النساء وصناعة السينما في فرنسا: حضورٌ أقلّ وبعضه أهمّ وأكثر تأثيراً

النساء وصناعة السينما في فرنسا: حضورٌ أقلّ وبعضه أهمّ وأكثر تأثيراً

16 ديسمبر 2020
مايوين: الأكثر جذباً للمُشاهدين (باسكال لو سوغرِتان/ وايرإيماج/ Getty)
+ الخط -

 

يُلاحِظ مُتتبّع السينما الفرنسية، خصوصاً هذا العام، ازدياد عدد الأفلام التي حقّقتها نساءٌ. وزيرة الثقافة الفرنسية، روزلين باشلو، أعلنت أنّ ثلث الأفلام المُنتجة هذا العام استفادت من "منحة مساواة"، يمنحها "المركز الوطني للسينما" في فرنسا، وقدرها 15 بالمئة، لإنتاج أفلامٍ تنجزها نساء. ملاحظة تدعمها دراسة للمركز نفسه، تتناول "موقع النساء في الصناعة السينمائية".

الدراسة الجديدة ـ المنشورة نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، والتي تغطّي 10 أعوام، بين 2010 و2019 ـ لا تُبدي مفاجآت كثيرة فيما يتعلق بالتوازن بين المرأة والرجل في صناعة السينما الفرنسية، إذ لا تزال هناك مهنٌ يرتفع فيها عدد النساء، وأخرى يسود فيها الرجال. هذا لا يعني ثباتاً في الحالتين، لا سيما الثانية منهما، إذ تحضر نساء أكثر فأكثر في المهنة التي كانت شبه محصورة بالرجال، أي الإخراج. ومع 87 فيلماً حقّقته أو شاركت في تحقيقه نساءٌ، في العام الفائت، وصلت نسبة مشاركة المرأة في مجال الإخراج إلى 26 بالمئة من المجموع العام للإنتاج، مقابل 20 بالمئة عام 2010. بالتالي، حقّق وجود المرأة خلف الكاميرا زيادة تجاوزت 50 بالمئة، مقارنة بعام 2010 (26 فيلماً).

ترتفع هذه النسبة خصوصاً في فئة الفيلم الأول، حيث تصل نسبة مشاركة المخرجات إلى 40 بالمئة، بعد أن كانت 27 بالمئة عام 2010. كما تضاعف حضور المرأة المخرجة في الفيلم الوثائقي، مُقارنة بعام 2010، بوصوله إلى 45 بالمئة، بينما تستمر نسبة مساهمتها في إخراج الأفلام الروائية ثابتة منذ 10 أعوام، بحيث لم تتجاوز الـ22 بالمئة منها.

بالنسبة إلى ميزانية الإنتاج، تُبيّن الدراسة أنّ الأفلام النسائية ذات تكلفة إنتاج تقلّ بنسبة 40 بالمئة من تلك التي يحقّقها مخرجون، إذْ يبلغ المعدل الوسطي لميزانية فيلم نسائي مليونين ونصف مليون يورو تقريباً. تُبيّن الدراسة أيضاً أنّ ميزانية الأفلام في فرنسا تنخفض منذ 2010: للرجل -28 بالمئة، وللمرأة -31 بالمئة.

أما الجمهور في فرنسا، فلا يبدو حريصاً على مُشاهدة أفلام المرأة تحديداً. نسبة مبيع بطاقات أفلامهنّ تُشكِّل 12 بالمئة فقط من المجموع العام. في الفترة المحدَّدة في الدراسة، باعت أفلامهنّ 81 مليون تذكرة تقريباً. أحد أسباب ذلك كامنٌ في أنّ الأفلام النسائية لا تلقى المعاملة نفسها التي تلقاها أفلام المخرجين، ومهما يكن نوع النفقات الأخرى (توزيع، مصاريف مختلفة، دعاية، إلخ.)، فنسبتها 30 بالمئة أقلّ من تلك التي تنالها أفلام الرجال. كما أنّ أيّ فيلمٍ تصنعه مخرجة يُعرَض في 127 صالة سينمائية في الأسبوع الأول، مقابل 180 صالة تخصّص لأفلام المخرجين: بين عامي 2010 و2019، هناك 11 فيلماً لمخرجات معروضة في أكثر من 500 صالة في الأسبوع الأول، مقابل 161 فيلماً لمخرجين.

 

 

لكنّ 6 أفلامٍ أنجزتها مخرجات باعت أكثر من مليون بطاقة، وهذا رقم يدلّ على نسبة التردّد على صالات السينما في فرنسا، مقابل 151 فيلماً لمخرجين. المخرجة الأكثر جذباً للمُشاهدين في العقد المذكور هي مايوين، وفيلمها "بولّيس" ( 2011)، عن رجال شرطة مختصّين بملاحقة المتحرّشين بالأطفال، وكيفية موازنتهم بين حياة خاصة وواقع قاسٍ يواجههم يومياً، بتضامنهم وتأقلمهم أمام الأسوأ، المقبل عليهم دائماً. باستثناء هذا الفيلم، انتمت الأفلام الأخرى، التي حقّقت رواجاً، إلى الكوميديا، وفي هذا مساواة بين الجنسين، حيث تجذب الأفلام الكوميدية الجمهور دائماً، مهما كان جنس صانعيها، كـ"نحيفة إذاً" (2012) لشارلوت دو توركايم، عن شابة جميلة وممتلئة وزوج يحبّ النحيفات، و"كوناس أميرة القلوب" (2015) لإيلويز لانغ ونعومي ساغليو، عن فتاة تقرّر أنّ حياتها لا تليق بشخصها، وأنّها تستحقّ أنْ تكون أميرة.

هناك أفلامٌ تُشارك فيها ممثلات مشهورات: "تحت تنورة الفتيات" (2014) لأودري دانا، مع إيزابيل أدجاني، عن أمّهات متفرّغات وسيدات أعمال وصديقات زوجات وعشيقات؛ و"المشاركة الكبرى" (2015) لألكسندرا لوكلير، مع كارين فيار.

لكنّ نسبة تواجد المرأة في الصناعة السينمائية الفرنسية تقترب من نسبة تواجد الرجل. تُشكِّل النساء 45 بالمئة من عدد العاملين فيها، وعددهنّ يتزايد بنسبة 8 بالمئة منذ 10 أعوام على حساب المخرجين (-7 بالمئة). أظهرت الأرقام مهناً نسائية بحتة، أو يغلب عليها حضور المرأة: السكريبت (94 بالمئة)، وتصفيف الشعر (74 بالمئة)، وتصميم الأزياء والمُحاسبة المالية والمسائل القانونية والاتصالات (71 بالمئة)، وفيها لا مُطالبة بالمساواة والتوازن. ولا تزال المرأة لا تميل إلى مهنٍ أخرى، كالميكساج والكهرباء والإضاءة والميكانيك، إذْ لا تتجاوز نسبة العاملات فيها 10 بالمئة. يبقى الإخراج مجالاً ذكورياً بامتياز، ببلوغ نسبة العاملين فيه 74 بالمئة، والأعمال التقنية، كالديكور والتصوير، 84 بالمئة. بالنسبة إلى الرواتب، فإنّ مخرجة فيلم طويل تنال، كمعدّل متوسّط، أقلّ بـ37 بالمئة من راتب زميلها المخرج.

إلى ذلك، تُشير الدراسة إلى أنّ عدد الشابات الممثلات (25 ـ 29 عاماً) يتجاوز عدد الممثلين. لكنّ المرأة، كلّما تقدّمت في العمر قلّ حضورها على الشاشة. في الـ60 وما فوق، لا يتعدّى وجودها الـ36 بالمئة، بينما تصل نسبة حضور الرجال في العمر نفسه إلى 64 بالمئة. أما بالنسبة إلى الرواتب، فحتّى سنّ الخمسين، لا يوجد فرق يُذكر بين رواتب الممثلات والممثلين.

المساهمون