الغلاء ينهش جيوب السوريين في رمضان

الغلاء ينهش جيوب السوريين في رمضان

31 مارس 2023
ارتفع مؤشر الأسعار خلال الأسبوع الأول من شهر الصيام أكثر من 30% (فرانس برس)
+ الخط -

وسط جمود يلف الأسواق السورية وتراجع البيع وحركة التجارة، بحسب مصادر من العاصمة السورية دمشق، يزداد ارتفاع الأسعار ليخالف مبدأ "زيادة العرض تكسر الغلاء"، إذ يبلغ متوسط صعودها خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان أكثر من 30% بشكل عام، مقابل 50% على لحم الخروف والدجاج وأكثر من 100% على التمور التي وصل سعر الكيلوغرام من النوعية الجيدة إلى 100 ألف ليرة، ونحو 150% على الخيار الذي تعدى سعره في دمشق، أمس الجمعة، عتبة 9 آلاف ليرة. (الدولار = 7550 ليرة).

ويزيد استعار الغلاء، بحسب الاقتصادي محمود حسين، فوضى التسعير بعد انسحاب الحكومة من التدخل بسعر تاجر الجملة والمستورد، وانكفاء "مؤسسات الدعم الحكومية" التي لم تظهر سوى من خلال عرض المؤسسة السورية للتجارة سلة رمضانية مكونة من سبع سلع رئيسية بقيمة 99 ألف ليرة، وهي أسعار غير منافسة أولاً، ولا تكفي سوى لأيام ثانيةً، والأهم أنها توازي دخل السوريين الشهري.

ويقارن حسين، في حديث  لـ"العربي الجديد"، بين السلة الرمضانية التي طرحتها المؤسسة الحكومية قبل 3 أعوام وكانت تتضمن 19 سلعة بسعر 10 آلاف ليرة، أي لم تزد عن 22% من الدخل الشهري، وبين سلة هذا العام التي وصلت إلى ما بين 90% و100% من الدخل، مشدداً على ضرورة رفع الأجور قبل الانسحاب من المنافسة والرقابة، مضيفاً: "غير معقول أن تكون الأجور اشتراكية والأسعار ونهج السوق ليبرالية".

ويلفت الاقتصادي السوري إلى غياب "شبه كامل" لأسواق الخير التي كان يقيمها اتحاد غرف الصناعة والتجارة، والتي تكسر الأسعار وتقدم السلع الرمضانية بأسعار منافسة وجودة عالية، بل على العكس، وفق رأيه، ظهر الجشع أو رد فعل قطاع الأعمال على إجراءات حكومة بشار الأسد، من انسحاب تمويل المستوردات وفرض الرسوم والإتاوات، "ليدفع المستهلك الثمن في النهاية".

وفي حين تشهد الأسواق السورية تراجعاً كبيراً بالطلب بعد الأسبوع الأول من شهر رمضان، يقدره عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق بأكثر من 50%، في تصريحات نقلها موقع "بزنس تو بزنس" من دمشق أمس الخميس، بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى معظم المستهلكين.

وتقدّر السوريّة وليدة طلب، من منطقة عين منين في ريف دمشق، كلفة "الطبخة" بنحو 100 ألف ليرة سورية، مبينة، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، أنّ سعر كيلو العدس بلغ 17 ألف ليرة، والأرز 16 ألف ليرة، واللحمة بين 80 و100 ألف ليرة، مشيرة إلى أن نسبة ارتفاع أسعار الخضار والفواكه زادت عن 50% خلال رمضان، فسعر كيلو البرتقال 3500 ليرة والتفاح 4500 ليرة وسجل الخيار أعلى سعر في تاريخ البلاد بعد وصوله إلى 9 آلاف ليرة موازياً سعر الفليفلة الخضراء.

وتكشف طلب، وهي موظفة حكومية، أنّ غالبية الأسر السورية باتت تكتفي بوجبة واحدة خلال شهر رمضان، لأنّ وجبة السحور تعادل تكاليفها الأجر الشهري، مبينة أنّ العادة سرت بأن تتكون مائدة السحور لعائلة من 6 أشخاص من لبنة (الكيلو بـ30 ألفاً) وجبنة (لا يقلّ الكيلو مهما كان نوعه عن 35 ألفاً) وبيض (الواحدة بـ800 ليرة) وشاي (بالغرام وليس الكيلو بـ70 ليرة)، و"إذا اكتفت الأسرة بهذه المواد فقط من دون الحليب والمسبّحة والتمور والمربيات والزبدة والمرتديلا والتونا والفواكه، فإن كلفتها تعادل تقريباً الحدّ الأدنى الشهري للأجور".

وتختم السيدة السورية بالقول إنه "لولا مساعدات أهل الخير والتحويلات الخارجية، لما استطاع أكثر من 90% من السوريين تحضير موائد رمضان ليومين إن اعتمدوا على رواتبهم".

وما قالته طلب يكرره رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق عبد العزيز معقالي في تصريحات نقلتها صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، بأنّ "أبسط طبخة خلال رمضان تصل كلفتها إلى نحو 100 ألف ليرة سورية"، رغم أنّ حركة الأسواق خلال شهر رمضان الجاري "ضعيفة"، مؤكداً رصد الجمعية ارتفاع أسعار الحلويات بنسبة 100%، وهو ارتفاع يبدو غير مبرر في ظل ضعف القدرة الشرائية عند المواطن، بحيث أصبح الارتفاع في الأسواق لا يوائم الدخل.

وشدد المعقالي على ضرورة تعزيز القدرة الشرائية ورفع الرواتب والأجور وتخفيض الرسوم والضرائب وتسهيل عملية نقل المنتج وإيجاد أسواق "هال" في مراكز المدن الرئيسة، وألا يكون تخفيض السعر على حساب المواصفة والنوعية، مع ضرورة وضع الأسعار في الأسواق الرئيسة بشكل إلكتروني واضح أو محدد من الجهات المعنية بالنسبة لمختلف السلع والمواد.

وبواقع ارتفاع الأسعار المستمر وتثبيت الأجور عند معدل 100 ألف ليرة، أشار مركز "قاسيون" من دمشق، أمس الخميس، إلى وصول متوسط تكاليف المعيشة للأسرة المكوّنة من خمسة أفراد إلى أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية (أما الحد الأدنى فقد وصل إلى 3,546,083 ليرة سورية) وذلك مع انتهاء الربع الأول من عام 2023.

ولفت المركز، وفق ما نشرته صحيفة "قاسيون"، إلى أنّ هذا الارتفاع يجري بينما لا يزال الحد الأدنى للأجور 92,970 ليرة سورية - أي أقل من 13 دولاراً شهرياً، وهو غير كافٍ لتغطية أساسيات الحياة.

وتتمثل طريقة المركز في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من 5 أشخاص، بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري، بناءً على حاجة الفرد اليومية إلى حوالي 2400 حريرة من المصادر الغذائية المتنوعة.

ولهذا الهدف، اعتمد "مؤشر قاسيون" على حساب الوجبة الأساسية للفرد خلال اليوم الواحد التي صاغها مؤتمر "الإبداع والاعتماد على الذات" للاتحاد العام لنقابات العمال في عام 1987، والتي يحصل من خلالها المواطن المنتِج على السعرات الحرارية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد، على اعتبار أن تكاليف الغذاء هذه تمثّل 60% من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ40% الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة من تكاليف سكن، ومواصلات، وتعليم، ولباس، وصحة، وأدوات منزلية، واتصالات... وغيرها.