أنا زلاتان (30).. عندما حققت ما عجز عنه رونالدو

أنا زلاتان (30).. عندما حققت ما عجز عنه رونالدو

16 سبتمبر 2015
+ الخط -


يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

أحياناً تكون هناك ذكريات مسمومة في تاريخ النادي، كما حدث مع الإنتر طوال التسعينيات، الفريق على الرغم من أنه كان يملك رونالدو، إلا أنهُ لم ينجح في تحقيق اللقب ولو لمرة واحدة، كان يفشل دائماً في خط النهاية، مثال على ذلك: موسم 1997-1998، كنت في عمر الـ 16-17، ولم أكن أعرف عن النجوم السويديين من أمثال رافيلي أو غيره، كنت أعرف عن رونالدو فقط، كنت أتابع الإنتر من أجله، كنت أدرس تحركاته وانطلاقاته جيداً، ربما كان هناك الكثير ممن بإمكانهم أن يقوم ببعض حركاته، لكن كما قلت لكم مسبقاً لا يمكن لأي شخص أن ينفذها بمثالية مثلي.

عندما كنتُ في الإنتر، جاء رونالدو ولعب مع الميلان، هناك فيديو في اليوتيوب عن تلك اللقطة عندما كنت أمضغ العلكة وأنظر بتمعن له وكأني لم أصدق أنني وإياه على نفس الملعب، كان لهُ وزن كبير في الملعب، وعين مُتنبهه للمباراة، كان يظهر الجودة التي يملكها في كل تحركاته، في ذلك الموسم 97-98، كان هو والإنتر يقدمان موسماً لا يصدق، فازا بلقب كأس الاتحاد الأوروبي، رونالدو سجل 25 هدفاً وتم التصويت له ليفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم للمرة الثانية على التوالي، سيطرا على الدوري الإيطالي، لكنهما خسراه في فصل الربيع، تماماً مثل الخطر الذي أصبحنا نواجهه، إنتر كان يعاني حظاً سيئاً ومشاكل، لعب في الديلي البي مباراة كلاسيكية ضد اليوفنتوس في ربيع عام 1998، كان الفارق نقطة أو نقطتين، كانت المباراة أشبه بالنهائي والإثارة في أكبر صورها، رونالدو انطلق في الجهة اليسرى لمنطقة الجزاء وقام بالمراوغة، لكن تم إيقافه بطريقة بشعة، حينها صرخت الجماهير، الناس أصبحوا مثل المجانين، الملعب كان يغلي، لكن الحكم لم يصفر.

الحكم ترك المباراة تستمر ليفوز اليوفي بهدف من دون مقابل، ويفوز باللقب، كانت تلك اللقطة هي من قررت الأسكوديتو، كما يعتبرها الجميع بشكل دائم، إنتر أصبح في المركز الثاني، ما زال النقاش مستمرا عن تلك اللقطة، لقد كانت واضحة وضوح الشمس، لكن لم يحدث أي شيء، الغضب عم الجماهير التي خرجت في جميع أنحاء إيطاليا ووجهت التهم للحكام وقالت إنهم تلقوا الرشاوى، وبأنهم فاسدون وأغبياء، بشكل عام، جميع كبار السن في نادي الإنتر لديهم تلك الذكريات، خاصة أنها حدثت في أكثر من مرة، فقد تعرض رونالدو للإصابة مبكراً في الـ99، وعانى الفريق كثيراً بعد إصابته، وكأن المحرك قد احترق وتعطل، ولهذا أنهى الإنتر البطولة في المركز الثامن بدون رونالدو.

لم يكن أي شخص يتحدث عن هذه الأمور، لأنهُ لا أحد يريد جلب النحس للفريق، لكن كنت متأكداً من أن الجميع فكر بخسارة اللقب أمام بارما أيضاً، كانت هناك شكوك كبيرة، الناس كانوا يتذكرون ويتخوفون، كان هناك الكثير من هذه الأمور التي تدعو للقلق: الحظ السيئ، والإصابات وغيرها، كانت هناك كل أنواع الهراء، الجميع كان يستعد لمواجهة بارما، الجميع كان مستعداً لفعل أي شيء، وهذه كانت مشكلة أخرى، لأن الضغط كان يبدو بأنهُ تخطى الحدود على الفريق، كان من الممكن أن يقيدنا هذا الضغط، النادي أيضاً قام بمنعنا من التحدث للصحف، كنا نريد التركيز على تلك المباراة فقط، مانشيني الذي كان معتاداً على المؤتمرات الصحافية قبل المباريات، لم يتحدث قبل تلك المباراة، الوحيد الذي تحدث عن اللقاء كان موراتي، والذي ظهر في فندقنا في الليلة التي تسبق المباراة، وقال للصحافيين هُناك: "تمنوا لنا الحظ السعيد، نحن بحاجته"، ولا شيء غير ذلك.

الأمور كانت أصعب، خاصة أن فريق بارما كان يريد تحقيق الفوز من أجل أن يضمن بقاءه في الدرجة الأولى، المباراة كانت مسألة حياة أو موت حتى بالنسبة للخصم، لم نكن لنحصل على أي شيء بشكل مجاني، اقتربت المباراة، وقبل أن نتوجه للملعب، جاءت الأخبار بأننا لن نتمكن من الاستعانة بجماهيرنا التي مُنعت من دخول الملعب.

أتذكر أن مانشيني غضب عندما علم أن جانلوكا روكي هو من سيقود اللقاء "ذلك الشيطان دائما يسبب لنا المشاكل"، السماء كانت ملبدة بالغيوم، كان يبدو بأنه ستمطر، بدأت اللقاء من الدكة، لم ألعب منذ فترة طويلة، ومانشيني بدأ ببالوتيلي وكروز، لكن روبيرتو مانشيني قال لي: "كُن مستعداً للدخول"، وبالتأكيد تحمست لذلك، كنا حينها تحت ذلك السقف في مقاعد البدلاء نسمع صوت سقوط أول قطرات المطر، المباراة بدأت وجماهير بارما كانت تصفر ضدنا، الضغط كان رهيباً، والإنتر هيمن على اللقاء.

كروز وماريو كانت لديهما فرص سانحة للتسجيل لكن لم يستغلاها، كنا جالسين في مقاعد البدلاء نتابع اللقاء، كنا نتحمس مع كل لقطة في المباراة، نقفز ونشتم ونصرخ، لكن لم نكن نتابع الملعب فقط، كنا نتابع اللوحة الإلكترونية في الملعب التي كانت تُباشر نتيجة روما ضد كاتانيا أيضاً، وبما أن المباراة هناك ما زالت نتيجتها التعادل 0-0، فإن الأمور ما زالت تسير بهدوء، بهذه النتائج سنفوز بالأسكوديتو، لكن الفريق تنبه حينها: هل سوف ننتظر نتيجة روما؟ نتصدر طوال الموسم ومن ثم إذا سجلوا نخسر اللقب؟ ستكون ضربة عنيفة جداً لنا، وفعلاً، روما سجلوا الهدف الأول لهم ضد كاتانيا، وفجأة أصبحنا في المركز الثاني، أمعنت النظر إلى الملعب، إلى اللاعبين والجماهير وجميع الأدوات الموجودة، واستحضرت كل ذكريات التسعينيات مع الإنتر: هل ستحدث هذه الأمور مُجدداً؟ هل ستعود اللعنة على الفريق؟

لم أر أي شيء مثل تلك المناظر، كانت الأوجه شاحبة تماماً واختفت منها الألوان، نتحدث عن رُعب مُطلق هنا، هذا لا يمكن أن يكون حقيقياً، كان أمراً مخيفاً وكارثياً، والمطر استمر في الهطول، جماهير بارما كانت تصرخ وتفرح، لأن خسارة كاتانيا ضد روما أيضا كانت سوف تنقذهم، لكن بالنسبة لنا نتيجة المباراة الثانية كانت أشبه بالموت، لهذا زاد التوتر على جميع اللاعبين، رأيت ذلك على أوجه اللاعبين، كانت هناك أحمال ثقيلة على أكتافهم، وهذا أمر لم يحصل عليّ، بعد الشوط الأول وعندما كانت النتيجة 0-0، تلقيت أوامر بإجراء عمليات الأحماء، كنت أريد قلب هذه المعطيات بقدر الألم الذي كنت أعاني منه، وأتذكر ذلك جيداً: عندما نهضت للإحماء، الجميع كان ينظر إلي: مانشيني وميها والطاقم الفني والطبي وجميع من ينتمي للفريق، كانوا وكأنهم يعولون عليّ، كل ذلك ظهر من خلال نظراتهم، كانوا يحدقون بي، وكان من المستحيل ألا تشعر بالضغط الكبير في تلك اللحظات.

- "أرجوك، قم بإنهاء هذا الأمر".

- "سأفعل.. سأفعل".

الجميع كان يطلب مني ذلك، لكنني لم أدخل بين الشوطين، انتظرت ستة دقائق ومن ثم شاركت، العشب كان رطباً، وأنا لم أتدرب مع الفريق ولم يكن بإمكاني الركض بسرعة، بالإضافة إلى أن الضغوطات كان كبيرة بشكل لا يصدق، لكن على الرغم من كل هذا، لا أتذكر أنني تخوفت من أي شيء طوال حياتي، أتذكر أنني فوراً جربت تسديدة من منتصف الملعب، خرجت وكانت قريبة من المرمى، بعد دقائق بسيطة، حاولت مرة أخرى لكن أيضاً أخطأت المرمى، شعرت بأنني أكون دائما في نفس المكان وتتاح لي نفس الفرص لكنني لم أستطع استغلالها.

في الدقيقة الـ 62 حدث الأمر مرة أخرى، استلمت الكرة من خارج منطقة الجزاء، وتقدمت، ستانكوفيتش هو من مرر الكرة، أخذتها وقمت بتجاوز مدافع حاول رمي نفسه عليّ، تقدمت وفي كل مرة تضرب فيها الكرة العشب، كان الماء يرتفع بعض الشيء، وجدت الفرصة لكي أسدد، وسددت، لم تكن تسديدة قوية، أبداً، بل كان تسديدة أرضية ذهبت إلى القائم الأيسر ودخلت المرمى.

بدلاً من القيام بفرحة عنيفة، وقفت في مكاني، واللاعبون جميعهم ركضوا نحوي، أولاً فييرا ومن ثم بالوتيلي وجميع اللاعبين، الرعب اختفى، ستانكوفيتش قام برمي نفسه على العشب بعد ذلك الهدف، وكأنهُ كان يصلي طوال الوقت وأراد شكر الرب بعد ذلك، كانت بكل تأكيد فرحة هستيرية، وهُناك في أعلى المنصة ماسيمو موراتي كان يقوم بتحيتي بعد الهدف كان تقريباً يرقص في مكانه فرحاً وفخراً، ذلك الهدف أثر على الجميع، كل شخص كان ينتمي للنادي وكأن الحجر سقط من قلوبهم، الحياة عادت إلى تلك الأوجه، كان ذلك أكثر من مجرد هدف، وكأنني أنقذت النادي من الغرق، نظرت إلى الجماهير التي كانت تقف في الأعلى خلف الحواجز، وقمت بالإشارة لها: لا أسمعكم، ماذا تقولون؟ ازداد صراخهم وضجيجهم، وعندما هدأت الأمور أكملنا اللقاء، بكل تأكيد لم يحسم أي شيء بعد، فهدف وحيد من بارما سيعيدنا إلى المشكلة السابقة، لهذا عاد التوتر في أقدام اللاعبين، بالتأكيد لم يكن مثل التوتر الذي كان قبل هدفي، أبدا، لكن لم يتجرأ اي لاعب من فريقنا على التنفس بسهولة، أمور أسوأ من أن نعرفها قد تحدث.

في الدقيقة الـ 70 قام مايكون بالمرور من الجهة اليُمنى، تجاوز ثلاثة لاعبين ومن ثم قام بإرسال كرة عرضية، ركضت باتجاهها وقمت بضربها وهي في وضع نصف طائر، واتجهت للمرمى، وتخيلوا: طوال شهرين كنت بعيداً عن كرة القدم، والصحافيون كانوا يكتبون كل أنواع القذارات عني وعن الإنتر، قالوا إن الإنتر فقد نغمة الفوز، وإن كل شيء سوف يُفلت منا، وإنني لست بطلاً حقيقياً مثل ديل بييرو وتوتي، وإنني لا أظهر بشكل جيد عندما يتطلب الأمر، لكن الآن؟ أظهرت لهم من أنا، سجلت الهدف ومن ثم قمت بالسباحة على ركبي في العشب المبلل، وانتظرت الهجوم الثاني من زملائي، شعرت بذلك في داخلي: هذا شيء عظيم، بعد دقائق بسيطة، الحكم أعلن نهاية اللقاء، والأسكوديتو للإنتر!

إنتر لم يفز باللقب منذ 17 عاماً، مر بفترة كانت مليئة بالمشاكل والحظ الأسود والمعاناة، لكن منذ أن جئت، الفريق فاز بلقبين متتالين، الفوضى عمت كل مكان، الناس دخلوا إلى أرض الملعب واحتفلوا معنا، في غرف الملابس الكل كان يصرخ ويحتفل، لكن أيضا كان هناك أناس صامتون، مانشيني دخل إلى غرف الملابس، مانشيني لم يكن ذا شعبيه كبيرة لدى الفريق، خاصة بعد موقفه بعد الخروج من دوري الأبطال، لكن الآن هو حقق الأسكوديتو.

أتذكر أنه بعد المباراة، سألني الصحافيون: "لمن تُهدي هذا الفوز؟"، قلت "لكم! ولكل شخص شكك بقدراتي، وللإنتر"، هكذا أقوم بالأمور على طريقتي، دائماً أفكر في الانتقام، كان ذلك معي منذ أن كنت في روزينغارد، هذا ما يقودني فعلياً، لم أنس كلمات موراتي حينها عندما قال "إيطاليا كلها كانت ضدنا، لكن زلاتان إبراهيموفيتش كان هو رمز نضالنا"، حصلت على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإيطالي في ذلك الموسم، وبعدها بفترة قصيرة ظهرت أخبار عن أنني فعلاً صاحب الأجر الأعلى في العالم.

الآن يجب أن أقوم بضربتي، لكن فجأة ظهر بعض القلق: لاحظت بعد لقاء بارما أن ألم ركبتي عاد لي، لم أكن أبداً بكامل عافيتي، وأعتقد أن الجميع انصدم عندما علم أنني لن أشارك في نهائي كأس إيطاليا، كان الأمر مؤسفاً لأنهُ كان بإمكاننا أن نحقق الثنائية، لكن الإنتر من دوني خسر من فريق روما الذي انتقم من هزيمة الدوري، بطولة الأمم الأوروبية كانت على وشك أن تبدأ، ولم تكن لدي أي فكرة عن إمكانية مشاركتي في تلك البطولة الكبيرة أو الابتعاد بسبب الإصابة، لقد ضغطت على نفسي كثيراً في هذا الموسم، ويبدو بأنني سوف أدفع ثمن هذا التصرف.

اقرأ أيضاً
أنا زلاتان(1)... غوارديولا اشترى فيراري واستعملها كـ "فيات"!
أنا زلاتان(2)...عندما صرخت بوجه غوارديولا "أنت تخاف من مورينيو"!
أنا زلاتان (3).. سرقة الدراجات والطفولة القاسية
أنا زلاتان(4)..بدون الكرة لكنت مجرماً..وعندما قررت تقليد محمد علي
أنا زلاتان (5)...عندما صرخت "كلكم حمقى، وكرة القدم حماقة"
أنا زلاتان (6)... عندما تعلمت تقليد مهارات البرازيليين
أنا زلاتان (7).. رحلة الصعود للفريق الأول مع مالمو
أنا زلاتان (8).. ما الذي حدث في هذه الحياة؟
أنا زلاتان (9)... الدرجة الثانية ونقطة التحوّل
أنا زلاتان(10)...الهدف الذي أذهل أياكس لدفع 85 مليون كراون!
أنا زلاتان(11).. مواصلة التألق قبل الرحيل لأياكس
أنا زلاتان(12).. البداية مع السويد ومواصلة رحلة التمرد
أنا زلاتان (13).. نهاية رحلة مالمو ووداع بطريقة سيئة
أنا زلاتان(14)..المراوغة التي ذهبت بمدافع ليفربول لشراء الهوت دوغ!
أنا زلاتان (15)..عندما طردني كومان" اذهب إلى بيتك"!
أنا زلاتان (16).. عندما قذفني ميدو بالمقصات.. فصفعته!
أنا زلاتان (17).. مهمّة هيلينا المستحيلة!
أنا زلاتان(18)..عندما أهنت فان غال.."أأستمع لك أم لفان باستن"!
أنا زلاتان (19)...ما يفعلهُ كارو بالكرة..أستطيع فعلهُ ببرتقالة
أنا زلاتان (20).. هدف الكونغ فو المذهل في إيطاليا
أنا زلاتان (21).. حينما قفز كومان جنوناً..بسبب هدفي المارادوني!
أنا زلاتان (22)..كابيلو الرجل الذي تشعر أنك ميت بجواره
أنا زلاتان (23)عندما طالبني كابيلو بالتفوق على فان باستن!
أنا زلاتان (24).. قصة الوشوم والسيارة الفيراري المتفردة
أنا زلاتان (25).. حرب البلقان مع الإنتر وميهايلوفيتش الحقير!
أنا زلاتان (26) أزمة "كالتشو بولي" وسفينة اليوفي الغارقة
أنا زلاتان..(27) مونديال متواضع وخطة الرحيل من اليوفي
أنا زلاتان (28)..حين رفضت أمر ديشامب..واتفقت مع إنتر ميلان
أنا زلاتان (29) الإصابة الخطيرة وترنح الإنتر

المساهمون