تظاهرات الغضب في إعلام السيسي: صناعة الكذب

تظاهرات الغضب في إعلام السيسي: صناعة الكذب

29 سبتمبر 2020
عمرو أديب قلّل من أهمية التظاهرات (يوتيوب)
+ الخط -

بدلاً من مناقشة وتحليل أسباب التظاهرات التي تشهدها مصر منذ أيام، ومحاولة البحث عن حلول للمشكلات التي فجّرت الغضب في ربوع البلاد، لجأ الإعلام الموالي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى سياسة الإنكار التام لما يحدث في البلاد، والتأكيد على أن تلك المظاهرات ما هي إلا "فبركة". واختلفت وسائل الإعلام المصرية في تغطية المظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من أسبوع، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، وتطالب برحيل نظام السيسي. فبينما ذكر البعض المظاهرات وقال إنها "إخوانية"، نفى البعض الآخر وجود المظاهرات من أساسها، وقال إنها مجرد "تزييف وتضليل".
لكن الأفدح كان ما فعلته قناة "سي بي سي إكسترا" التابعة للمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للمخابرات العامة، إذ قامت بفبركة تظاهرة بمنطقة نزلة السمان، واستخدمت أحد المخرجين العاملين فيها لتصوير المظاهرة، وتم تسريب الفيديو على صفحات اللجان الإلكترونية التابعة لها، وانتظار أن تنشر القنوات ووسائل الإعلام الأخرى الفيديو المفبرك، ثم الإعلان بعد ذلك عن أنها مظاهرة مفبركة وبالتالي الإيحاء بأن كل التظاهرات مفبركة. وقال مصدر مطلع من داخل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لـ"العربي الجديد"، إن صاحب فكرة فبركة مظاهرة نزلة السمان هو الصحافي خالد صلاح، رئيس تحرير موقع وجريدة "اليوم السابع"، التابعة أيضاً للمخابرات العامة.
وخرج صلاح، مساء السبت، على قناة "إكسترا نيوز" مستضيفاً المذيع يوسف الحسيني بعد عرض الفيديو الذي تم تصويره بمعرفة الشركة قائلا: "إهداء من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، شكراً على حسن تعاونكم". وأضاف صلاح: "ولا واحد كلف نفسه بشلن يتأكد، احنا مرة بعتنا لهم مظاهرة قديمة ذاعوها". وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إن مظاهرة نزلة السمان "المفبركة" تم تصويرها في استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي.

فبرك الإعلام مقطع فيديو ليقول إن التظاهرات كلها تضليل


أما المذيع أحمد موسى، والمعروف بعلاقته بجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، فكانت رسالته شديدة الوضوح في ما يتعلق بالمظاهرات التي تشهدها مصر منذ أيام احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، إذ حذر المواطنين من الاشتراك فيها. وقال في برنامجه "على مسؤوليتي"، مساء السبت، إن أي شخص سيقبض عليه في تلك المظاهرات سيحال إلى نيابة أمن الدولة العليا وسيطبق عليه قانون الإرهاب. كما حذر موسى الأهالي من إشراك الأطفال في المظاهرات، وقال نصاً "ما حدش يجي يعيط بعد كده ويقول لي دول أطفال.. إيه اللي نزلهم المظاهرة". وأضاف "كل هذه الأعمال هي أعمال إرهابية.. وسيطبق عليها قانون الإرهاب".. "من يشترك في مظاهرات الإخوان يبقى إرهابي".
موسى حاول كعادته أيضاً نقل الكرة إلى الأراضي التركية، إذ قال إن "المظاهرات ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تخنقه منذ سنوات، وأمس ألقى نظام أردوغان القبض على شباب تظاهروا في عام 2014". وأضاف: "الإعلام التركي والجزيرة وقنوات الإرهابية تتجاهل هذه المظاهرات التي تقمعها قوات الأمن التركية، والعالم كله يتحدث عنها"، مضيفاً أن "الاقتصاد التركي ينهار والليرة (بقت الشنطة بدولار)". وأشار إلى أن هناك "مظاهرات عديدة في عدة عواصم، بينها لندن وباريس، اعتراضا على الإغلاق بسبب المخاوف من موجة ثانية من كورونا".
كما عرض موسى فيديو قال إنه "يُظهر فبركة الإخوان وكذبهم، ونشر فيديوهات قديمة على أنها مظاهرات حديثة في الجيزة وأماكن أخرى"، وقال إن "الإخوان استعانوا بفيديوهات من 2013 وغيّروا الصوت لتظهر على أنها فيديوهات حديثة". وقال موسى إنه "لا يوجد ميدان في جميع محافظات الجمهورية شهد وجود تجمعات أو تظاهرات على عكس ما يروّج الإخوان".

أما المذيع عمرو أديب، فقلل من أهمية المظاهرات، وقال في برنامجه، مساء الجمعة الماضي: "احنا ما بنقولش إن ما فيش مظاهرات.. آه في مظاهرات لكنها محدودة جداً". لكنه خرج في اليوم التالي، مساء السبت، في برنامجه "الحكاية" المذاع على "إم بي سي مصر" السعودية، مهاجماً قناة "الجزيرة" قائلاً إنها "وقعت في الفخ وعلى القناة أن تقدم اعتذارا رسميا عن بثها ذلك الفيديو المفبرك عن نزلة السمان". وأضاف "أين المهنية والقواعد التي تؤكد قناة الجزيرة عليها طيلة الوقت.. هل ستعتذر قناة الجزيرة فعلا، أم ستتجاهل الموضوع برمته، ولن تتطرق إليه؟.. يا جماعة عادي كلنا بنغلط وأنا عن نفسي ياما ارتكبت أخطاء قد تكون لها علاقة بطبيعة برامج الهوا والاستعجال في بث أخبار دون التأكد منها".
أما المذيع رامي رضوان، والمعروف بقربه من الرئيس السيسي ويقدم برنامج التوك شو الرئيسي على قناة "دي إم سي"، فاستضاف المخرج التلفزيوني تامر الخشاب، الذي ظهر قبل ذلك في مؤتمر الشباب برعاية السيسي. وقال الخشاب إن كل مقاطع الفيديو التي شاهدها أخيراً عن المظاهرات كانت مفبركة وغير حقيقية، وإنه تم تسجيل الصوت في استديو، وتركيبه على مقاطع فيديو مصورة. وتابع المخرج التلفزيوني أن الموضوع "إلكتروني بحت، وسوف يتطور إلكترونيا خلال الفترة المقبلة"، وأن كل ما ظهر الأسبوع الماضي كان "شوية حاجات إلكترونية مالهاش علاقة بالواقع"، مضيفاً أن "قناة الجزيرة عادت واعتذرت لكي تلحق جزءا من مصداقتها، وتعود هذا الأسبوع بفيديوهات جديدة أكثر إتقانا". وقال إن "المصريين عرفوا لعبة قناة الجزيرة، وإن جماعة الإخوان المسلمين يستخدمون أسلحة خفيّة، مثل بندقية خرطوش في عصا عكاز، أو رصاصة في ساعة مثلا، وإن هناك الكثير من الأسلحة الخفية الموجودة".
وعرض البرنامج مقطع فيديو زعم أنه لأحد عناصر جماعة الإخوان وهو يستخدم بندقية خرطوش على هيئة "عصا عكاز"، في إحدى المظاهرات، موضحا أنهم يستخدمونها لقتل المتظاهرين لتقليب الرأي العام، والمتاجرة بدماء المتظاهرين.
من جانبه، استنكر المرصد العربي لحرية الإعلام ما وصفه بـ"سياسة التعتيم التي يفرضها النظام المصري، والتي تخالف أبسط قواعد الحق في التعبير، وكذا الحق في الحصول على المعلومات، وهما الحقان اللذان يضمنهما الدستور المصري المعمول به حاليا". وقال المرصد، في بيان له، يوم الجمعة الماضي، إنه "رغم تعدد وانتشار المظاهرات في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية على مدى الأيام الخمسة الماضية بدءا، من يوم 20 سبتمبر/ أيلول 2020، والتي تصاعدت اليوم، الجمعة 25 سبتمبر، إلا أن النظام المصري فرض تعتيما إعلاميا على هذه المظاهرات عبر وسائل الإعلام المحلية". وأشار إلى أن "نظام السيسي مارس ضغوطا كبيرة على مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في مصر لمنعهم من تغطية هذه المظاهرات وتهديدهم بسحب بطاقات الاعتماد الصحافية الممنوحة لهم من السلطات".

وفي السياق، أكدت "رابطة الإعلاميين المصريين في الخارج" في بيان لها، الخميس الماضي، على "تأييد حق الشعب في التظاهر السلمي لنيل حريته وحقوقه السياسية والاقتصادية من نظام القهر والجباية العسكري، حيث إن التظاهر السلمي مكفول قانونا بموجب الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه مصر، والدستور المصري".
وأشارت إلى أن "الوفاء بحق الجمهور في المعرفة هو واجب وسائل الإعلام المحلية والعالمية"، مطالبة بـ"مقاومة التعتيم الإعلامي الذي يفرضه النظام، والتعبير عن مطالب المواطنين، خاصة مع اتساع تظاهرات الغضب من شمال مصر لجنوبها".
واستنكرت الرابطة ما وصفته بـ"التدليس والكذب الذي تمارسه وسائل الإعلام الحكومية المصرية والمستقلة بشأن تشويه وحجب المظاهرات"، مثمنة "الدور الكبير الذي تقوم به القنوات الفضائية المصرية في الخارج في نقل الصور الحيّة، والتعبير عن مطالب الجماهير كشف خفايا النظام".
وتشهد محافظات ومدن وقرى مصرية عديدة مظاهرات احتجاجية مستمرة منذ يوم 20 سبتمبر/ أيلول الجاري وحتى اليوم، كما انطلقت مظاهرات احتجاجية عقب صلاة الجمعة الماضي، ضمن فعاليات ما يُعرف بـ"جمعة الغضب".

المساهمون