ما هي السعادة؟ موقعك على الخارطة يحدد الجواب

	 ظهرت حاجة إلى تطوير اختبارات للسعادة (Getty)
10 ديسمبر 2020
+ الخط -

أشار فريق بحثي تقوده جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد الأميركية، إلى أن معنى السعادة يختلف باختلاف المكان الذي يعيش فيه الإنسان. وركزت دراسات السعادة تاريخياً على النموذج الغربي الذي يتمحور حول الذات نسبياً.

في الدراسة الجديدة التي نشرت يوم أمس الأربعاء، في دورية "بلوس وان" قال الباحثون إن التصور السائد للسعادة يتوافق مع وجهة نظر العالم البروتستانتية التاريخية التي تركز على الذات وتؤكد على الجدارة الشخصية والعمل الجاد للحصول على نتائج إيجابية، وتعتبر السعادة بمثابة إنجاز شخصي.

في حين يعتقد المؤلفون أن مفاهيم السعادة المتمحورة حول الغرب ليست عالمية، ولا يمكن تعميمها على بقية أجزاء العالم. ففي حين أن السعادة مرتبطة بالاستقلال في الغرب، فإن السعادة لدى المجتمعات الشرقية مرتبطة بالاعتماد المتبادل، والعلاقات الاجتماعية.

لاستكشاف قابلية تطبيق المفاهيم العابرة للثقافات عن السعادة عند المجتمعات الشرقية والمجتمعات الغربية، استخدم الباحثون اختبارين: أحدهما طُوّر في اليابان ويركّز على الترابط الاجتماعي، والاختبار الذي طورته الولايات المتحدة ويؤكد على الاستقلال الفردي.

أجريت الدراسة كجزء من مشروع بحثي شمل 15358 طالباً في سن الجامعة من 63 دولة ويتحدثون 42 لغة، طلب منهم تسجيل الدخول إلى موقع متخصص، واستكمال استطلاع شمل مقاييس السعادة.

في حين أن السعادة مرتبطة بالاستقلال في الغرب، فإن السعادة لدى المجتمعات الشرقية مرتبطة بالاعتماد المتبادل

توضح غويندولين غاردنر الحائزة على درجة الدكتوراه حديثاً من جامعة كاليفورنيا والمؤلفة الرئيسية للدراسة أن المشروع البحثي ركز على اختبار نظريتين متنافستين حول كيفية قياس السعادة. إحداهما تقوم على وجهة النظر الغربية للسعادة، وهي إثارة أعلى، وطريقة مستقلة لفهم السعادة، بينما الأخرى هي وجهة نظر شرقية للسعادة، وهي عبارة عن إثارة أقل، وسعادة أكثر ارتباطاً بالعلاقة مع الآخرين.

"كان أداء كلا المقياسين متشابهاً للغاية، لكن المقياس الشرقي للسعادة كان يظهر تشابهاً بين البلدان ما يجعله أداة أفضل للباحثين متعددي الثقافات الذين يرغبون في تقييم السعادة حول العالم"، تقول غاردنر في تصريح لـ"العربي الجديد".

اختار الباحثون أربع دول فقط في منطقة الشرق الأوسط للمشاركة في تطبيق الاختبارين، هذه البلدان الأربعة هي الأردن، وفلسطين، وتركيا، وإسرائيل. توضح الباحثة أن اختيار البلدان حُدد على أساس إمكانية العثور على متعاونين للانضمام إلى المشروع.

وتضيف: "رغم أنه غالباً ما يتم تجاهل بلدان من المنطقة العربية والشرق الأوسط تماماً ــ للأسف ــ في الدراسات النفسية، إلا أننا تمكنا من إضافة عينة ــ صغيرة ــ من البلدان (الأربعة) التي نبني عليها استنتاجاتنا. لذلك قد لا تكون هذه الاستنتاجات صحيحة بالنسبة للبلدان غير المشمولة في دراستنا".

تعريف الشرق الأوسط للسعادة قد يتماشى مع وجهة النظر الشرقية أكثر من النظرة الغربية

بناء على نتائج الدراسة، يبدو أن المقياس المترابط للسعادة كان المقياس الأفضل بالنسبة لسكان الشرق الأوسط، مما يعني أن تعريف الشرق الأوسط للسعادة قد يتماشى مع وجهة النظر الشرقية أكثر من النظرة الغربية. ومع ذلك، فإن الباحثة تشدد على الحاجة للبحث في المستقبل لاستكشاف جوانب السعادة التي تنفرد فيها منطقة الشرق الأوسط.

أظهر تحليل بيانات المسح والسمات الخاصة في كل بلد أن الاختبار الذي يقوم على الترابط الاجتماعي كمقياس للسعادة، كان أكثر مصداقية في البلدان التي تتشابه ثقافياً مع اليابان، مثل دول شرق آسيا الأخرى، بينما كان الاختبار الذي يركز على الاستقلال الفردي أكثر مصداقية في البلدان الأكثر تشابهاً مع الولايات المتحدة، مثل دول أوروبا الغربية.

كان كلا الاختبارين ذا مصداقية عالية في الولايات المتحدة واليابان. وهو أمر ذو أهمية خاصة للباحثين لأن تلك هي البلدان المعنية حيث طُورت الاختبارات الغربية والشرقية.

ووجدت الدراسة أيضاً أنه على الرغم من أن الاختبار الذي يركز على الاعتماد المتبادل كان له مصداقية إجمالية أقل قليلاً من اختبار الاستقلال، إلا أنه كان أكثر مصداقية عبر البلدان المختلفة. لذلك، قد يكون الاختبار الذي يركز على الاعتماد المتبادل أداة بحث أقوى للمقارنة بين مفاهيم السعادة لدى الثقافات المختلفة.

أظهر أداء كلا المقياسين ضعفاً في البلدان التي لا تنتشر فيها تقاليد مسيحية بروتستانتية أو بوذية، بما في ذلك دول أفريقيا والشرق الأوسط، ما يشير إلى الحاجة إلى تطوير اختبارات للسعادة تكون أكثر شمولية بحيث تستوعب ثقافات أخرى مبنية على معايير مختلفة عن تلك المتبعة في الولايات المتحدة والمجتمعات الشبيهة بها، أو اليابان والمجتمعات الشبيهة بها.

على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين الثقافات في كيفية قياس السعادة بشكل أفضل، إلا أن المجتمعات في النهاية ما زالت مرتبطة بشكل كبير مع بعضها البعض

وهو ما يلفت إلى ضرورة أخذ المعتقدات الدينية وتأثيرها على حياة الفرد في أي دراسة سلوكية، خاصة لو كانت عن السعادة. يخلص المؤلفون إلى أن الطريقة التي يقيّم بها الباحثون السعادة حالياً هي من خلال استخدام مقياس متحيز للغرب يفترض أن سعادة الفرد مستقلة إلى حد كبير عن الآخرين، لكن ثبت من خلال الدراسة الحالية أن وجهة النظر هذه ليست عالمية بأي حال من الأحوال.

تحذر الباحثة من المبالغة في تقدير الاختلافات الثقافية، فعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بين الثقافات في كيفية قياس السعادة بشكل أفضل، إلا أن المجتمعات في النهاية ما زالت مرتبطة بشكل كبير مع بعضها البعض، مما يشير إلى وجود أوجه تشابه أكبر بكثير من الاختلافات عندما يتعلق الأمر بالسعادة.

"أعتقد أن الاتجاه التالي لهذا البحث سيكون تطوير واختبار مقياس للسعادة مناسب ثقافياً للشرق الأوسط أو أفريقيا. فإذا كنا مهتمين حقاً بدراسة السعادة في جميع أنحاء العالم، فمن المهم أن تكون التدابير شاملة وممثلة لجميع الثقافات" تقول غاردنر.

المساهمون