"باب الحارة" في انتظار الشمع الأحمر

"باب الحارة" في انتظار الشمع الأحمر

03 مارس 2020
لم يلق العمل بجزئه العاشر قبولاً (Getty)
+ الخط -
بعدما ظن الجمهور العربي أنّ مسلسل "باب الحارة" سيُغلَق، خصوصاً بعد فشل الجزء العاشر في الموسم الماضي، نظراً إلى غياب الصدى وتعرضه لانتقادات لاذعة، فاجأت شركة قبنض الصحافة والجمهور بقرارها لتكملة هذه السلسلة بالجزء الحادي عشر الذي ينطلق تصويره قريباً في دمشق ليلعب بطولته نظلي الرواس، وأمية ملص، وهدى شعراوي، وسلمى المصري، ورضوان عقيلي، ونجاح سفكوني. كما أن الباب هذا الموسم استقطب الفنان القدير دريد لحام ليشارك بالعمل بعد أن وقّع عقداً مع الشركة نفسها للمشاركة في مسلسل "شارع شيكاغو" الذي يخرجه محمد عبد العزيز، وذلك في محاولة لإنعاش المسلسل الميت سريرياً، قبل أن تتراجع الشركة وتقول إن حضور لحام كان للمشاركة في المؤتمر ليس أكثر.

انطلق الجزء العاشر في رمضان الماضي بعد خلافات وصلت للقضاء بين الكاتب مروان قاووق (كاتب العمل الأصلي) والمخرج بسام الملا الذي كان سبباً أساسياً في استمرار هذا العمل المشبع بتفاصيل فانتازية مسيئة للمجتمع السوري ومشوّهة لصورته.

المسلسل الذي حقق أعلى نسبة مشاهدات عربياً في أجزائه التسعة السابقة، لم يكن له ذلك في الجزء العاشر، كونه لم يلقَ قبولاً لدى الشارع السوري أو العربي، ولم يُعرَض أساساً على قنوات عربية مهمة، كما حصل في الأجزاء التي تسبقه، فخَفَتَ وهج "باب الحارة" بشكل واضح، خصوصاً بعد هجره من قبل نجومه الأساسيين الذين رفضوا المشاركة بالعمل الذي تنتجه "قبنض"، كـ عباس النوري، وصباح الجزائري، وميلاد يوسف، وشكران مرتجى، ومحمد خير الجراح.

أما القصة فانقلبت رأساً على عقب، حيث نزح أهل حارة الضبع بعد قصفها من قوات الاحتلال الفرنسي، ففُقِدَ منهم مَن فُقِد ومات مَن مات في تبرير غير منطقي لإخفاء شخصيات واستبدالها، ليهجر أهل الحارة بيوتهم نحو حارات مجاورة فتنتقل الحكاية لشخوص جديدة أخرى بناها الكاتب بطريقته في حين بقيت بعض الشخصيات من الحارة الأساسية لتحكي قصتها بالمشاركة مع الشخصيات الجديدة.

التغيير لم يشمل القصة والفنانين فقط، بل أيضاً الموسيقى التصويرية وشارة المسلسل، ما شكّل حالة خلط لدى الجمهور؛ ليتساءل إن كان ما يشاهده هو حقاً "باب الحارة" الذي اعتاد عليه لسنين طوال؟

ورغم كل هذه المعطيات، تُصِرّ الشركة بعد إنتاجها لعملين هذا الموسم هما "بروكار" و"شارع شيكاغو" لتكملة هذه المهزلة الدرامية واضحة المعالم، والتي لا ترقى حتى لمهازل الأجزاء التسعة التي سبقته، من دون أي اعتبار للذائقة أو رأي الجمهور أو المحتوى الهزيل المبني أساساً على أرضية هشة. والغريب أنه رغم تغيّر قصة المسلسل كلها وغالبية أبطاله، يتم تصدير اسم العمل كما هو من دون تغيير في محاولة لكسب نجاح وهمي في الأصل على اسم المسلسل فقط من دون اعتبارات أخرى.



كما أن "باب الحارة"، وبعد الثورة السورية، كان مطيةً سياسيةً حسب الجهة الممولة له، فكانت كل جهة تقدّم وجهة نظرها السياسية من خلال إسقاطات تتناسب مع العقلية الخاصة بها، فخلال سنوات عرضه على قناة MBC كان هناك مفردات واضحة عن الحرب السورية، مثل حصار المدن، اشتباكات أهلية، والتسليح في الغوطة، ما جعل الترميز واضحاً لمواقف سياسية معارضة لنظام الحكم في سورية، في حين كان لـ "قبنض"، أحد أذرع الدولة السورية، وجهة سياسية مختلفة بالجزء العاشر، عبر إسقاطات تتوافق مع رواية النظام، خصوصاً أن صاحب الشركة هو عضو في مجلس الشعب، وهذا ما كان من شأنه أن يقلل من قيمة العمل أكثر ويصبح مثالاً ووجبةً دسمةً للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي السورية بأفكاره وطريقة طرحها، ليكون "باب الحارة" عملاً مستهلكاً بشكل جليّ مذ قرر صنّاعه إنتاج أجزاء جديدة بعد الجزء الثاني. والكارثة أن العمل قدّم صورة مسيئة للمجتمع السوري عربياً وشوّهه ليعتقد كل عربي شاهد المسلسل أن السوريين كانوا هكذا حقاً، يملؤهم التخلف والنميمة والذكورية والانغلاق في حين كانت الجامعات السورية بأوج نشاطها والمشافي بأحسن حالاتها والنساء السوريات قياديات حقيقيات ولهنّ دورهنّ الفاعل على الأرض ولسنَ مقنعات بالنقاب الأسود كحال هذا المسلسل الذي يجب إغلاق بابه بالشمع الأحمر دونما هوادة.

وعلى خطٍّ موازٍ، وبعد فشل بسام الملا في الاستحواذ على المسلسل قضائياً، استسلم للأمر الواقع وقرر إنتاج عمل شامي جديد بعنوان "سوق الحرير"، استقطب فيه أهم نجوم سورية، منهم كاريس بشار، وبسام كوسا، وسلوم حداد، ليعلنَ عن ثلاثة أجزاء مسبقاً للعمل، في محاولة منه لاسترجاع ماضيه الناجح أيام "الخوالي"، و"ليالي الصالحية"، لكن لم يستطع أن يصل لصيغة اتفاقية مع الفنان عباس النوري الذي رفض المشاركة بـ "سوق الحرير"، نتيجة خلافات بين الطرفين، وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الملا الخروج من لعنة باب الحارة؛ فقد قدّم قبله عملين أثناء إنجاز هذه السلسلة هما "الزعيم" و"حمام شامي"، ورغم أن المسلسلين لعب بطولتهما أهم نجوم سورية، لكنهما لم يحققا الصدى المرجو، ولم ينالا الصيت الذائع؛ فأخفقت الفكرة ليبقى الملا تحت مظلة حارة الضبع. 

اليوم وبعد انهيار مشروع الحارة يحاول الخروج منه بثلاثية بدأ تصويرها في دمشق مؤخراً، ويبقى السؤال ما إذا كان السوق سيغطي الباب أم سيحترق كلاهما؟

دلالات

المساهمون