سينما 2020 في فرنسا: كارثة عامّة ونجاح محلّي

سينما 2020 في فرنسا: كارثة عامّة ونجاح محلّي

11 يناير 2021
جان ـ باسكال زادي: "أسود بكل بساطة" بنجاحٍ كبير (جويل ساجيت/ فرانس برس)
+ الخط -

مع تراجع التردّد على دور العرض في فرنسا، عام 2020، بنسبة 70 بالمائة، مقارنة بعام 2019، تلقّت صناعة السينما الفرنسية ضربة قاصمة، لن تقتصر نتائجها على تلك السنة الموصوفة بـ"السوداء" و"الكارثية".

إذْ يُبيّن التقرير السنوي لـ"المركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحركة"، الصادر نهاية العام الماضي، أنّ عدد البطاقات المباعة عام 2020 لم يتجاوز 65 مليوناً، مقابل 213 مليوناً عام 2019؛ وأنّ تراجع التردّد على دور السينما بدأ مطلع العام الفائت. تتابع الانهيار مع أول إغلاق كامل (100 يوم) في الربيع، تلاه تردّد محدود في الصيف، ثم منع تجوّل مسائي في الخريف، فإغلاقٌ ثانٍ في الشهرين الأخيرين من العام المنصرم.

إذاً، لم تفتح الصالات أبوابها سوى 7 أشهر تقريباً، في ظلّ ظروف تشغيلٍ لم تكن عادية ومنتظمة إلا في نصف هذه المدّة. كما قورن العام الفائت بعام 1992، الذي يُعتبر الأسوأ للسينما الفرنسية، مع 116 مليون بطاقة مُباعة فقط.

هناك عامل آخر ساهم في هذا الهبوط الكارثيّ في نسبة البطاقات المباعة، تمثّل بانحسار السينما الأميركية، التي تستقطب عادة الجماهير العريضة في سوق العرض الفرنسية. فكبرى الشركات، كـ"ديزني" و"وارنر" و"يونيفرسال"، فضّلت تأجيل إطلاق عروض بعض أفلامها إلى هذا العام، وحتّى إلى عام 2022، لتضمن شروط عرض ناجحة. بناء على هذا، سجّلت حصّة الفيلم الأميركي ـ الذي يحقّق عادة أكثر من نصف الإيرادات (56 بالمئة تقريباً) في فرنسا ـ انخفاضاً بلغ نحو 15 بالمئة، لتقترب من 41 بالمئة عام 2020. لكنّ غياب السينما الأميركية جاء لمصلحة السينما الفرنسية، التي سجّلت ارتفاعاً في التردّد عليها لم يتحقّق منذ 14 عاماً، لتصل حصّتها في نسبة البطاقات المباعة إلى 45 بالمئة (مقابل 35 بالمئة).

يُمكن اعتبار هذه النسبة نقطة مضيئة في الظلمة، لا سيما أنّها جاءت أيضاً لمصلحة "الفيلم الفرنسي المستقلّ" و"سينما المؤلّف"، التي لم يتردّد أصحابها في تقديم أفلامهم إلى السوق، وخوض المخاطرة. هكذا تضاعف عدد الأفلام الفرنسية المعروضة في فترة إعادة فتح الصالات بين منتصف مايو/ أيار ونهاية أكتوبر/ تشرين الأول (موعد بدء العزل الثاني)، مقارنة بالفترة نفسها في الأعوام الـ5 الماضية، كما أظهر تقرير المركز. ومع غياب الأفلام الأميركية أحياناً وقلّتها أحياناً أخرى، أتيحت الفرصة للأفلام الفرنسية للبقاء في الصالات أكثر من المُعتاد، وفُتح المجال أكثر أمام إنتاجاتٍ ذات ميزانيات متواضعة، ما أدّى إلى تحقيق أفلامٍ فرنسية أولى أو ثانية لمخرجيها مفاجأة العام بنسبة التردّد عليها، منها اثنان، تميّزا بظرافةٍ مبتكرة: "انطوانيت في جبال سِفِنْ (Cévennes)" لكارولين فِنال، الذي جذب أكثر من 700 ألف مُشاهد، كما فعل، وإن بنسبة أقلّ، "أسود بكل بساطة"، لجان ـ باسكال زادي وجون واكس.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

كما حقّقت أفلامٌ أخرى لمخرجين معروفين نسبة إقبال عالية نسبياً، كالاجتماعي الهزلي "امّحاء السجل التاريخي" لغوستاف كِرفِرن وبونوا دولِبين، الذي باع أكثر من نصف مليون تذكرة، والفكاهي "وداعاً للحمقى" لألبير دوبونتل، الذي اقترب عدد مُشاهديه من 650 ألفاً في أسبوعٍ واحد فقط (الأخير من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، مدّة عرضه، إذْ أُغلقت الصالات بعده مباشرة.

إلى ذلك، تضمّنت لائحة الأفلام الـ10 الأكثر استقطاباً للجمهور الفرنسي، التي تجاوزت مبيعات بطاقاتها مليوناً، العام الماضي، 4 أفلام فرنسية، في المراكز 5 و8 و9 و10 (على التوالي): الفيلمان الفكاهيان "دوكوبو 3" لإيلي سِمون و"10 أيام من دون الماما" للودفيك برنار، والبوليسي الهزلي "30 يوماً كحدّ أقصى" لطارق بودالي، والفكاهي "أكاذيب توتو" لباسكال بورديو. أميركياً، تصدّر اللائحة "تينيت" لكريستوفر نولان، المعروض بين حظرين، محقّقاً 2،3 مليون بطاقة مُباعة، ليكون بذلك الفيلم الأكثر مُشاهدة في فرنسا عام 2020، تلاه الفيلم البريطاني الأميركي "1917" لسام ماندس.

لكنْ، مع نسبة الإقبال المرتفعة نسبياً على بعض الأفلام في هذه اللائحة، لم يتجاوز عدد البطاقات المباعة لأيّ منها، بحسب تقرير المركز، 3 ملايين. بينما تجاوز 12 فيلماً فقط عتبة مليون بطاقة، وهذا رقم متواضع إذا قورن بمتوسّط السنوات الـ10 الأخيرة، الذي يبلغ 50 فيلماً. وذكر أخصّائيون في "صندوق الإيرادات" (بوكس أوفيس) أنّ غياب الأفلام الجماهيرية الأميركية، ونقص العروض الأميركية في الصالات الفرنسية، سبّبا خسارة لها تُقدّر بـ90 مليون يورو. خسارة لا تنحصر نتائجها بالصالات فحسب، بل سيكون لها تأثيرها المستقبلي على تمويل السينما الفرنسية عامة، فكما هو معلوم، هناك 10،72 بالمئة من سعر كلّ بطاقة مُباعة تكون "ضريبة" لـ"المركز الوطني للسينما"، الذي يستثمرها في تمويل الأفلام الفرنسية.

رغم هذا، هناك ما يبعث على التفاؤل. فالفرنسيون لم يتردّدوا كثيراً قبل العودة إلى دور العرض، وجابهوا خطر كورونا لتتأكّد مكانة صالات السينما عندهم؛، رغم تزايد المنصّات الرقمية، التي تُنافس الصالات، وتحاول جذب مشتركين بعرض مزيدٍ من الأفلام الجديدة.

المساهمون