تماثيل الخزف الفرعوني

تماثيل الخزف الفرعوني

03 اغسطس 2017
تماثيل الخزف (DEA)
+ الخط -
في العهود القديمة، كان الخزف منتجاً رئيسياً للزينة، وكان القدماء يصنعونه عن طريق طحن الكوارتز أو بلورات الرمال مع كميّات مختلفة من الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم وأكسيد النحاس، ثم صهر ذلك الخليط وتشكيله في صورة تميمة أو خرز ملوّن أو تمثال. كان الفراعنة أهل خبرة واسعة في هذا المجال، رغم أن عمليّة التزجيج هذه تطورت أولاً في بلاد ما بين النهرين ثم بعد ذلك في بابل، لكنّ ذروة الإنتاج كمّاً ونوعاً كانت في مصر.

وكان الفينيقيّون أيضاً من أبرز صنّاع الخزف المزجّج، وقد اشتهرت مدن مثل صور وصيدا (جنوب لبنان) بالصناع المهرة والخبراء المميزين، حتى ظنّ المؤرخون أنهم من اخترع هذه العملية. وأن المصري القديم أخذ تلك التقنية الفينيقية وأضاف عليها تحسينات في الصناعة والتشكيل، وقام بخلق أعمال فنية لا تزال خلابة وفاتنة. وهناك من يعتقد أن الحرفيين المصريين قاموا بتصنيع خرز الخزف في محاولة لتقليد الفيروز وغيره من الأحجار الكريمة التي من الصعب العثور عليها وترتفع أسعارها. وكانت سيليكات الكالسيوم في الخليط مسؤولة عن الألوان الزاهية والشكل الخارجي النهائي المزجج.

ومن بين أشهر تماثيل الخزف المصرية القديمة، فرس النهر الأزرق المعروض حالياً في متحف "متروبوليتان" للفنون في مانهاتن في نيويورك الأميركيّة، والتي يطلق عليها الأميركيون اسم "ويليام". وهي إحدى قطعتين وُجدتا في قبر "سنبي الثاني" الذي خدم تحت إمرة "سنوسرت" الأول أو الثاني، في الأسرة الثانية عشرة الفرعونيّة. واستخدم النحاس والحجر الجيري وأكسيد الكوارتز وامتزجت سويّاً لتتحول العجينة إلى اللون الأزرق الزاهي.


ونظراً إلى أنّ المصريين القدماء كانوا يعلمون بخطورة فرس النهر في الحياة الواقعية، فقد كسروا ثلاثة من أرجل التمثال عمداً بعد الانتهاء منه حتى لا يؤذي الموتى عندما يبعثون جميعاً في الحياة الآخرة، رغم اعتقادهم أنّ وضع التمائم والتماثيل والنقوش التي تحتوي على فرس النهر ورسومات تمثل بيئته التي يعيش فيها في الطبيعة، هو أمر يحمي روح المتوفي وجسده من الأخطار في الحياة الآخرة.
وإلى جانب التماثيل، استخدم المصريّون الخزف لتصنيع المجوهرات مثل الخواتم والتمائم والقلائد، وكذلك في عمل اللوحات وقطع الأثاث، وحتى الأوعية والكؤوس. ومن أكثر الأعمال الفنية انتشارًا وشعبيّة وقتها كانت الدمى التي تسمى "شابتي"، وكانت توضع في قبر المتوفي وتصنع على شكل الراحل وهيئته. وكان الغرض منها أن تأخذ مكان الميت "عندما يطلبونه للعمل في الأعمال الجماعية التي يكلّف الرب أوزوريس بها الموتى في الحياة الآخرة"، فيما تتمثل وظيفة الدمية في "راحة الميت في الآخرة".
وما زالت المنتجات الخزفيّة من آنية وتماثيل وخرز وحلي تصنع في مصر بوسائل لا تختلف كثيرًا عن الطريقة القديمة، وتنتشر عدة ورش لصناعة الخزف في قلب أحياء القاهرة العتيقة، لكن مع انتشار التكنولوجيا الحديثة والأفران المجهزة وأعمال السيراميك انتشرت أماكن الصناعة الخزفية في عدة أماكن حول مصر. لكنّ السائحين وهواة الخزف القديم وعشاقه يزيد إقبالهم على الصناعة اليدويّة التقليدية، رغم ارتفاع سعرها.



دلالات

المساهمون