدسية إلهام نعمان، لـ"العربي الجديد": "يعني لي شهر رمضان كأم موظفة مسؤولية مضاعفة، وإثباتاً لذاتي وتحملاً للمسؤولية أكثر. لكن، في هذا الشهر إصرار وطاقة إيجابية أكبر، لأنّ شعار رمضان الصبر، وهو شهر الخير والثبات والصبر والتراحم وتعزيز صلة الرحم".

لكن، ماذا يعني شهر رمضان لأمهات الأسرى خصوصاً الأطفال؟ "العربي الجديد" تحدثت إلى السيدة فريحان دراغمة والدة الأسير شادي فرحات من بلدة كفر عقب، شمال القدس. تقول إنّ رمضان الماضي ورمضان الحالي لم يكونا كما في باقي السنوات، فقد سرق الاحتلال فرحتهما: "ليس من السهل على أم أن تعد مائدة الإفطار بما لذّ وطاب وهناك طفل محروم من كلّ هذا". تتابع: "أعد الإفطار وأنا أفكر بشادي وما يحب من طعام وما لا يحب. وفي أحيان كثيرة أتجنب إعداد أصناف من الطعام كان يفضلها. حتى العصائر التي اعتاد شادي جلبها، مثل عصير اللوز والتمر هندي والخروب، يصعب عليّ أن أراها على المائدة". تضيف: "بصراحة، كان الله في عون كلّ أم تعد مائدة الإفطار ولها أسير أو شهيد، لأنّ الألم يتضاعف مع كلّ حبة عرق من جبينها، وهي تعدّ تلك المائدة التي لن يكون عليها ذلك الغائب المغيّب".

بدورها، تقول فاطمة بربر زوجة الأسير المقدسي مجد بربر: "يمرّ رمضان للسنة السادسة عشرة وزوجي الذي يحبّه قلبي في الأسر. أشعر على مدار الأيام بالحزن لعدم وجوده معي، ومع ابنتنا التي كانت في يومها الخامس عشر يوم اعتقاله، ومع ابننا الذي كان لا يتجاوز عاماً ونصف العام وها هو اليوم يتقدم في رمضان بالذات لامتحانات الثانوية العامة ووالده بعيد عنه لا يشارك بفرحه بالنجاح الذي أثق من تحققه". تضيف لـ"العربي الجديد": "كلّما يحلّ رمضان، أحلم أن يلتم شملنا على طاولة الإفطار، وفي الوقت نفسه، عليّ ألّا أظهر حزني الشديد أمام ولديّ لأنهما يعتبرانني الأم القوية الصامدة التي لا يهزها الحزن. ولأنني امرأة عاملة هناك تعب جسدي، إذ أعمل في شهر رمضان في غياب معيلنا. مع ذلك، أحبّ هذا الشهر بطقوسه واجتماع عائلتي معي".