قرقيعان الكويت... من البساطة إلى البذخ

قرقيعان الكويت... من البساطة إلى البذخ

10 يونيو 2018
كان بعض المكسرات كافياً في ما مضى(ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
ما زال احتفال الأطفال بالقرقيعان في الكويت حياً، لكن مع اختلاف كبير في الشكل، وصل إلى تنظيم حفلات بآلاف الدولارات تحصر النشاط في الأماكن المغلقة والبيوت بعيداً عن روحه الأصلية

القرقيعان أحد أهم الاحتفالات التراثية التي ما زالت مستمرة في المجتمع الكويتي وبعض المدن الساحلية في شرق الجزيرة العربية، مثل الأحساء والدوحة ومسقط والمنامة ودبي، بالإضافة إلى جنوب العراق وأنحاء من الأحواز في إيران.

وفي الكويت، كان القرقيعان احتفالاً شعبياً بسيطاً توزع فيه المكسرات، بالإضافة إلى عملة معدنية رخيصة على الأطفال الذين يدورون وحدهم من دون مرافقين في مجموعات صغيرة ومتعددة في أزقة الكويت القديمة، وحول بيوت الطين التي تهدمت بعد اكتشاف النفط في البلاد.

لكنّ هذه العادة تحولت مع الطفرة المالية في البلاد، وازدياد مظاهر البذخ، إلى كرنفال احتفالي ضخم، تقيمه العائلات الميسورة والعائلات المتوسطة الدخل التي تحاول مجاراة العائلات الميسورة، لأطفالها داخل منازلهم في الغالب، بينما يختار البعض تنظيمه في فنادق أو منتجعات (شاليهات) تحجز خصيصاً لهذه الاحتفالية في منتصف شهر رمضان.




أدت زيادة الطلب الشديد في السنوات الأخيرة على القرقيعان، إلى قيام تجارة ضخمة على أساس هذا التراث الذي كان من المفترض أن يكون بسيطاً، إذ تقول منيرة المخيال، وهي مالكة متجر مختص بتقديم الهدايا لـ"العربي الجديد": "موسم القرقيعان أحد أكثر المواسم عملًا لنا في المتجر، إذ نغلق باب الحجز قبل شهر رمضان بأسابيع بسبب شدة الطلب، ونعد القرقيعان وفقاً للحجوزات وأعمار الأطفال التي تبدأ من 3 شهور وحتى 13 عاماً".

لا يقتصر عمل متاجر الهدايا التي تتولى أمر القرقيعان على تنسيق الأكياس وإضافة الحلويات والمكسرات بحسب المخيال التي بدأت نشاطها منذ 7 أعوام، بل تمتد إلى تقديم خدمات ركن السيارات يوم الاحتفالية (الفاليه) وجلب المهرجين ولاعبي خفة اليد والـ"دي جي" وإقامة حفلة تنكرية، بالإضافة إلى وجبة عشاء مفتوحة للضيوف، وخدمة عصائر وقهوة وشاي مما يقدم عادة في حفلات الأعراس. عن سقف الأسعار، تقول المخيال: "تختلف بحسب اسم المتجر وجودته ومدى جودة المكسرات والحلويات المعروضة فيه، لكنّ الأسعار تبدأ في متجرنا بالنسبة للطفل الواحد من 250 ديناراً كويتياً (ما يعادل 820 دولاراً أميركياً) وتصل إلى 1750 ديناراً (ما يعادل 5700 دولار) إذا تم إرفاقه ببقية الخدمات. تتابع أنّ السوق متطلب وفعّال وأغلب المتاجر تغلق باب الحجوزات مبكراً، وبعض الأمهات يقسطن المبلغ لنا على ثلاث دفعات، وذلك لارتفاعه بالنسبة إليهن.

يرجع الباحث في التراث الكويتي عبد العزيز العويد إلى الوراء قليلاً متحدثاً عن القرقيعان، إلى "العربي الجديد": "كان القرقيعان في السابق فعالية يجتمع فيها الأطفال من فقراء الحي وأغنيائه، ويطوفون على البيوت لتحصيل بعض المكسرات البسيطة والحلويات التي كانت قليلة الحجم، ولم يكن المهم هو الاستعراض بل الفرح والسرور ومشاركة الأطفال في محيطهم، إلى حدّ أنّ البعض كان يصف المكسرات النيئة والحلويات القديمة بأنّها شبيهة بالتي توجد في القرقيعان". يسرد العويد تجربته: "في طفولتي، أي بعد اكتشاف النفط وبعد قيام الدولة الحديثة، كان الأمر شبيهاً بما كنا نقرأه في كتب التاريخ عن الكويت وبقية الخليج؛ أطفال صغار يدورون في شوارع الحي، ويجمعون الحلويات البسيطة التي تحتوي في داخلها على عملات معدنية (خردة) تتراوح بين الـ10 فلوس و5 فلوس وهي قيمة معنوية للصغار ولا تساوي شيئاً، ويفرحون ويمرحون، ويستخدمون العلب الفارغة كطبلة لتنبيه أهل البيوت". يرى العويد أن الأمور انقلبت انقلاباً كبيراً اليوم، إذ باتت العائلات تفكر مراراً وتكراراً قبل موسم القرقيعان للحصول على سلفة أو الادخار من أجله، وتحولت الـ10 فلوس في كلّ كيس للأطفال إلى 10 دنانير (ما يعادل 30 دولاراً).

وبينما تختار عائلات كثيرة إبقاء الأبناء في منازلهم وإجراء الاحتفالية هناك، يخرج بعض الأطفال إلى الشوارع محتفلين بالقرقيعان، لكن تحت إشراف العاملات المنزليات خوفاً عليهم، خصوصاً مع زيادة حوادث الدهس بالخطأ خلال أيام القرقيعان.

عاش عبد المطلب غلوم، وهو مدير مدرسة متقاعد، طفولته في حي شرق القديم داخل مدينة الكويت، في بدايات اكتشاف النفط. يسرد تجربته لـ"العربي الجديد": "الأمور كانت بسيطة، فخلال ثلاثة أيام هي 13 و14 و15 رمضان، يتجول الأطفال في الشوارع وبين الأزقة ويضربون الأبواب للحصول على الحلويات التي كانت رخيصة وعادية ذلك الوقت، ويعودون إلى البيت مساء من دون تعقيدات". يضيف: "راقبت تطورات القرقيعان مع أبنائي وأحفادي، ورأيت كيف تتحول الأمور تدريجياً إلى صرف مبالغ أكبر، لكنّي لا أنتقد هذا، فلكلّ جيل احتياجاته وقدراته المالية وثقافته. بالنسبة لي، فقد القرقيعان روحه مع كلّ هذه الأمور الجديدة، لكنّ الأمر مختلف بالنسبة للأطفال، وربما بعد 60 سنة سيقولون لأبنائهم إنّه كان أجمل في طفولتهم".



من جهته، يقول الأستاذ في قسم علم النفس في جامعة الكويت، الدكتور عثمان الخضر لـ"العربي الجديد": "ما يحدث داخل المجتمع مروع وذو دلالات خطيرة، إذ هناك نقصا في الثقة لدى العائلات التي تكلف نفسها مادياً وفوق احتياجاتها لإقامة حفلات القرقيعان للأطفال، وذلك رغبة في الظهور بمظهر أفضل أمام الدائرة الاجتماعية المحيطة بهم". يضيف: "مواقع التواصل الاجتماعي والرغبة في استعراض الملكية والأشياء الثمينة فجّرت ظاهرة التسارع المحموم نحو الاستهلاك، وهو ما انعكس على القرقيعان أيضاً".