الدراما السورية: صورة بصريّة مشوهة ومليئة بالأخطاء

الدراما السورية: صورة بصريّة مشوهة ومليئة بالأخطاء

23 مايو 2021
تشارك شكران مرتجى في بطولة مسلسل "ضيوف على الحب" (فيسبوك)
+ الخط -

لا تزال الدراما السورية تعاني من ضعف كبير في مجال "السينوغراف" والأزياء والمؤثرات البصرية، على الرغم من وجود واحتواء المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية على قسمين متخصصين بمجالي السينوغرافيا والتقنيات، يخرجان سنوياً عشرات الفنيين الأكاديميين. أغلب الظن أن هذا الضعف ناجم عن إهمال صناع العمل لهذه العناصر واعتبارها تحصيل حاصل، فلا تنفق شركات الإنتاج الكثير على عناصر الفضاء الدرامي، وإنما يصبون كل اهتمامهم ويخصصون الجزء الأكبر من الميزانية لأجور نجوم العمل.

"بعد عدة سنوات"

يستعرض العمل حياة عائلة سورية منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى عام 2014. في الحقيقة لا يمكن أن نتخيل وجود أي عمل فني آخر جسد حقبة الثمانينيات والتسعينيات بطريقة أسوأ من "بعد عدة سنوات" الذي بدا غير قادر على خلق صورة بصرية توحي ولو إيحاء بسيطا بأننا نعيش في تلك الحقبة، فالثياب التي يرتديها الممثلون وتصفيفات شعرهم لا تعبر أبداً عن المرحلة. وفي المشاهد الخارجية تصور مدينة دمشق كما هي اليوم، وأحياناً تمر في خلفية المشهد، الذي من المفترض أنه يحدث في القرن الماضي، سيارات واضحة أنّها من طرازات ما بعد عام 2000.

الأسوأ من ذلك أن أحداث المسلسل تتم في عدة مراحل زمنية مختلفة، تفصل بين الواحدة والأخرى عدة سنوات، لكن الزمن لا يترك أي أثر ملموس على الشخصيات. بل إن بعض الشخصيات ترتدي في أزمنة متعددة الثياب ذاتها، لتبدو أشبه بالشخصيات الكرتونة التي لا تغير ملابسها أبداً؛ مثل شخصية "هيلين" (رنا العضم) التي ترتدي ثوب النوم ذاته خلال مدة زمنية تزيد عن عشر سنوات، ويبقى الثوب محافظاً على رونقه.

أما الحلول التي يبتكرها المخرج للتعبير عن تقدم الشخصيات في العمر فهي حلول مثيرة للسخرية حقاً، تقتصر غالباً على وضع باروكة شعر أو إزالتها؛ فعلى سبيل المثال يرتدي علي كريم في حقبة الثمانينيات باروكة سوداء لتوحي بأنه رجل أربعيني، لكن الباروكة لا تتناسب مع ملامحه على الإطلاق، ومع تقدم زمن المسلسل يخلع الباروكة ليظهر شعره الأبيض. في المقابل، فإن الشخصيات النسائية ترتدي بواريك عندما تتقدم في السن! كما هو الحال مع نانسي خوري وريم زينو.

"باب الحارة ج 11"

أعمال البيئة الشامية هي المسلسلات السورية الوحيدة القادرة على خلق صورة بصرية فريدة، بسبب اتكائها على الطابع الدمشقي التراثي؛ فالبيوت الدمشقية والحارات القديمة والأزياء التراثية كفيلة بتكوين سينوغراف متقن للفضاء الدرامي. لكن المشكلة في هذه المسلسلات تكمن في المكياج وتصفيف الشعر الذي يجعل ملامح الممثلات تبدو هجينة عن كل ما يحيط بها.

في مسلسل "باب الحارة 11" يزداد الوضع سوءاً، حيث نرى ممثلات صبغن شعرهن بألوان عصرية ووشموا حواجبهن وركّبوا أظافر صناعية! فمثلاً، تظهر شخصية "وسيلة" (نظلي الرواس) بلون شعر بنفسجي فاقع! ونشاهد شخصية "جولي" (رنا أبيض) بمكياج فاقع لا يناسب المرحلة الزمنية إطلاقاً، ويزيد الطين بلة بوشم الحواجب. ناهيك عن آثار عمليات التجميل الواضحة على الشاشة، التي تكاد تنفجر من سيلكون الشفاه وتسطع مع بياض الأسنان الصناعية.

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

"ضيوف على الحب"

 تجري أحداث العمل في الوقت الحالي، ومن المفترض ألا تكون هناك صعوبة في خلق سينوغرافيا وأزياء مناسبة له، إلا أن صناع العمل جعلوا كل شيء يبدو مضحكاً، لأنهم اعتمدوا على كليشيهات وصور نمطية جاهزة لتحديد فضاء الشخصيات بصرياً. فعلى سبيل المثال شخصية الرسام "واصف" (فايز قزق) يرتدي طيلة الوقت مريولا خاصا بالرسم ملطخاً بالألوان، ومرسمه مليء باللوحات المعلقة بشكل مشوه للغاية، ومكتبه ممتلئ بالألوان؛ المضحك في الأمر أن تلك الألوان هي بغالبها "غواش" يستخدمها الأطفال عادةً ولا يستعملها الرسامون المحترفون، ولم تستخدم باللوحات المعلقة. أما شخصية المطرب "زهير" (عاصم حواط) فيتم تحويله إلى مغني "راب" بارتدائه سترة وعددا لا يحصى من القلادات الكبيرة وقبعة وردية. من ناحية أخرى، لا يمكن فهم سبب إقحام صناع العمل صورة الممثل الراحل نضال سيجري ضمن ديكور غرفة نوم "صباح" (شكران مرتجى)، ولا يمكن التكهن بالوقت الذي سينتهي فيه هذا النوع من المتاجرات الرخيصة في الدراما السورية.

"خريف العشاق"

تدور الأحداث خلال حقبة السبعينيات والثمانينيات. فعلياً لا يمكن نكران الجهد الكبير في صناعة الصورة البصرية للمسلسل والتي تبدو مناسبة للمرحلة الزمنية؛ فالأماكن التي تعيش ضمنها الشخصيات تم إعدادها لتناسب المرحلة الزمنية للعمل، لنشعر وكأننا نشاهد جزءا من فيلم قديم ما، أما أزياء الشخصيات وتسريحات شعرهم ومكياجهم وأشكالهم فهي تشبه إلى حد بعيد ما نشاهده في ألبومات الصور القديمة.

إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض الأخطاء الكارثية في العمل، والتي نشعر بها بشكل واضح في مشاهد "بدر" (محمد الأحمد) في بريطانيا؛ التي تم اختزالها بـ"كابينة" هاتف حمراء، وضعت في شوارع دمشق! كما أن المنزل الذي يعيش فيه لا يوحي أبداً بأنه في بريطانيا، حيث اكتفى صناع العمل بوضع غرافيك فاشل لمروج خضراء من شرفة المنزل، في منزل واضح أنه منزل سوري تقليدي. ويتضمن العمل أيضاً أخطاء تدل على عدم البحث والمراجعة عن تاريخ صناعة واستخدام بعض المنتجات.

المساهمون