التغريبة العربية

التغريبة العربية

27 ابريل 2016
نحو 60 مليون لاجئ حول العالم اليوم (فرانس برس)
+ الخط -

على وقع غبار أقدام النازحين واللاجئين العرب، وعلى لهاث مغامراتهم بين أمواج البحار، وهم محشورون كأسماك ميتة منزوعة الرؤوس داخل علب سردين في قوارب متهالكة، غار الحديث عن "المارد العربي" الذي طالما نظمت له القصائد. ملايين من اللاجئين، وأضعاف أضعافهم من النازحين في بلادهم، يحملون ما يستطيعون حمله من حاجات بسيطة، ومن أمهات وآباء مرضى ومقعدين، يزحفون في قوافل أسطورية لا تنقطع نحو هذا المكان أو ذاك ودوماً نحو المجهول، ينشدون الأمن والرغيف وقبلهما الكرامة المستباحة في الخارج، أو بين ظهراني بلادهم التي طالما أحبوها وبذلوا في سبيلها العرق والدم.

لجوء سيغير وجه المنطقة وجوارها بالتأكيد، وكذلك العالم البعيد، ونحن نقصد هنا أوروبا التي استقبلت الأعداد الكبرى في موجات متلاحقة، والتي تجهد الآن عبر مؤتمرات لا تنقطع في البحث عن إيجاد المخارج لمضاعفاتها المهولة. بالطبع ليس المقصود هنا فقط حماية نفسها ومدنها وعواصمها من شرور الإرهاب الأعمى الذي يضرب دون هوادة، بل مجتمعاتها ومنظوماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. قيل إن الموجة الراهنة التي تنطلق من سورية والعراق وليبيا والصومال وغيرها هي الأكبر منذ أهوال الحرب الثانية، وهي كذلك، لكنها الأخطر بالتأكيد لجهة الأثر السياسي على الدول التي انطلقت منها وعلى محيطها القريب والبعيد.

تقدر الأمم المتحدة عدد اللاجئين في العالم الآن بحوالي 60 مليون نسمة، وهو رقم كبير بالمقارنة مع عدد سكان الكرة الأرضية بأسرها. لكن الهجرة أو اللجوء كان شبه حصري في أفريقيا طوال عقود سابقة. أمواج بشرية تترك مواطنها الجافة الفقيرة إلى حيث مقومات العيش وتقصد الشمال، فتعبر بهذه الطريقة أو تلك نحو "الجنات الموعودة". أضيفت أفغانستان التي تلاحقت حروبها عقداً بعد عقد وشغلت المركز الأول في تصدير شعبها، ليس فقط بفعل وطأة الصراعات، بل بفعل التخلف الذي تولّت صناعته دون انقطاع قوى سياسية محلية وخارجية. الآن أخلت هذه الدولة الآسيوية موقعها لتشغله سورية، التي يتحدث المؤرخون في القرن التاسع عشر عن إنتاجها لمائة نوع من حبوب القمح، وقطعان مواشيها التي تقدر بملايين لا تحصى وغيرها وغيرها.

لكن اللجوء العربي ليس جديداً. لم يُقرع جرس هذه الكارثة مع اندلاع الحرب الاهلية في سورية عندما وجد نظام الرئيس بشار الاسد أن أفضل طريقة للرد على الحراك الجماهيري هو في مركب من العنف النظامي وغير النظامي، فانفتحت أبواب الجحيم التي يتم تزويدها دوماً بحطب البراميل والقذائف والأسلحة الكيماوية حتى. قبل سورية كان هناك العراق وقبله كان لبنان وقبل لبنان كانت هناك فلسطين مع قيام المشروع الاستيطاني الإسرائيلي ... وكان ما كان مما لست تذكره.

*أستاذ جامعي

المساهمون