هل ينقذ قرض الصندوق ورأس الحكمة اقتصاد مصر من التهاوي؟

هل ينقذ قرض الصندوق ورأس الحكمة اقتصاد مصر من التهاوي؟

28 فبراير 2024
التوسع في بيع الأصول أحد الحلول المرة لمواجهة الأزمة الاقتصادية (الأناضول)
+ الخط -

تراهن مصر على عدد من السياسات الاقتصادية مثل بيع الأصول، وآخرها مشروع رأس الحكمة وزيادة قرض صندوق النقد الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية المتعددة التي مرت بها، وآخرها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر.

وأصابت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة اقتصاد مصر المتضرر بالأساس بصدمتين، وهما تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة. 

ثمن بخس 

وذكرت صحيفة "كووتيديانو ويب" الإلكترونية الإيطالية، في تقرير حديث لها حمل عنوان "الأزمة الاقتصادية العميقة تجبر الحكومة المصرية على بيع فنادق تاريخية بثمن بخس"، أن الحكومة المصرية لجأت أخيراً، على ضوء ارتفاع معدل التضخم، إلى بيع بعض أصول الدولة لمستثمرين مصريين وعرب، بما في ذلك سلسلة من الفنادق التاريخية.

وتابعت الصحيفة أن من بين أهم الفنادق التاريخية التي بيعت أخيرًا إلى قطب العقارات المصري الشهير هشام طلعت مصطفى وصندوق الثروة السيادي لأبوظبي فندق مينا هاوس، الذي يحظى بإطلالة واسعة على الأهرامات، والذي بُني في الأصل كنزل ملكي للصيد قبل تحويله إلى فندق في عام 1887.

ونقلت الصحيفة عن لويس مونريال، المدير العام لصندوق الآغا خان للثقافة في جنيف، والذي زار مينا هاوس مرات عدة، قوله: "آمل أن يدرك الملاك الجدد أن الفنادق التاريخية في مصر لها قيمة تتجاوز القيمة المالية. هي جزء من تاريخ مصر والسياحة التي ساهمت في دمج البلاد في العالم".

وأضافت أن قائمة الفنادق التاريخية الأخرى تتضمن أيضًا فندق "سوفيتيل وينتر بالاس" بالأقصر، و"أولد ووترفول" بأسوان، وفندق "شتيغنبرغر سيسيل" على ساحل الإسكندرية.

تساؤلات حول مشروع رأس الحكمة

كما وقعت مصر، الجمعة الماضي، عقدا لتطوير مشروع رأس الحكمة في مصر بشراكة إماراتية، على أن يستقطب المشروع استثمارات تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار خلال مدة تطوير المشروع، تتضمن 35 مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا للدولة المصرية خلال شهرين.

وقالت وكالة "إيه جي سي نيوز" الإيطالية للأنباء والتحليلات الجيوسياسية إن الاتفاق الذي يحمل جوانب إيجابية للغاية للإمارات، يثير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مزيداً من الاستياء في صفوف المواطنين بسبب سياساته.

وتابعت الوكالة في تحليل حمل عنوان "مصر، الخيارات الاقتصادية المثيرة للجدل للسيسي"، أنه إذا كان السيسي يحاول إخراج مصر من الأزمة الاقتصادية التي جعلت البلاد تجثو على ركبتيها حرفيًا، فإن الاتفاق لن يساعده في التصدي للأزمة الاقتصادية العميقة والتضخم في ظل عدم وجود إصلاحات سياسية تؤدي لاستقرار الوضع الداخلي.

وأضاف التحليل أن "الإيجابية الوحيدة ربما تكون منح السيسي السيولة المادية". 

أسس هشة 

من جانبها، قالت فاليريا تالبوت، رئيسة مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد دراسات السياسة الدولية (ISPI)، إن "توترات البحر الأحمر سبب إضافي في الضغط على الاقتصاد المصري المتعثر بالفعل". 

وأضافت في تحليل للمعهد بعنوان "مصر: العملاق الواقف على أسس هشة"، إن " توترات البحر الأحمر جاءت تزامنا مع ارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة الجنيه، وأزمة النقد الأجنبي التي تزايدت مع تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من 40%".

وأكدت أن "تراجع إيرادات مصر من النقد الأجنبي ستنعكس على قدرتها على استيراد السلع الأساسية، مثل الحبوب وسداد ديونها الخارجية الهائلة، التي بلغت 164.5 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2023، منها 29 مليار دولار يجب سدادها هذا العام".

وأوضحت تالبوت أن مصر تأثرت بارتفاع أسعار الحبوب منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيرة إلى أن صندوق النقد الدولي يعمل على تسريع إتمام صفقة القرض بقيمة 3 مليارات دولار، والمشروط باعتماد حكومة القاهرة حزمة من الإصلاحات تتضمن تدابير لتشجيع نمو القطاع الخاص".

وأضافت أن "القرض المقرر منحه لمصر من الممكن، بحسب بعض المصادر، زيادته إلى 10 مليارات دولار، مع دخول جهات مانحة أخرى، من بينها البنك الدولي". 

واختتمت أن هناك قلقاً متزايداً على المستوى الدولي بشأن هذا "العملاق الواقف على أسس هشة"، كما توصف الدولة التي يبلغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة ويزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قليلا عن 3000 دولار سنويا".

مخاوف من الغضب الاجتماعي المكبوت

ومن جانبه، لفت دانييلي روفينيتّي، كبير المستشارين في مركز "ميد-أور" للأبحاث التابع لمجموعة ليوناردو الإيطالية لصناعات الدفاع، إلى أنه "قد بات من الأمور المقررة أن خزائن القاهرة ترزح تحت صعوبات"، مشيرا إلى "احتمال أن يسفر هذا الوضع عن انعكاسات اجتماعية تشكل خطراً في بلد يشهد دائماً، تحت سطح الاستقرار الظاهري، حالة من الاختلال والسخط".

ورأى روفينيتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار أزمة البحر الأحمر تعني المزيد من تراجع إيرادات مصر من النقد الأجنبي"، مضيفا أن "حصول مصر على حزمة مساعدات اقتصادية من صندوق النقد الدولي قريبًا سيساهم في سد هذه الفجوة".

وأشار إلى أن "الحكومة المصرية لم تفِ بالكامل باتفاقياتها السابقة مع صندوق النقد الدولي، ولكنها ربما تحصل على المزيد من التمويل"، لأنها "أكبر من أن تفشل"، مشيرا إلى أن "التأثيرات المترتبة على عدم الاستقرار الاقتصادي الكامل في مصر قد يكون لها بعد إقليمي".

ولفت إلى أنه "من الممكن، في الوقت ذاته، أن يعاود لاعبون إقليميون من الخليج التحرك بطريقة أو بأخرى لمساعدة الاقتصاد المصري، على غرار مشروع الإمارات في رأس الحكمة"، مؤكدا أن "ذلك يؤدي إلى تقليص السيادة، إلا أن حالات الطوارئ تستلزم اتخاذ خيارات طارئة"، بحسب تعبيره.

بدوره، رأى إيمانويلي روسّي، المحلل الجيوسياسي بموقع "ديكود 39" الإيطالي، أن الوضع الاقتصادي المصري يبرز كأحد "الأفيال الموجودة في الغرفة" عند الحديث عن استقرار البحر الأبيض المتوسط الموسع. 

وتابع روسّي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "مصر لاعب محوري في المنطقة، وقد شهدت في الماضي بسبب الآثار الاجتماعية الناجمة عن سياسات الإفقار التي أفرزها نظام حكم استبدادي، فترات من زعزعة الاستقرار الداخلي تزامناً مع انعكاسات إقليمية كثورات الربيع العربي".

وأضاف أنه "يتعين علينا القول أيضاً إن هذا الوضع الاقتصادي دفع القاهرة إلى معالجة سياستها الدولية بطريقة أكثر براغماتية، مثل الالتزام بقرارات الأمم المتحدة في ما يتعلق بالشان الليبي، أو التقارب مع تركيا".

وأضاف أنه "بمناسبة الشراكة الجديدة مع أنقرة، فإن البلدين يعملان حالياً على توحيد موقفيهما بمواجهة التقدم المحرز في خطط الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، والذي يمر عبر الخليج وإسرائيل".

وأشار روسي إلى أن "هذا الممر قد يهدد قناة السويس، التي تعاني بالفعل من تراجع الإيرادات بسبب الأزمة الناجمة عن هجمات الحوثيين، كما يستبعد تركيا، وهو أحد أسباب تقارب الدولتين".

المساهمون