باكستان تعالج مرضى السرطان الأفغان

باكستان تعالج مرضى السرطان الأفغان

25 أكتوبر 2015
تتلقى علاجاً لم تؤمنه لها المستشفيات الأفغانية (فرانس برس)
+ الخط -

يقف محمد وسيم أمام عيادة الطبيب في مستشفى شوكت خانم المتخصص في الأمراض السرطانية في مدينة لاهور الباكستانية، وينتظر دوره. يقف والسعادة تغمره، إذ قرّر الأطباء إنهاء فترة علاجه، وهو ما يمكّنه بعد الفحص الأخير من العودة إلى منزله في إقليم بغلان في شمال أفغانستان. لا يعرف الطفل البريء، البالغ من العمر سبعة أعوام، كثيراً حول المرض الذي يعانيه، ما يهمه هو العودة إلى حضن والدته التي تنتظر منذ أشهر فلذة كبدها المصاب بأحد أخطر أنواع السرطان.

ابتعد الطفل لبضع دقائق، وإذ بدموع الوالد زكريا تنهمر وهو يخبر أن ابنه مصاب بسرطان الدم. يضيف لـ"العربي الجديد": "ابني تلقى العلاج مجاناً لأكثر من عام في هذا المستشفى. الأطباء يقومون بتغيير دمه كل شهر، وهو لا يعرف عن المرض شيئاً ولا يهتم به، لكنه لا يطيق البعد عن والدته".

محمد علي، البالغ من العمر ثلاثة أعوام، هو أيضاً لا يعرف سوى حضن أمه، التي أرهقها مرض ابنها من جهة، والعوز من جهة أخرى. تقول الوالدة وهي تحمله في حضنها، "أصيب ولدي بحمى شديدة، وكالعادة بحثنا عن أطباء في أفغانستان من دون فائدة. وأخيراً، قصدنا مدينة بيشاور الباكستانية، ليكتشف الأطباء أنه مصاب بسرطان في الكلية". واليوم، يتلقى الصغير العلاج منذ ثلاثة أشهر في مستشفى شوكت خانم نفسه، ويقول الأطباء إن مرضه قابل للعلاج، لكنه قد يتطلب أشهراً عدّة.

من جهته، يعبّر الوالد محمد نادر عن قلق كبير، ليس لأن علاج ابنه يحتاج إلى تكلفة مالية - المستشفى يتكفل بالعلاج - إنما لأنه يشتغل لكسب رزق أولاده، وهو اليوم مضطر إلى البقاء مع صغيره في باكستان وترك الأسرة الفقيرة بمفردها في أفغانستان. يقول: "لا أدري ماذا أفعل. لو ذهبت إلى أفغانستان لأدبر قوت أسرتي، سوف تبقى هنا زوجتي وحيدة مع ابننا الصغير. ولو بقيت هنا، لن يتمكّن أحد من تدبير شؤون أسرتي وتأمين ما تحتاج إليه. إذا لم أعمل ليوم واحد، فإن أولادي لن يحصلوا على طعامهم". ويشير الوالد إلى أنه في المستشفى مع ابنه منذ ثلاثة أشهر، لذا اضطرت أسرته إلى بيع أثاث من المنزل لتتمكّن من العيش. ويتمنى نادر لو كان في بلاده مستشفى لأمراض السرطان، لكان بوسعه أن يرعى ابنه المريض ويعمل على سد احتياجات أسرته.

تختلف قصة مروت خان من إقليم أورزجان الأفغاني، الذي اصطحب زوجته المصابة بسرطان الثدي إلى المستشفى نفسه، عن قصة محمد نادر. هو لا يعاني من الفقر وضيق العيش، إنما يشكو من أمور أخرى. يقول: "خضعت زوجتي لعملية جراحية استؤصل فيها الورم السرطاني، وهي تحصل على العلاج مجاناً. لكن مشكلتي هي في أنني لا أتقن اللغة وبصعوبة بالغة أتواصل مع الأطباء والموظفين في المستشفى. وهذه هي حال زوجتي وابنتي التي تهتم بخدمة أمها". كذلك، يشكو الرجل من سوء تعامل رجال الأمن والشرطة، إذ إنه كلما خرج من المستشفى لإحضار بعض الأدوية أو ما تحتاج إليه مريضته، يلقي رجال الأمن والشرطة القبض عليه ويأخذونه إلى مركز الشرطة ليطلبوا منه المال. يُضاف ذلك إلى ما عاناه على طول الطرقات بين باكستان وأفغانستان، من مضايقات قبل الوصول إلى المستشفى.

اقرأ أيضاً نويد أحمد شودري: الحكومة لم تفعل شيئاً لأطفال القمامة

في السياق نفسه، يقول رئيس مستشفى شوكت خانم الدكتور فيصل لـ"العربي الجديد" إن "المستشفى عالج خلال الأشهر الماضية نحو 1600 مريض أفغاني يعانون من السرطان، وهو يعالج شهرياً ما بين 50 إلى 60 مريضاً مجاناً، في حين يحصل عشرات آخرين على علاجهم في مقابل رسوم". ويشدد على أن المستشفى "يهتم بجميع مرضاه، لا سيّما المرضى الأفغان الذين يقطعون مسافات طويلة لتلقي العلاج".

وعن معاناة الطريق، تفيد السفارة الأفغانية لدى إسلام آباد بأنها تعمل باستمرار مع المسؤولين الباكستانيين لإزالة جميع العقبات التي يواجهها المواطن الأفغاني عند زيارته باكستان. وتطلب من الزائرين الأفغان التواصل معها على أرقامها الخاصة عند مواجهة أي نوع من المشاكل.

تجدر الإشارة إلى أن مرضى السرطان ليسوا وحدهم الذين يلجأون إلى باكستان لتلقي العلاج، بل نجد عدداً كبيراً من الأفغان المصابين بأنواع مختلفة من الأمراض. وأعداد هؤلاء التي يستقبلها مستشفى "الرحمان" الواقع في منطقة حيات أباد في مدينة بيشاور وحدها، تظهر مدى احتياج هؤلاء إلى المستشفيات. وتفيد إدارة المستشفى بأنها تستقبل كل شهر نحو ستة آلاف مريض من أفغانستان، يتلقى أكثرهم العلاج في المستشفى نفسه، بينما يوجّه بعضهم إلى المستشفيات الأخرى كمرضى السرطان والمصابين بأمراض الكلى. وتعليقاً على هذه الظاهرة، يقول رئيس مستشفى "الرحمان" الدكتور طارق إن نحو ألفَي مريض أفغاني يقصدون المستشفى نتيجة إصابتهم بأمراض متنوعة.

وكان وزير الصحة الأفغاني، الدكتور فيروز الدين فيروز، قد أكد أن الوزارة تعمل على إنشاء مستشفيات في بعض المدن الرئيسية، توفّر فيها للمواطنين ما يغنيهم عن السفر إلى باكستان أو أي دولة أخرى لتلقي العلاج. لكن يبدو أن الخطوة ليست قريبة الأمد، لا سيّما أن المجال الصحي هو واحد من المجالات التي همّشت خلال العقد الماضي، على الرغم من الشعارات التي رفعها المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية والقائلة ببذل كثير من الجهد والمال لتطوير هذا القطاع.

اقرأ أيضاً: لحوم الحمير في أسواق باكستان 

المساهمون