منتجات تبييض البشرة... للأطفال أيضاً

منتجات تبييض البشرة... للأطفال أيضاً

27 نوفمبر 2022
الكريمات التي تساعد على تفتيح البشرة تحتوي على مواد خطيرة (منان فاتسيايانا/فرانس برس)
+ الخط -

عادت في الأسابيع الأخيرة منتجات تبييض البشرة إلى الواجهة. فيديو لشابة من ساحل العاج نشرته على تطبيق تيك توك، أعاد الحديث عن خطورة هذه المنتجات، ولكنه ركّز النقاش في مكان أكثر خطورة هذه المرة: استخدام منتجات التبييض على بشرة الأطفال.

الشابة التي تبيع منتجاتها عبر الإنترنت، هدفت من منشورها الإثبات لمتابعيها أنّ لا خطورة من استخدام هذا النوع من الكريمات على الأطفال. صحيح أن الفيديو حقق رواجاً كبيراً، لكن ردّ الفعل لم يكن مطابقاً لنيّة الشابة الأساسية: الترويج الإيجابي. انشغل رواد موقع التواصل الاجتماعي في البحث عن سبيل لمقاضاة ومحاسبة الشابة، نظراً للخطورة الصحية التي تترتّب على استخدام هذه المنتجات وجريمة تطبيقها على الأطفال تحديداً.

في الفيديو، تظهر الشابة وهي تحمل طفلتها كاميلا بين يديها غاضبة، تصرخ في وجه متابعيها، وتشير إلى كاميلا حيناً والى عبوات بلاستيكية حيناً آخر. "منذ عمر الشهر، يمكنكم أن تبدأوا تطبيق هذه الكريمات على الطفل"، هذا ما قالته الشابة، مُشيرةً إلى ابنتها. "هذا منتج للكبار، وذاك منتج للأطفال"، تُفرّق بين العبوتين حسب لون العبوة البلاستيكي. هذه المنتجات ممنوع بيعها في ساحل العاج منذ عام 2015، ولكن ما يطلبه السوق يضرب بعرض الحائط القرار، ومحاولة إيجاد منتج لتفتيح لون البشرة أمرٌ مُمكن وسهل.

تحذيرات الأطباء، والعاملين في المجال الصحي، لم تنجح في إيقاف الأمر. قد يحتوي هذا النوع من المنتجات على مواد خطيرة، يُمكنها أن تسبب أضراراً متفاوتة في حجم الخطورة: السكري، ضغط الدم المرتفع، الالتهابات، أمراض جلدية مثل الأكزيما، فشل كلوي أو حتى بعض الأمراض السرطانية. لائحة طويلة من الأضرار الجانبية، كلّها لم تكن سبيلاً لردع الناس عن الرغبة الشديدة بجعل بشرتهم أكثر بياضاً.

في فرنسا، تُشير أرقام جمعية حماية المستهلك إلى أن 60 في المائة من الكريمات التي تُساعد على تفتيح البشرة تحتوي على مواد خطيرة. وعلى الرغم من منع بيع المنتجات التي تتضمّن هذه المواد الخطرة، فإن التقديرات عام 2009 تُشير إلى أنّ 20 في المائة من النساء من أصول أفريقية، المقيمات في مدينة باريس وضواحيها، يلجأن إلى منتجات تفتيح البشرة. الحصول على هذه المنتجات ليس بالأمر المعقّد، كما أن العديد من الشركات لم تعد تشير إلى مكونات تركيبتها كاملة، مُتفادية ذكر المواد الممنوعة.

هذه الممارسة لا تأتي من العدم، بل هي نتيجة ما يُسمّى بـ"كولوريزم"، وهو التمييز المجتمعي حسب اللون مع تفضيل شديد (تمجيد) للبشرة الفاتحة أو "البيضاء". هذا التمييز يقود آلاف النساء والرجال حول العالم إلى استخدام منتجات تساعدهم على تفتيح لون بشرتهم، وتالياً تأمين قبول اجتماعي ومهني. وهذا ما عبرت عنه المغنية والممثلة الأميركية زيندايا، خلال أحد المهرجانات في نيويورك عام 2018، مُنتقدةً هوليوود والنقص الكبير في النساء من ذوات البشرة السوداء مقارنةً بالأخريات، قائلة: "أنا نسخة من المرأة السوداء المقبولة في هوليوود، وهذا ما يجب أن يتغيّر!". لم يكن هذا حديثها الأول في الموضوع، بل سبق وعبرت عام 2016 عن إدراكها للامتياز الذي تتمتّع به كامرأة سوداء فاتحة وليست داكنة: "هل أكون صادقة لو قلت بأنني أواجه مقدار العنصرية والمشاكل نفسها التي تتعرّض لها امرأة ذات بشرة سوداء داكنة؟ طبعاً لا".

صحة
التحديثات الحية

وفي بحث أكاديمي حول "كولوريزم"، خلص كل من الباحثين رونالد هول ونيها ميشرا إلى أنّ هذه الظاهرة ترسّخت خلال العصر الاستعماري الفرنسي. على حدّ تعبيرهم، فإنّ تأثير فرض اللغة والأعراف والتقاليد الفرنسية على المجتمعات المُستعمَرة لم يقتصر على إحداث تغييرات جذرية في الثقافة والسياسة والاقتصاد، بل ترك آثاراً (مرئية أقلّ) على تصورات السكان المحليين لأنفسهم وعلى عقليّتهم.

الاستعمار والإيديولوجيات العنصرية جعلت من لون البشرة الداكن إشارة الى هوية أكثر ازدراءً، وربطتها بالفئات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأكثر حرماناً. وهذه الصورة ترسّخت عند الشعوب الأفريقية منذ عدة قرون. لهذا، سعى "البعض" من هذه الشعوب المُستعمَرة إلى الحصول على لون بشرة المُستعمِر، وذلك في سبيل تحسين شروط عيشهم وصورتهم. ويُشير الباحثون في هذا الخصوص إلى كتاب الطبيب النفسي والفيلسوف فرانز فانون، "بشرة سوداء أقنعة بيضاء"، والذي يُحلّل ويصف فيه هذا الرهاب تجاه أصحاب البشرة السوداء.

المساهمون