فستان العيد

فستان العيد

17 يوليو 2015
فرحة العيد ليست للجميع (الأناضول)
+ الخط -
فتحت ابنة التاسعة خزانة ملابسها الصغيرة القابعة في أحد أركان غرفتها، تطلعت بشغف طفولي إلى الفساتين المزركشة المعلقة بالخزانة، هي تبحث عن أجملها لترتديه في عيد الفطر.

شغف الطفلة ليس مكتملاً، هي اعتادت كل عام أن تخرج بصحبة والديها لتشتري فستاناً جديداً للعيد، لكنها هذه المرة تكتفي بارتداء أحد فساتينها القديمة، انصياعاً لما أخبرتها به جدتها عندما سألتها عن فستان العيد.

لم تجادل الطفلة الجدة. هي تدرك، رغم صغر سنها، أن الظروف غير مهيّأة لشراء فستان جديد.

في جولتها داخل خزانة الملابس بين الفساتين الملونة، بدأت الطفلة تسترجع ذكريات جميلة عاشتها مع كل فستان. أيام وليال من التدليل والضحك واللعب عاشتها عائلتها الصغيرة، نزهات وجولات وزيارات كانت تقوم بها بصحبة الأب والأم.

أمسكت بأحد الفساتين المعلقة. لهذا الفستان الكثير من الذكريات لديها. هو آخر فستان اشتراه لها والدها. كان باهظ الثمن، ووالدها بسيط الحال، لكنه لم يحتمل تجاهل نظرة الانبهار التي لمعت بها عيناها فور رؤية الفستان. اشتراه دون تردد، لتنهال الإبنة عليه بالقبلات والأحضان.

قرّرت أن ترتدي هذا الفستان في العيد. هو الأحدث في خزانتها، والأغلى ثمناً أيضاً. أخرجته وقرّرت أن تجرّبه. حاولت قدر استطاعتها أن تجعله مناسباً، لكن كان واضحاً أن الفستان لن يصلح. ربما يناسب من هي أصغر منها بعام أو عامين، في الواقع هي اشترته قبل أكثر من عام بالفعل.

جرّبت فستاناً آخر تحبه. كان أكثر ضيقاً وقصراً من سابقه. باءت المحاولتان بفشل ذريع. تيقنت الصغيرة أن أيّاً من فساتين خزانتها لن يصلح للعيد. كلها باتت ضيّقة أو قصيرة، أو كليهما.

هي لم تشتر ملابس جديدة منذ أكثر من عام. ظروف الأسرة لا تسمح، الظروف المادية والمعنوية على حد سواء.

جلست طفلة التاسعة حزينة تفكر في ما يمكن أن تفعله. كانت قد تجاوزت فكرة الملابس الجديدة مسبقاً، واكتفت بأن يمر عليها العيد بملابس لائقة، لكن خزانتها البسيطة خذلتها.
كادت تخرج لتبكي على صدر الجدة، لكنها تراجعت وتماسكت لوهلة قبل أن تتساقط دموعها على سريرها الصغير.

خارج غرفة الطفلة كانت الجدة تفكر في كثير من أمور العيد، أبرزها اصطحاب حفيدتها لزيارة أمها المعتقلة، ثم اصطحابها لزيارة قبر أبيها الشهيد، وتدبير المال للقيام بهذا.

آخر ما يمكن أن يشغل بال الجدة أن تشتري للطفلة فستاناً جديداً، على عكس الطفلة التي تحلم فقط بالفستان.

القصة السابقة ليست ضرباً من الخيال، وإنما واقع كثير من أطفال مصر الآن. جرّب كمثال البحث عن اسم المعتقلة رشا منير.

إقرأ أيضاً:مجتمع مُهَان ومُدَان

المساهمون