الجزائر تقرّ قانوناً يمهد لنهاية "العلاج المجاني"

الجزائر تقرّ قانوناً يمهد لنهاية "العلاج المجاني"

01 مايو 2018
مخاوف من ارتفاع تكلفة العلاج (العربي الجديد)
+ الخط -
نجحت الحكومة الجزائرية في تمرير قانون الصحة الجديد المثير للجدل، إذ صادق البرلمان عليه بأغلبية ساحقة، في خطوة ستقلّص الإنفاق على دعم علاج المواطنين بهدف تخفيف حدة أزمة تراجع الإيرادات المالية بسبب انخفاض أسعار النفط.
وأكدت أطراف تحت قبة البرلمان أن الرئاسة أعطت الضوء الأخضر لنواب الموالاة (المؤيدين للنظام) بتمرير التشريع الجديد "مهما كانت الظروف"، لإنهاء مسلسل التأجيلات الذي امتد طوال عهد 10 وزراء تعاقبوا على شؤون الصحة والمستشفيات.
وعلى الرغم من تأكيد وزير الصحة الجزائري مختار حسبلاوي، خلال عرضه القانون الجديد المنظم لقطاع الصحة على النواب، تمسك الدولة الجزائرية بضمان العلاج المجاني للجزائريين كونه "حقاً دستورياً"، إلا أن المخاوف من تقليص دعم العلاج وإنهائه دفعت إلى رفض مشروع قانون الصحة من طرف العديد من الأحزاب.
ومن بين الأحزاب الرافضة للقانون الجديد: العمال (التيار اليساري) وحركة مجتمع السلم والاتحاد من أجل النهضة العدالة والبناء (التيار الإسلامي) والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (التيار الديمقراطي). في حين رفض نواب أقدم حزب معارض في الجزائر وهو جبهة القوى الاشتراكية (التيار اليساري) دخول البرلمان، وفضلوا مقاطعة جلسة التصويت.
وتعاني الجزائر خاصة في السنوات الأخيرة، من توترات اجتماعية بين نقابات الأطباء والممرضين والصيادلة، إضافة إلى تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وندرة أكثر من 150 دواءً، ممّا رفع معدلات الاستيراد وزاد من مستويات الأسعار.
وتفاقمت الأعباء المعيشية للمواطنين في ظل ارتفاع الأسعار المتواصل إذ أظهرت إحصاءات حكومية، أن التضخم السنوي في الجزائر بلغ 4.6% في مارس/ آذار الماضي.
ومن جانبه، لفت صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة التضخم المتوقعة مع نهاية السنة الجارية مرتفعة، وقد تصل إلى 7.2%، ويتوقع أن تصل إلى 8.1% في 2019 و9% سنة 2020.




وكان مشروع قانون الصحة الجديد الذي عرضته الحكومة الجزائرية على البرلمان الأسبوع الماضي، قد أثار سجالاً وجدالاً كبيرين بين نواب المعارضة والموالاة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل "مجانية العلاج " ودعم قطاع الصحة.
وإلى ذلك قال النائب عن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء لخضر بن خلاف إن "قانون الصحة الجديد نزل مشوّهاً من الحكومة وزاد تشويهه من خلال التعديلات المدرجة عليه".
وأضاف بن خلاف لـ "العربي الجديد" عقب تصويت البرلمان: "القانون تغير أكثر من نصفه، وهناك بعض الأطراف تسعى لمزيد من تدهور الوضع من خلال برمجة القانون في هذا الوقت الذي تعيش فيه البلاد ظروفاً سياسية واقتصادية صعبة، وهي محاولة وضع الجميع أمام الأمر الواقع بسن القانون الذي لا يخدم الصحة إطلاقاً بل يخدم البارونات".
على نفس الطريق سار النائب عن جبهة القوى الاشتراكية جمال بهلول الذي قال إن "قانون الصحة الجديد يتناقض مع الطابع الاجتماعي للدولة، حيث يطالب في مادته 343 المواطن وصندوق الضمان الاجتماعي بالتكفل بمصاريف العلاج ما يعني تخلي الدولة عن مجانية العلاج بشكل تدريجي".
وفي نفس السياق، طالب نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" الحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة "بسحب القانون كلياً، والشروع في جلسات حوار وطنية من أجل صياغة قانون حقيقي عبر التوافق الوطني".
وصرفت الجزائر خلال الـ15 سنة الأخيرة، بحسب أرقام رسمية، أكثر من 73 مليار دولار لإصلاح قطاع الصحة إلا أن القطاع ما زال يعاني من مشاكل عديدة أدت إلى سوء الخدمات المقدمة للمواطنين.
وتسعى الحكومة إلى الحد من الإنفاق العام لتخفيف حدة أزمتها المالية ووقف نزيف الاحتياطي النقدي، إذ كشفت آخر الأرقام الرسمية عن تبخر جزء كبير من احتياطي النقد الأجنبي للجزائر بفعل أزمة تراجع الإيرادات في ظل انخفاض أسعار النفط.
وبحسب إحصاءات البنك المركزي، فقدت البلاد نحو نصف احتياطاتها خلال السنوات الخمس الماضية إذ بلغ نحو 194.01 مليار دولار عام 2013 لينخفض إلى نحو 97.3 مليار دولار نهاية العام الماضي.
وتوقع وزير المالية عبد الرحمن راوية، في تصريحات سابقة، تواصل تآكل احتياطات النقد الأجنبي لتصل إلى 85.2 مليار دولار في نهاية 2018، ثم 79.7 مليار دولار بنهاية 2019، على أن تبلغ 76.2 مليار دولار خلال عام 2020.



وتعد هذه المرة الأولى التي تعدّل فيها الحكومة قانون الصحة منذ سنة 1985. ويحمل القانون الجديد نحو61 مادة جديدة من أصل 470 مادة في القانون القديم، أعادت رسم قطاع الصحة في الجزائر، خاصة فيما يتعلق بتمويل القطاع من الخزينة العمومية وعلاقة القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى فصله في ملفات أخرى ظلت محل صمت لسنوات.
وقد حاز القانون الجديد للصحة تأييد أحزاب الائتلاف الحكومي، وهي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، يضاف إليهم كتلة الأحرار، وهو ما منح أغلبية "مريحة" للحكومة الجزائرية التي نجحت في فرض "منطقها" رغم اتساع دائرة الرفض أمام القانون الجديد.
ويري رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية البرلمانية) سعيد لخضاري أن "المعارضة تريد تسييس القانون من خلال الترويج لأفكار خاطئة ".
وأضاف لخضاري لـ "العربي الجديد" أن "القانون يحمل بعض التصويب لمنظومة الصحة التي يستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء، فالنسخة الجديدة جاءت لتضع نظام معلومات يسمح بتوجيه مساعدة الدولة من خلال ضمان علاج مجاني للفئات الهشة في حين يتعين على الطبقات الغنية والمتوسطة دفع مقابل العلاج".