خط اليدّ يقاوم زمن الديجيتال

خط اليدّ يقاوم زمن الديجيتال

18 يناير 2018
أصبحت الكتابة باليد تمارس بوتيرة أقل (Getty)
+ الخط -
منذ أن أخذت الحواسيب، وخلال الأعوام الأخيرة الهواتف الذكيّة أيضًا، حيزًا أساسيًا من حياتنا للتواصل مع البشر في كلّ مكان، عبر تطبيقات ومنصات رقميّة (ديجيتال) عديدة، كما للتواصل الذاتيّ، بالأساس فيما يتعلّق بالكتابة؛ الملاحظات، المقالات، القصص وغيرها من النصوص، أصبحت الكتابة باليدّ تمارس بوتيرة أقل. ومع الوقت، يشعر بعضنا أنه يفقد القدرة على الكتابة بخط اليدّ في عصر الديجيتال، حيث يتحوّل كل شيء من حولنا إلى ما يشبه الماكينات.
هناك من هو أكثر حذرًا، فيحاول قدر الإمكان مواصلة الممارسة الطبيعيّة للكتابة بخط اليد  يوميًا، يحمل دفترًا صغيرًا ليخط فيه كلمات أو جملًا أو نصوصًا شعريّة أو رسومات، لكن هذا لا يمنع الخوف من فقدان حسّ الكتابة اليدويّ، أو حتّى الخطّ الجميل للكتابة بكل اللّغات.
من خلال هذا التقرير، تواصلنا مع أشخاص ما زالوا يستخدمون الكتابة باليد في مجالات حيواتهم المتنوعة، ومنها المهنيّة. في حديث مع إليسا مارفينا، وهي معلّمة وأخصائيّة نفسيّة من إسبانيا، قالت بداية إنها لا تخاف من فقدان خطّ يدها أو قدرتها على الكتابة باليد، بالرغم من أنها تستخدم المنصات الرقميّة كثيرًا، وأضافت: "الكتابة باليد تساعد على تدفق أفكاري وعلى ترتيبها ورؤيتها بوضوح أكثر. أكتب على ورق عندما لا أكون متأكدة من أفكاري، ولذلك أحتاج إلى الكتابة باليد أوّلًا. بالإضافة إلى أني عندما أدرس، فإن الكتابة باليد وعلى ورق تساعدني في تذكّر المواد التي أدرسها، كما أني أستخدمها للربط بين أفكاري".

ما زال الورق والقلم يشكلان حيزًا أساسيًا في عمل الفنانة اللبنانيّة جنى طرابلسي ومشروعها الفنّي. في إجابة عن السؤال لماذا ما زالت تكتب بخطّ يدها، أجابت: "لأني أستطيع أن أصوّر بصريًا كل المعلومات مرة واحدة، ولأني فنانة وأحبّ أن تظهر حروف الكتابة اليدويّة كاملة، ولأني أيضًا أرتب الكتابة والملاحظات على شكل رسوم بيانيّة، أسلط الضوء عليها بالأسهم والرسومات". بالإضافة إلى ذلك، أكثر ما تكتبه جنى طرابلسي بخطّ يدها هي ملاحظات لطلابها في درس التصميم، كما ملاحظات وأفكار لمشاريع، وأحيانًا تكتب الرسائل على البطاقات.
لا تخاف جنى من فقدان خطّ يدها في عصر الديجيتال، أو أن تتوقف عن استخدام الكتابة باليد، عن هذا تضيف: "أعتقد أن الكتابة باليد تملأ وظيفة مختلفة عن الكتابة على الكيبورد والحاسوب، وأن كلّ تكنولوجيا حديثة مرفقة بالخوف من إلغاء ما هو قبلها، في حين أن هذا هو المسار الطبيعيّ للأشياء".
أمّا نسيم مهران، وهي معماريّة من إيران، فتقول إن أوّل الأشياء التي تعلّمتها كمعماريّة هو كيفية ترجمة أو نقل الأفكار إلى الورق، بلا علاقة إن كانت عمليّة النقل على شكل نصّ، سكيتش، أو حتى قصيدة. وتضيف: "دفاتر الملاحظات الرقميّة (الديجيتال) محدودة ومنفصلة عن العقل. اليد مربوطة مباشرة بعقلنا، وهي بمثابة جهاز أسرع لتنفيذ الأفكار". وفي إجابة عن سؤال الخوف، حول فقدان القدرة على الكتابة باليد، تقول نسيم: "كلا، لا بالفارسيّة ولا الإنكليزيّة ولا حتى الألمانيّة، لأني سأواصل الكتابة باليد، كما مواصلة لمس الكلمات التي على الورق".
الكاتب الهنديّ تشاندرهاس تشودري، والذي صدرت له مؤخرًا روايته الثّانية بعنوان "غيوم"، ما زالت الكتابة بخط اليد تأخذ حيزًا من حياته. ففي دفتره، يكتب بوتيرة شبه يوميّة مذكراته، كما أفكارا لكتب، قصص، أبحاث، اقتباسات من كتب قرأها وغيرها، كما يرسل بطاقات (بوست كاردز) إلى أصدقائه من حين إلى آخر.

في إجابة عن السؤال لماذا ما زال يكتب بخطّ يده، قال: "أجدها واحدة من أفضل الطرق للتفكير. هنالك شيء مُهدِئ ويدعو للتركيز كما يحفز على الجلوس مع قطعة فارغة من الورق والقلم. أحبّ أيضًا الإحساس الذي تمنحه حركة ريشة القلم على الورق. الكتابة هي أحد الفنّون الأقل ارتباطًا بالحواس (على الرّغم من أن الكلمات نفسها بإمكانها إنتاج تجارب للحواس)، لذا الكتابة بخط اليد تساهم في أن تجعلها، أي الكتابة، أكثر ارتباطًا بالحواس".
لا يخاف تشاندرهاس تشودري من فقدان القدرة على الكتابة بيده في عصر الديجيتال، عن هذا يضيف: "لأن هناك أشياء تصنعها الكتابة بخط اليد فقط، تمامًا كما أن هنالك أشياء بإمكان اليد أن تفعلها فقط!".

المساهمون