مومياوات "كابايان"... التحنيط قبل الموت

مومياوات "كابايان"... التحنيط قبل الموت

19 اغسطس 2016
اكتمال عملية التحنيط يستغرق أسابيع(أديك بيري/فرانس برس)
+ الخط -
تحنيط الموتى ممارسة قديمة جداً، أشهر مظاهرها ما خلّفه المصريون على هيئة جثة ملفوفة في أغلفة رقيقة، ولكن اكتشاف بقايا محنطة في عدة كهوف في الفيلبين أخيراً، قدم شكلاً مختلفاً للمومياوات المحنّطة، في ما عُرف باسم "مومياوات النار". 
اكتشفت تلك المومياوات الغريبة في كهوف بلدة كابايان بمحافظة "بينجويت" بالفيليبين. حُفِظت تلك البقايا البشرية عن طريق عملية تجفيف وتدخين طويلة، وعلى مدى سنين. قدمت هذه المومياوات إلى الباحثين فرصة جيدة للنظر عن قرب إلى عملية التحنيط الفريدة هذه، ولمن قاموا بها من أبناء القبائل القديمة.

البدء بالتحنيط قبل الموت
صار يُعتقد أن زعماء القبائل فقط هم من كان يتم تحنيطهم عبر التدخين. ويقال إن عملية التحنيط كانت تبدأ فعليا قبل موت الشخص، بل إنه يشارك بنفسه في الخطوات الأولى للعملية. ومع اقتراب الموت يبدأ الشخص في شرب مشروبات ذات تركيز ملحي عالٍ، فيعمل الملح على تجفيف الجسم؛ لذلك تعد هذه الخطوة البداية الحقيقية للتحنيط قبل الموت. وأثارت هذه الفكرة الكثير من الباحثين، وكيف للشخص أن يشرف عملياً على عملية موته، وكيف يقتنع بأنه سيزول تماماً، ويقوم هو بنفسه بالمشاركة.

إزالة جميع السوائل بالدخان
بعد حدوث الوفاة، تتم بقية مراحل التحنيط. ويُقدَّر زمن اكتمال العملية من عدة أسابيع إلى عدة أشهر. ويُغسَل الجسد بالكامل، ثم يوضَع على مصدر حراري في وضعية الجلوس. لا يتعرض الجسد للّهب أو النار المباشرة، بل يظل معلقاً فوق النار المضرمة دون أن تمسّه، فبدلاً من حرق الجثمان، تقوم الحرارة والدخان ببطء بتجفيف الجسد كله، وبشكل تام، حتى يصل الجسد إلى لون وصلابة معينين، فيتم التأكد حينها أن العملية قد انتهت.

تتم عملية تجفيف أخرى داخل الجثمان بطريقة طقوسية، وذلك بنفخ دخان التبغ داخل فم المتوفي. ويعتقد العلماء أن هذا الأمر كان يساعد على إزالة جميع السوائل من الأعضاء الداخلية. وفي النهاية، كان الجسد المدخَّن يُفرَك بالنباتات العطرية والطبية. وبعد الانتهاء من عملية التحنيط، كان الجسد يوضع في أحد كهوف المنطقة، حيث تم اكتشافها في نهاية المطاف.
إحدى المومياوات المميزة والمعروفة باسم "آبو آنو"، كانت قد سرقت من الكهوف في أوائل القرن التاسع عشر. وكانت المومياء ترتدي الملابس التي يرتديها زعماء القبائل، وتجلس في وضع رابض، وتغطي جسده المحنط الوشوم المعقدة. ويرجح الباحثون أن "آبو آنو" كان صياداً عظيماً، وكان أفراد قبيلته يعتقدون أنه نصف بشر ونصف إله، وذلك بسبب قدرته الكبيرة على الصيد، وجلب الغذاء لأفراد القبيلة. ولذلك عندما تمت استعادة موميائه إلى قبيلته التي ينتمي إليها، كان الناس في غاية السرور، لأنهم اعتقدوا أن غيابه تسبب في العديد من الكوارث الطبيعية، كالزلازل والجفاف والمرض وضعف المحاصيل. ودُفِن "آبو آنو" بعد عودته في مكانه، وذلك أملاً في أن يعود كل شيء إلى سابق عهده، حيث الاتزان والراحة والرخاء والاستقرار.

كهوف تعرضت للنهب
بعد أن تكثفت عمليات قطع الأخشاب والأشجار في المنطقة، أصبح موقع العديد من الكهوف مكشوفاً، ما أدى إلى نهبها، وإلى عبث الزوار غير الواعين بقيمة تلك الآثار وأهميتها العلمية والتاريخية، حيث يبرز إصرار الحمقى على ترك بصماتهم على الكهوف بكتابة أسمائهم على الجدران، بل والكتابة على أجساد المومياوات ذاتها، الأمر الذي أدى إلى إصابة كثير من المومياوات بالتلف.

وفي عام 1998، تم إدراج المومياوات في منطقة كابايان إلى قائمة الصندوق العالمي للآثار؛ وظلت المومياوات في مكانها الطبيعي داخل الكهوف الخاصة بها مع حماية أمنية صغيرة. وصنّفَت المنطقة كواحدة من 100 موقع أثري حول العالم مُهددة بخطر الضياع والزوال.


دلالات

المساهمون