الأجهزة المصرية تتنافس على معاداة حق النشر

الأجهزة المصرية تتنافس على معاداة حق النشر

09 يوليو 2018
رفع مكرم سقف المحاباة فانهار عليه (تويتر)
+ الخط -
في الرابع من يوليو/تموز الجاري، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام المرئي، برئاسة مكرم محمد أحمد، قراراً مفاجئاً بمنع النشر في كل ما يتعلق بمستشفى 57357 بعد "الهجمة الشرسة" التي شنتها وسائل إعلام مصرية ضد المستشفى، على خلفية كشف هدر في موارد المستشفى الناتجة عن التبرعات، فضلاً عن تقارير صحافية أخرى أكدت إجراء المستشفى تجارب سريرية على أطفال دون الحصول على تصريح.

وواجه المستشفى انتقادات إعلامية حادة لإدارته خلال الفترة الماضية، منها عدم قبولها للعديد من الحالات المرضية، إلى جانب صرف مبالغ طائلة على الدعاية، تقدر بنحو 133 مليون جنيه سنوياً، وصرف 280 مليون جنيه على بند الأجور، بزيادة سنوية تقدر بنحو 33 في المائة، في مقابل تخصيص 201 مليون جنيه للإنفاق على العلاج بكل بنوده، وفق ميزانية المستشفى عن العام 2016.

واشتمل نفس القرار الصادر عن المجلس الأعلى لتنظيم لصحافة والإعلام على مطالبة جميع الأطراف بالتوقف عن الكتابة في الموضوع ووقف بث البرامج المرئية والمسموعة التي تتناول هذا الموضوع، لحين انتهاء اللجنة الوزارية من التحقيقات التي تجريها حالياً وإعلان نتائجها، وأن يكون التعامل مع أي جديد بتقديمه للجهات القضائية أو لجنة التحقيق أو النشر من خلال المجلس الأعلى.
وجاء في نص قرار المجلس: "يعتبر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن مستشفى 57357 يمثل إنجازاً هاماً في مصر فضلاً عن أنه صرح طبي ضخم له رسالة نبيلة بصرف النظر عما تعرض له من انتقادات صح بعضها أو لم يصح، ومن منطلق حرص المجلس على استمرار هذا الصرح كأحد المؤسسات الطبية الأبرز عالمياً، ومن واقع القرار الوزاري الذي أصدرته غادة والي وزيرة التضامن الإجتماعي بتشكيل لجنة قضائية موسعة لفحص أعمال مستشفى 57357 لسرطان الأطفال، وأوجه الانتقادات المختلفة المتعلقة بإدارتها يرأسها قاض جليل وتضم ممثليين عن الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وأساتذة متخصصين في أورام الأطفال وعددا من الشخصيات الموثوق فيها، يرى المجلس، بعد الإطلاع على القانون رقم 92 لسنة 2016 بشأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، وعلى القرار الجمهوري رقم 158 لسنة 2017، وعلى قرار وزيرة التضامن الاجتماعي، بتشكيل لجنة لفحص أعمال مستشفى 57357 لسرطان الأطفال".

إلا أن قرار مكرم محمد أحمد، الذي حاول فيه أن يعلي من ولائه وانتمائه للنظام ويرفع من خلاله سقف معاداة الحريات وحظر حق النشر في القضايا التي تهم المصريين، قوبل اليوم بقرار مفاجئ من النائب العام المصري، الذي أحال مكرم للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا، للتأكد من أن صلاحية حظر النشر من ضمن اختصاصات السلطة القضائية وحدها.



وبناءً عليه قرر المستشار نبيل صادق النائب العام، السبت، إحالة مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لنيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه في قراره بمنع المؤسسات الصحافية من النشر في قضية مستشفى سرطان الأطفال "57357"، كما حظر النشر في التحقيقات التي تجرى معه في هذا الشأن.

كما قرّر النائب العام اعتبار قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر برئاسة الكاتب مكرم محمد أحمد، بمنع النشر في القضية منعدماً لا أثر له، وللمؤسسات الصحافية أو الإعلامية عدم الاعتداد به والالتفات عنه؛ لتدخله في الشأن العام وتعديه على اختصاصات القضائية.

وردّ مكرم محمد أحمد في خطاب إلى النائب العام على إحالته للتحقيق، مؤكّداً "أن قرار المجلس بوقف النشر كان صائباً"، مشيراً إلى أنه سيمثل للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة احتراماً لمؤسساتها. 

وجاء في خطاب مكرم للنائب العام: "رداً على خطابكم الكريم الذي يؤكد أن الاختصاص الوحيد الذي أناط به القانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو ضمان وحماية حرية الصحافة وحق المواطن في التمتع بإعلام وصحافة حرة نزيهة في إطار من المهنية يترتب على مخالفتها والانحراف عنها استنهاض اختصاصكم، أما غير ذلك فلا اختصاص لكم به في حماية الشأن العام هو اختصاص السلطات القضائية والتنفيذية وهو اختصاص منحه لها الدستور والقانون وهذا هو الإطار الذي يتعين عليكم تفسير نصوص قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام في نطاقه".
وأضاف: "ما أتوقعه أن يترتب على هذا الفهم الإقرار بخطأ قرارات كثيرة سابقة مارس فيها المجلس الأعلى منع ظهور الأشخاص ومنع النشر أو البث في حالات رأى المجلس أنها مخالفة لأحكام قانونه".
واستطرد قائلاً: "باعتباري رئيساً للمجلس الأعلى للإعلام أؤكد لكم أن المجلس مارس اختصاصه وفقاً لقانونه الذي يعطيه صلاحية اتخاذ الإجراءات التي اتخذها، بخاصة في ظل القلق الذي يعتري المجلس ومخاوفه من أن استمرار حملة الانتقاد لمستشفى 57357 دون قرار حاسم بالإدانة أو البراءة، ربما يؤدي إلى أن يشح نهر الخير أو يقل تدفقه ويضعف، بدعوى أن أغلب عائداته تذهب للمنحرفين".



الخلاف هنا وإن بدا على تضارب الاختصاصات، وأحقية السلطة القضائية وحدها في إصدار مثل تلك القرارات بحظر النشر في قضايا معينة، إلا أنه يحمل دلالات عدة، أبرزها طريقة إعلان القرار بصدوره في صيغة بيان رسمي وتوزيعه على مختلف الصحف ووسائل الإعلام، دون إخطار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمسبقاً، إلى جانب شمول القرار ليس فقط على التأكيد على أن قرار حظر النشر الصادر عن المجلس "منعدم وبلا أثر"، بل على استدعاء رئيس المجلس للمثول أمام نيابة أمن الدولة العليا.

انقلاب النظام على أحد أبرز رجاله، مكرم محمد أحمد، يعيد للأذهان مشهد تعامل السلطة مع الإعلامي الموالي لها، خيري رمضان، الذي تم القبض عليه وحجزه أربعة أيام على ذمة التحقيقات في قضية اتهامه بـ"الإساءة للشرطة" في مارس/آذار الماضي، على خلفية إذاعة حلقة من برنامجه "مصر النهارده" على القناة الأولى المصرية رسالة من سيدة قالت إنها زوجة ضابط شرطة تحدثت فيها عن معاناتها وأسرتها من صعوبات الحياة وضعف رواتب ضباط الشرطة، وتفكر في العمل خادمة، الذي أثار استياء ضباط الشرطة وذويهم، واعتبروها إهانة لهم.
حينها بالفعل لم يكن رمضان يقصد الإساءة للشرطة، بقدر ما كان يقصد المبالغة في الموالاة والمحاباة للنظام وأجهزته، لكن السقف انهار عليه تماماً كما حدث مع مكرم، الذي لم تعلن نقابة الصحافيين المصرية بعد، حتى موعد كتابة هذه السطور، عن أي إجراء بشأن التحقيق معه ومثوله أمام النيابة.

وكان النائب العام قد أخطر نقابة الصحافيين رسمياً بضرورة استدعاء "الزميل مكرم محمد أحمد" لحضور جلسة التحقيق يوم أمس الأحد 8 يوليو/تموز الجاري.

عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، سادت حالة من التشفي والتهكم على مكرم محمد أحمد، ومجمل أعماله المعادية للحريات والتي انتهت به للتحقيق أمام النيابة. ونشر الكثير من المصريين عبارة "أدعم قرار النائب العام"، ساخرين.

فتاريخ مكرم محمد أحمد (81 عاماً)، المعادي للحريات حافل، منذ أن كان نقيباً للصحافيين سابقاً، عندما اشتهر بكتابة خطابات الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وكان أحد الداعمين بشدة للنظام المصري الحالي.



انتخب مكرم نقيباً للصحافيين عام 1989 واستمر لدورتين متتابعتين، حتى عام 1993. ثم في عام 2007 خاض المعركة الانتخابية في منافسة رجائي الميرغني نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وحصل فيها على 70 في المئة من أصوات الناخبين البالغ عددهم 3582 صحافياً مصرياً آنذاك، وظل نقيباً للصحافيين، حتى طرده من مبنى النقابة إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، عندما توجّه لنقابة الصحافيين المصرية، لتقديم واجب العزاء لزوجة الصحافي بالأهرام أحمد محمود، وأخبرها بأن النقابة ستصرف لها معاشاً استثنائياً، تفجّر غضب الصحافيين، وهتفوا "بره.. بره"، وخرج مطروداً من النقابة للمرة الثانية.

ثم ظهر مجدداً، لشق وحدة الصف النقابي، في أثناء انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحافيين الأخيرة، حيث تشكلت ما تسمى بـ"جبهة تصحيح المسار" من مجموعة من الصحافيين المصريين برئاسته في أعقاب واقعة اقتحام وزارة الداخلية النقابة في الأول من مايو/أيار 2016 للقبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا، عقدت تلك الجبهة اجتماعات بمقر جريدة الأهرام القومية، لإجهاض قرارات اجتماع الجمعية العمومية التي عقدها آلاف الصحافيين في النقابة رداً على اقتحامها.

وتولت تلك الجبهة الدفاع عن النظام المصري ووزارة الداخلية المصرية ضد قرارات نقابة الصحافيين آنذاك بقيادة النقيب السابق يحيى قلاش، كما ساهمت تلك الجبهة في صدور القوانين المنظمة للصحافة الإعلام على النحو المعمول به حالياً من فرض الرقابة والوصاية والتحكم القبضة الأمنية على المنابر الإعلامية.
وبعدها مباشرة، صدر قرار تشكيل مجالس الإعلام الثلاثة، ليرأس مكرم محمد أحمد المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، ويتمادى في معاداة الحريات والصعود بالسقف لمحاباة النظام، حتى انهار على رأسه.

دلالات