مساحيق للبشرة مسمّمة بالزئبق

مساحيق للبشرة مسمّمة بالزئبق

24 مارس 2022
توجد كميات من الزئبق في مواد التجميل (روسديانا سيارافولو/ Getty)
+ الخط -

رغم أن تشريعات عدة في الغرب تمنع استخدام الزئبق في منتجات طبية، لكنّ تجاراً كُثراً يحتالون عليها عبر إضافة كميات من مادة الزئبق غير المسموح بها في منتجات خاصة بماكياج البشرة. هذا ما كشفته مجموعة عمل "زيرو ميركوري"، التي تعمل لتقليل انبعاثات الزئبق وتعرض البشر لها، من خلال اختبارها خلال 13 شهراً 271 منتجاً للعناية بالبشرة، وتوصلت فيها إلى أن نحو نصف هذه المنتجات ملوّث، وتحتوي على كميات غير مسموح بها من الزئبق، خصوصاً كريمات تفتيح البشرة ومقاومة الشيخوخة التي تُباع على منصات مثل "إيباي" و"علي بابا" و"أمازون".
وأكدت "زيرو ميركوري" أن نحو نصف المنتجات ملوّثة بالمعدن الثقيل الخطير بمستويات تزيد عن جزء واحد في المليون، وهو الحدّ القانوني المطبّق في الولايات المتحدة، فيما يعد وجود الزئبق بأي كمية في مستحضرات التجميل عملاً غير قانوني بحسب قوائم الاتحاد الأوروبي.

ويصف مايكل بندر، المنسق الدولي لمشروع "سياسة ميركوري"، نتائج اختبارات مجموعة "زيرو ميركوري" بأنها "مهمة وخطرة لأنها تؤكد أن شركات عدة تبيع منتجات غير ملائمة للاستخدام بهدف تحقيق أرباح طائلة، لكن هذا العمل قد يلحق ضرراً بالمستهلكين".
وتندرج نتائج الاختبارات الأخيرة لـ"زيرو ميركوري" ضمن حملة بدأها خبراء صحة كُثر في السنوات الماضية، والتي رصدوا فيها كميات من الزئبق في مواد ومستحضرات تجميل. وكانت نحو 51 مجموعة طبية قد وجهت عام 2018 رسائل إلى شركات التجارة الإلكترونية العملاقة، دعتها فيها إلى "التوقف عن تسويق مستحضرات تجميل غير قانونية تحتوي على الزئبق، والتأكد من أن مستحضرات التجميل التي تتضمن مستويات الزئبق تتجاوز 1 جزء في المليون لم تعد معروضة للبيع".
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن "أملاح الزئبق غير العضوية إحدى العناصر التي تتسبب في تآكل الجلد والعينين"، وتشير إلى أنه "يمكن ملاحظة الاضطرابات العصبية والسلوكية بعد استنشاق أو ابتلاع أو تعريض الجلد لمركبات الزئبق المختلفة". لكن خطورة الزئبق لا تمنع السماح باستخدامه ضمن معدلات بسيطة جداً في بعض مستحضرات التجميل.
ويبدي اختصاصي الأمراض الجلدية والحساسية الدكتور ميشال أيوب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قلقه من توسّع ظاهرة بيع مستحضرات تفتيح البشرة من دون وجود وصفات طبية، لأنها "تتسبب في إصابة الأشخاص بحساسية مفرطة، ليس فقط في الأماكن التي يستخدم فيها هذا النوع من المستحضرات، بل في الجسم كله". 
يضيف: "تختلف حاجة كل إنسان وتركيبة بشرته والأدوية التي قد تكون مفيدة له بخلاف غيره، فهناك البشرة الدهنية التي تتطلب أنواعاً معيّنة من المستحضرات، والبشرة الجافة أو المختلطة. ويحتاج كل نوع منها إلى عناية خاصة"، ويشدد على أن استخدام المستحضرات بلا وصفات طبية "يعد أمراً خطراً جداً، لأن بعض المنتجات تحتوي على منشطات تغيّر عملية إفراز الدهنيات داخل مسام البشرة، ما يؤدي إلى ظهور حب الشباب"، يضيف: "يسرّب استخدام المنتجات مواد مثل الزئبق والمنشطات ومواد كيميائية أخرى إلى داخل خلايا البشرة، ما يتسبب في تقرحها، وتغيّر لون البشرة إلى أزرق أو أسود، علماً أن بعض مستحضرات التجميل يحتوي على نسبة عالية من مركب إيدروكينون العضوي العطري، وهو نوع من الفينول المشتق من البنزين، ويستخدم في صنع بعضها".

الصورة
تبيع شركات منتجات غير ملائمة لتحقيق أرباح طائلة (جيفري غرينبرغ/ Getty)
تبيع شركات منتجات غير ملائمة لتحقيق أرباح طائلة (جيفري غرينبرغ/ Getty)

من هنا ينصح أيوب بضرورة توخي الحذر قبل استخدام أي منتجات أو مستحضرات من دون وصفة طبية، والابتعاد عمّا يروّج في وسائل التواصل الاجتماعي أو شبكات الإنترنت أو المنصات الرقمية. وقد تتجاوز مخاطر الزئبق مشكلة تسميم البشرة. ويقول مدير التجميل والأبحاث السريرية في مستشفى "ماونت سينا" بمدينة نيويورك جوشوا زيشنر إن "امتصاص الجسم الزئبق قد يسمم الكلى والجهاز العصبي".
والعام الماضي، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إي)، تعميماً طالب بضرورة تجنب كريمات البشرة والصابون المطهّر ومستحضرات التجميل التي تحتوي على زئبق، وأوضحت أن الناس يستطيعون التأكد من مدى صحة المواد والعناصر الطبية الموجودة في مستحضرات التجميل، من خلال فحص أغلفتها، والتأكد من أنها لا تحتوي على أي من مصطلحات "كلوريد الزئبق" و"كالوميل" و"الزئبق" التي تشير إلى أنها ضارّة.
وقد فتحت اختبارات "زيرو ميركوري" الباب واسعاً للحديث عن معضلات قانونية لم يتم إيجاد حلول لها حتى الآن، خصوصاً في الولايات المتحدة، وتتعلق أهمها بقانون التجميل الذي يعود إلى عام 1938، ولم يخضع لأي تحديث منذ ذلك الحين. ويرى مراقبون وخبراء كُثر ضرورة إعادة ترتيب تشريعات جديدة تراعي التطور العلمي والتكنولوجي، ومعالجة معضلة تتعلق بمدى مسؤولية الأطراف الثالثة، أي المنصات الإلكترونية التي تعرض المنتجات وتروّجها، وتحديد ما إذا كانت تتحمل المسؤولية القانونية، أم التجّار. 

وفي الولايات المتحدة تحديداً، يدور صراع قانوني بين دعاة الصحة العامة ومنصات التجارة الإلكترونية في شأن المسؤولية القانونية. وتزعم شركات مثل "أمازون" أن البائعين الخارجيين الذين يستخدمون موقعها مسؤولون عن سلامة المنتج، باعتبار أنها توفر مع شركات مماثلة منصة للترويج فقط. وتتهم دعوى مرفوعة ضد "أمازون" في ولاية كاليفورنيا الشركة بانتهاك قانون تطبيق المواد السامة عبر بيع كريمات لتفتيح البشرة ملوّثة بالزئبق. لكن محكمة حكمت لصالح "أمازون"، وأعفتها من المسؤولية، فيما طالبت محكمة الاستئناف في كاليفورنيا الشركة بضرورة تحذير المستهلكين من منتجات تعرض أدلة لخطورتها.

المساهمون