فصل "دويتشه فيله" لصحافييها بمزاعم "معاداة السامية": "تحقيق منحاز"

فصل "دويتشه فيله" لصحافييها بمزاعم "معاداة السامية": "تحقيق منحاز"

بيروت

العربي الجديد

avata
العربي الجديد
10 فبراير 2022
+ الخط -

تتواصل ردود الأفعال بعد إجراءات قناة "دويتشه فيله" الألمانية بحق صحافييها، بعدما أعلنت يوم الإثنين الماضي قرار فصل 4 موظفين عرب، وفض تعاقد معهم، فيما يخضع 8 موظفين آخرين للتحقيق، بتهمة "معاداة السامية".

وبعد شهرين من "التحقيقات"، فصلت القناة الصحافيين باسل العريضي ومرهف محمود ومرام سالم وفرح مرقه وفضّت التعاقد مع داود ابراهيم، وهم من لبنان والأردن وسورية وفلسطين، بعد تحريض عليهم في منشور صحافي اتهمهم بـ"معاداة السامية" بسبب انتقاد الاحتلال الإسرائيلي أو مواقفهم من القضية الفلسطينية

أمس الأربعاء، أعرب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" عن قلقه البالغ إزاء قرار "دويتشه فيله" (شبكة إعلامية ألمانية رسمية) طرد خمسة صحافيين من أصول عربية بعد ما وصفه بـ"تحقيق منحاز استمر شهرين في مزاعم معاداة السامية". وحذر "الأورومتوسطي"، في بيان له، من أنّ مثل هذه الإجراءات "لن تؤدي إلا إلى فتح الباب على مصراعيه لتصعيد حملة التطهير ضد العرب في وسائل الإعلام الألمانية".

وكانت "دويتشه فيله" فتحت تحقيقاً خارجياً مستقلًا في ديسمبر/كانون الأول الماضي حول مزاعم بـ"معاداة السامية" ضد بعض موظفي القسم العربي بالإضافة لمتعاونين خارجيين مستقلين، على إثر حملة تشهير عنصرية ضد الصحافيين العرب في وسائل الإعلام الألمانية العام الماضي قادتها وسائل إعلام يمينية وأفراد على صلة باليمين المتطرف.

وشارك في لجنة التحقيق وزيرة العدل السابقة زابينه لويتهويزر – شنارينبيرغر، وهي سياسية ألمانية من الحزب "الديمقراطي الحر" (يمين-وسط)، وأحمد منصور، وهو عالم نفس من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، مؤيّد بشدة لإسرائيل ومعروف بكونه أحد أبرز منتقدي الإسلام في ألمانيا.

وقدّمت اللجنة تقريرها يوم الإثنين الماضي، غير أنه لم يتضمن أي دليل على معاداة الموظفين المطرودين للسامية، ولكنه اتهم بعض موظفي "دويتشه فيله" وشركائهم وضيوفهم بالإدلاء بتعليقات على حساباتهم الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُزعم أنها ترقى إلى "معاداة السامية" أو "إنكار الهولوكوست".

وطالبت اللجنة بـ"توجيه إرشادات أوضح" للموظفين وشركاء البث، بالإضافة إلى "اتخاذ تدابير أكثر صرامة" في التدريب والتوظيف. وقام فريق "الأورومتوسطي" القانوني بمراجعة وفحص تقرير اللجنة، ووجد عدة مشاكل تقوض نتائجه، وخلص إلى أنّ إطار عمل التقرير وتحليله وتوصياته "تحتوي على أدلة عديدة على التحيّز لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين".

وأشار المرصد إلى أنّ التقرير "يعتمد على إطار عمل معيب من خلال اتخاذ تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) المختلف عليه والمثير للجدل كنقطة انطلاق له في عملية التقييم". وتعرض التعريف في السنوات الأخيرة لانتقادات حادة كونه يستخدم كسلاح لسحق الخطاب المؤيد للفلسطينيين والمساواة بين النقد المشروع للأعمال والسياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية.

ويمكن رؤية هذه المشكلة بوضوح في تقرير "دويتشه فيله"، بحسب المرصد، فعلى سبيل المثال، يستشهد معدو التقرير بمقال نُشر باللغة الألمانية على موقع "دويتشه فيله" الإلكتروني عن النكبة الفلسطينية عام 1948، كمثال على "معاداة السامية" لأنه يقول إنّ النكبة بدأت عشية تأسيس دولة إسرائيل. وبحسب تعريف التحالف، فإنّ مجرد الإشارة إلى أنّ تأسيس إسرائيل قد تسبب في النكبة الفلسطينية هو أمر معاد للسامية، لأنه يدعو إلى التشكيك في حق إسرائيل في الوجود.

كذلك، انتقد التقرير مقالاً يتهم المستوطنات الإسرائيلية بإفشال حلّ الدولتين ويصف نشاط الفصائل الفلسطينية بـ "الكفاح السياسي"، مضيفاً أنه "ينبغي على دويتشه فيله أن تلقي باللوم على الدول العربية في ما يتعلق بتهجير الفلسطينيين"، وأن تُرجع فشل عملية السلام "لإرهاب فتح وحماس" من أجل "الارتقاء إلى مستوى التقارير النوعية".

ويوصي التقرير "دويتشه فيله" باستخدام تعريف التحالف الموسّع في إرشاداتها للموظفين وفي "صياغة المهام المتعلّقة بالمنطقة الناطقة بالعربية" وأن يوقع جميع موظفي وشركاء "دويتشه فيله" على اعتماد تعريف التحالف ويتم اعتباره "مُلزماً قانوناً". وبذلك، يتجاهل التقرير بشكل حاسم "المخاوف الخطيرة التي أثارها خبراء وأكاديميون بارزون من استخدام تعريف التحالف كسلاح لقمع حرية التعبير، وتكميم أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم، والمساواة الباطلة بين النقد المشروع لإسرائيل ومعاداة السامية"، وفق المرصد.

يتضمن التحقيق العديد من وجهات النظر الإسرائيلية ويسعى لخلق تحيز أقوى لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانية والحد من مساحة أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم

يتضمن التحقيق العديد من وجهات النظر الإسرائيلية ويسعى لخلق تحيّز أقوى لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانية، والحد من مساحة أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم. على سبيل المثال، ينتقد التقرير القناة لنشرها مقالات متعددة حول "مسيرات العودة الكبرى" (وهي احتجاجات في معظمها سلمية خرجت للمطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة) والإشارة إليها على أنها "احتجاجات على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل". وقدم معدو التقرير وجهات نظر إسرائيلية منحازة على أنها حقائق، زاعمين أنّ الاحتجاجات كانت "أعمال شغب" "قادتها منظمة إرهابية لها حكم استبدادي على قطاع غزة".

وينتقد التقرير كذلك القسم العربي في "دويتشه فليه" وبعض شركائه لمجرد استخدام وسم "أنقذوا الشيخ جراح" باعتباره دعاية فلسطينية "غير مناسبة" و"متحيزة"، لكنه يعتبرها "خطأ فادحاً" وليس مناهضة للسامية.

وينظر التقرير إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة ضد الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، من بين أمثلة أخرى، على أنه تقديم رواية "متحّيزة للغاية" "بطريقة مغرضة"، على الرغم من أنّ الحكومة الألمانية نفسها كانت أعربت عن قلقها البالغ إزاء التطورات في حي الشيخ جراح، وحذرت من عمليات الإخلاء والهدم الإسرائيلية.

وقال رئيس "الأورومتوسطي" رامي عبده، إنه "في الوقت الذي ينتقد التقرير دويتشه فيله وبعض موظفيها وشركائها بسبب انحيازية مزعومة، فإنّ توصياته وتحليلاته الأساسية تهدف بشكل أساسي لدفع دويتشه فيله نحو تبني رواية أحادية الجانب مؤيّدة لإسرائيل". وأضاف أنّ "معدي التقرير يريدون من دويتشه فيله تبنّي رواية ترى مطالب الفلسطينيين بالحرية أعمال شغب تقودها مجموعات إرهابية، وأزمة الشيخ جراح دعاية فلسطينية، ومجرد ذكر النكبة الفلسطينية تشكيكاً معادياً للسامية في حق إسرائيل في الوجود".

خلص التقرير إلى استنتاجات مفادها أنّ بعض المتعاونين المستقلين مع "دويتشه فيله" وضيوفهم لديهم آراء "معادية للسامية"، بحسب تعريف التحالف، تستلزم فصلهم. وبالفعل، فصلت "دويتشه فيله" خمسة موظفين حتى قبل إصدار التقرير وقبل أن تتاح لهؤلاء الموظفين أي فرصة لقراءة نتائج التقرير أو الاعتراض عليها.

حذر المرصد الأورومتوسطي المؤسسات الإعلامية الألمانية مثل دويتشه فيله من الفصل غير العادل للصحافيين العرب دون منحهم فرصة عادلة للطعن في نتائج التقارير

وحذر "المرصد الأورومتوسطي" المؤسسات الإعلامية الألمانية مثل "دويتشه فيله" من الفصل غير العادل للصحافيين العرب، دون منحهم فرصة عادلة للطعن في نتائج التقارير، محذراً كذلك شبكة "دويتشه فيله" من "تقييد الخطاب المؤيد للفلسطينيين ومعاقبة الموظفين أو الشركاء بسبب تبنيهم آراء مشروعة مؤيدة للفلسطينيين".

من جانبه، قال باسل العريضي، الإعلامي منذ أكثر من 20 سنة في مؤسسات مثل "بي بي سي عربي" البريطانية، وقناة "الجديد" اللبنانية، في حديث لوكالة "أسوشييتد برس"، إنّ "التهمة باطلة وأرفضها جملة وتفصيلاً.. هذا بمثابة إعدام مهني بالنسبة لي".

روى العريضي مجريات التحقيق الذي قامت به لجنة برئاسة وزيرة العدل الألمانية السابقة، والذي على أساسه صدرت توصيات بإقالة الموظفين من مناصبهم الاثنين الماضي، فقال: "كنت صريحاً مع لجنة التحقيق وذكّرتُ بالقوانين المطبقة في لبنان التي تتعلّق بالموقف من إسرائيل، إذ إنّ لبنان رسمياً بحالة حرب وقوانينه تمنع أي اتصال أو اعتراف بإسرائيل، حيث هناك في القانون الجزائي مواد تنص على عقوبات مختلفة، بينها الإعدام والسجن بالأشغال الشاقة، لمن ينتهكها".

باسل العريضي: التهمة باطلة وأرفضها جملة وتفصيلاً.. هذا بمثابة إعدام مهني بالنسبة لي

وأشار العريضي إلى أنه لم تكن هناك تغريدة على حسابه على موقع "تويتر" والتي عوقب على أساسها، وإنما كان هناك رد كتبه تعليقاً على تغريدة لشخص آخر، يذكّر فيه بالقوانين اللبنانية التي تحظر التواصل مع إسرائيل أو زيارتها، في معرض إشارته الى زيارة البطريرك اللبناني بشارة بطرس الراعي إلى مدينة القدس في 2014 برفقة بابا الفاتيكان فرنسيس، علماً بأنّ العريضي انضمّ للعمل لدى قناة "دويتشه فيله"، في يوليو/تموز العام 2019.

وأضاف الصحافي اللبناني أنّه أُبلغ بالقرار هاتفياً قبل ربع ساعة من المؤتمر الصحافي الذي عقدته اللجنة حيث تم إلغاء عقد العمل معه، ولم تقدّم الإدارة له أي معلومات إضافية. وأضاف متعجباً: "هناك فرق شاسع بين معاداة السامية وبين معاداة سياسات إسرائيل. نحن شعوب سامية، فكيف أكون عدو نفسي؟!".

وفي لبنان، أعلن تجمع "نقابة الصحافة البديلة" تضامنه الكامل مع الزميلين باسل العريضي وداود ابراهيم من لبنان، والزملاء فرح مرقه ومرام سالم ومرهف محمود، الذين صرفتهم "دويتشه فيله" تعسفياً، بسبب تضامنهم مع القضية الفلسطينية بوجه اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بذريعة باطلة وهي "معاداة السامية"؛ كما أعلن رفضه التام لمحاسبة الصحافيين على آرائهم السياسية والإنسانية.

واعتبر التجمع، في بيان له، أنّ "ما قامت به المؤسسة ليس إلا إذعاناً لسياسة إسرائيل التي تفرضها على المؤسسات العاملة في الشرق الأوسط وخصوصاً في مجالي الإعلام والديجيتال ميديا، لإسكات معارضي احتلالها. وليس إلا وجهاً من أوجه الحملة الشرسة لإسكات وإرضاخ الصحافيين المتضامنين مع القضية الفلسطينية، خصوصاً العرب منهم، وتحديداً في ألمانيا، بذريعة باطلة هي “معاداة السامية”، كون بعض شعوب المنطقة العربية هي شعوب سامية، وكون الاحتلال يرفضه وينقضه يهودٌ كثر حول العالم".

وأضاف أنّ "اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة ضدّ الشعب الفلسطيني وسياسة الفصل العنصري بحقه، كما انتهاكاته المتواصلة ضد الصحافيين والمراسلين العرب والأجانب العاملين في الأراضي المحتلة؛ لا سيما ما حدث في حرب غزة 2021 من إسقاط مبان ومجمعات لوسائل إعلامية واستهداف مباشر للصحافيين، لا يمكن أن يكون الرأي منه معاداةً لليهود، بل إنه موقف إنساني وتقدّمي يُفترض بالمؤسسات الإعلامية حمايته، كما تحميه القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتؤكده الأمم المتحدة".

ومن جانبها، قررت نقابة المحررين في لبنان، متابعة قضية الصحافيين اللبنانيين المفصولين، قائلة، إنها ستتابع "هذا الموضوع قانونياً إذا ارتأى الزميلان العريضي وإبراهيم مقاضاة دويتشه فيله". كما وجّه نقيب المحررين جوزيف القصيفي، رسائل إلى كل من الاتحاد العام للصحافيين العرب، والاتحاد الدولي للصحافيين، مطالباً كلاً منهما "باتخاذ الموقف المناسب" بالدفاع عن الصحافيين اللبنانيين.

ذات صلة

الصورة
فرحة الحصول على الخبز (محمد الحجار)

مجتمع

للمرة الأولى منذ أشهر، وفي ظل الحصار والإبادة والتجويع التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، تناول أهالي الشمال الخبز وشعر الأطفال بالشبع.
الصورة

سياسة

رغم مرور عشرة أيام على استشهاد الأسير وليد دقة (62 عاماً) تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثمانه، متجاهلة مناشدات عائلته.
الصورة

سياسة

مُنع وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا لحضور مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه

المساهمون