عام قاسٍ على الصحافيين في غزة

عام قاسٍ على الصحافيين في غزة

29 ديسمبر 2021
الكاميرات لم تتوقف عن نقل الصورة رغم الاستهداف المباشر (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

فقد الصحافي الفلسطيني، مراسل قناة "الجزيرة"، وائل الدحدوح مقرّ عمله، في اليوم الخامس من العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، جراء استهداف الطائرات الحربية برج الجلاء، وسط المدينة، والذي يضم مقر قناة "الجزيرة" ووكالة "أسوشييتد برس"، وعدداً من المؤسسات الإعلامية الأخرى، وتسويته بما يحتوي من مُعِدات وأجهزة بالأرض. 
شهِد عام 2021، والذي يعتبر من الأعوام الأكثر قسوة على الصحافيين الفلسطينيين، حرباً إسرائيلية شرسة على قطاع غزة، كان للصحافيين، ومؤسساتهم الصحافية، نصيب كبير من الاستهداف المُباشر للمقار الإعلامية، والمكاتب، والطواقم الميدانية. 
تغلب مُراسِل قناة "الجزيرة" وزملاؤه على الأزمة التي خلقها القصف الإسرائيلي لمقر عملهم في الخامس عشر من مايو/ أيار 2021، من خلال توفير مكان بديل داخل أحد فنادق مدينة غزة، بهدف تسيير أعمالهم الصحافية خلال الحرب، وما بعدها، فيما عاشوا لحظات قاسية، وصعبة، جراء ضياع أرشيفهم الإعلامي، والذي يزيد عمره عن خمسة عشر عاماً. 
يوضح الدحدوح لـ"العربي الجديد" أن الاستهداف المُباشر والمُفاجئ للمبنى، والذي يضم مقر القناة، خلق حالة من البلبلة، خاصة بعد فقدان أجهزة البث والإرسال، والأرشيف المصور، والكاميرات، والمعدات اللازمة لإنتاج التقارير، ما دفع الفريق، إلى التوجه وتوفير مكان بديل ومؤقت لتسيير أعمالهم، فيما ساعدتهم خطة الطوارئ على البقاء على الهواء، حيث جهز فريق القناة مُسبقاً خطة طوارئ للتعامل مع الأزمات. 
وعلى الرغم من حالة الصدمة التي أصابت الوسط الصحافي خلال الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والقصف الذي صب جام غضبه على المقار الإعلامية، إلا أن الكاميرات لم تتوقف عن نقل الحدث، وفق وصف الدحدوح، الذي يؤكد صلابة الإعلام الفلسطيني، رغم مختلف التحديات. 
وتركزت الاستهدافات الإسرائيلية خلال العدوان، والذي بدأ في العاشر من مايو/ أيار 2021، واستمر 11 يوماً، على الأبراج والبنايات السكنية، والتي تضم فيها المؤسسات والمقار الصحافية، وذلك بهدف إخراس صوت الصحافيين، ووقف نقل الصورة، بغرض تحييد الرواية الفلسطينية، التي حاولت كشف زيف الرواية الإسرائيلية، وفضح الممارسات الإسرائيلية الوحشية بحق المدنيين، والتي تمثلت في قصف البيوت المدنية الآمنة فوق رؤوس ساكنيها، والتسبب باستشهاد 232 فلسطينياً، من بينهم 65 طفلاً، و39 سيدة، و17 شيخاً. 

تركزت الاستهدافات الإسرائيلية خلال العدوان، على الأبراج التي تضم المؤسسات الصحافية

وتضاعفت حِدة الانتهاكات الإسرائيلية في حق المكاتب والمقار الصحافية والإعلامية بشكل لافت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، حيث تم تدمير قرابة 33 مؤسسة إعلامية، محلية وعربية ودولية بشكل كامل، بفعل قصف الأبراج والبنايات السكنية التي تضم مقراتها، إلى جانب استشهاد الصحافي يوسف أبو حسين داخل منزله، وإصابة 70 صحافياً آخرين. 

ورصد المكتب الإعلامي الحكومي أكثر من 96 انتهاكاً ضد الحريات، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، وقد اعتبر أن تلك الاستهدافات "هجمة غير مسبوقة" من حيث حجمها وجسامتها، إذ استشهد صحافي، خلال 11 يوماً من العدوان، وأصيب أكثر من 12 صحافياً، ودمّرت 44 مقراً ومؤسسة إعلامية، ما بين كلي وجزئي، وتدمير 11 مقراً تضمّن شركات دعاية وإعلان، وإنتاج فني، ومطابع، ودور نشر، فيما نجا عدد من الصحافيين نتيجة استهداف مُباشر شمال قطاع غزة.  

رصد المكتب الإعلامي الحكومي أكثر من 96 انتهاكاً ضد الحريات

أما الصحافي الفلسطيني عبد الله التركماني، والذي فقد مقر عمله خلال تدمير برج الجوهرة، فيصف لـ "العربي الجديد" تجربته بأنها "كانت قاسية جداً، لقد فقدنا مقر عملنا دون أي مبرر"، ويرى أنه وزملاءه لم يفقدوا مجرد حوائط وأسقف "بل فقدوا ذكرياتهم ولحظاتهم الجميلة". وانتقل التركماني مع باقي فريق العمل الخاص بصحيفة "فلسطين" اليومية للعمل في المنازل، ويوضح أن العمل وفق هذه الآلية يشوبه العديد من المعيقات، إلا أنهم استطاعوا تحدّي الإرادة الإسرائيلية الهادِفة إلى منع عمل الصحافة، من خلال الانتقال إلى مقر عمل آخر من أجل استكمال الرسالة الإعلامية، ومواصلة تقديم الحقيقة للعالم. 
وتواصِل الصحافية الفلسطينية أمنية أبو الخير، مع زميلتها الصحافية ميسون كحيل، العمل في موقع "البوابة 24" من داخل بيتيهما، بعد أن تحول البُرج الذي يضم مقر عملهما إلى رُكام بعد الاستهداف الإسرائيلي المُباشر خلال الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي. وعلى الرُغم من حالة الصدمة التي تعرضتا لها، بعد فقدان مقر موقعهما الناشئ، إلا أن أبو الخير تقول لـ "العربي الجديد" إنهما تمالكتا نفسيهما لإيمانهما بضرورة مواصلة الرسالة، وأداء دورهما في مهنة المصاعب، على الرغم من مختلف التحديات. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من جانبه؛ يشدّد نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل على أن عام 2021 كان عاماً قاسياً على الصحافيين الفلسطينيين عموماً والصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة على وجه التحديد، بفعل الاستهداف الإسرائيلي المُباشر للطواقم الصحافية، والمقار والمكاتب الإعلامية، إلا أنهم في الوقت ذاته أثبتوا قدرات مهنية كبيرة في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم أجمع، بهدف فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل، رغم مختلف التحديات. ويوضح الأسطل في حديث مع "العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة بحق الإعلام الفلسطيني من خلال الاستهداف المُباشر للمقار الصحافية والإعلامية، واستهداف الكوادر الصحافية، علاوة على استهداف الصحافيين في بيوتهم الآمِنة. 

وبدأت نقابة الصحافيين، وفق حديث الأسطل، بإجراءات ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحاكم الدولية، نتيجة استشهاد الصحافي يوسف أبو حسين خلال العدوان الأخير، ومن قبله الشهيد الصحافي ياسر مرتجى (خلال مسيرات العودة)، كذلك بسبب استهداف المقار والمؤسسات الصحافية، وإلحاق الأضرار المُباشرة بها، وتحويلها بما تضم من معدات إلى رُكام. 
وتركّز القصف الإسرائيلي على البنايات والأبراج السكنية التي تضم أكبر عدد من المقار والوسائل الإعلامية، إذ تم استهداف بُرج هنادي السكني غربي مدينة غزة، وتلاه استهداف برجي الشروق والجوهرة، واللذين يضمان عدداً كبيراً من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، وصولاً إلى استهداف برج الجلاء وسط مدينة غزة، والذي يضم كذلك عدداً من القنوات الدولية والإذاعات المحلية. 

المساهمون