ماذا يحدث في سوق العمل الأميركية... تسريح جماعي أم ازدهار توظيف؟

ماذا يحدث في سوق العمل الأميركية... تسريح جماعي أم ازدهار توظيف؟

09 فبراير 2023
الرئيس الأميركي جو بايدن دائم التحدث عن قوة سوق العمل الأميركية (Getty)
+ الخط -

على الرغم من تأكيد بنك الاحتياط الفيدرالي على بقاء معدلات الفائدة المرتفعة لبعض الوقت، وعدم عودة التضخم لمستوياته المستهدفة، ونمو شبح الركود، يواصل أصحاب العمل في بعض القطاعات التوظيف بقوة، بينما تعلن شركات تكنولوجيا كبرى عن عمليات تسريح للموظفين بالآلاف.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، 

أضيف إلى سوق العمل بالولايات المتحدة 11 مليون وظيفة، وزاد التوظيف في يناير/كانون الثاني بشكل محير، نظرًا لحالة الهدوء الاقتصادي التي شهدتها البلاد العام الماضي، والإشارات التي تؤكد تراجع الإنفاق الاستهلاكي بسبب تضاؤل المدخرات، وتدفق أخبار تسريح العمالة، لا سيما في مجال التكنولوجيا.

وتقول جريدة "وول ستريت جورنال"، إن العامل المحرك وراء عملية التوظيف هو مجموعة من القطاعات الضخمة، إلا أنها مما يتم تجاهله عند التحدث عن النشاط الاقتصادي في الكثير من الأحيان.

وتشير الجريدة إلى أن المطاعم والمستشفيات ودور رعاية الأطفال دخلت مؤخراً في مرحلة التعافي من الجائحة، وقامت بإضافة وظائف أكثر كثيراً من أعداد التخفيضات التي تم الإعلان عنها من شركات التكنولوجيا الكبيرة، مثل أمازون ومايكروسوفت وليفت.

وتستحوذ الشركات العاملة في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والترفيه والضيافة، كما غيرها من الخدمات، مثل تنظيف وإصلاح السيارات، على 36% من إجمالي رواتب القطاع الخاص. وقد أضافت تلك الصناعات الخدمية مجتمعة 1.19 مليون وظيفة خلال الأشهر الستة الماضية، أو ما يقدر بنحو 63% من إجمالي مكاسب الوظائف في القطاع الخاص خلال تلك الفترة.

وبمقارنة ذلك مع قطاع المعلومات والتكنولوجيا، الذي خسر وظائف خلال شهرين متتاليين، نجد أن هذا القطاع لا يشكل سوى 2% من إجمالي وظائف القطاع الخاص.

وتُظهر تلك الحالة من اشتعال التوظيف في الخدمات اليومية أن القطاعات الأكثر تضررًا في الأشهر الأولى من الوباء، والتي فقدت ما يقرب من 22 مليون وظيفة، مازالت تتعافى، وأنها بدأت في توفير الدعم المطلوب للاقتصاد الأميركي، بما قد يسمح بتجنب الركود.

وخلال فترة الجائحة، استقال عدد من العمال المنهكين، بحثاً عن فرص أفضل، وعمل أسهل، في مكان آخر. فاختار البعض أماكن أقل اعتمادية على الجهد الجسدي، أو تسمح لهم بالعمل من المنزل، في حين ظل العديد من الأميركيين خارج القوة العاملة، معتمدين على إعانات البطالة، التي سهلت الولايات الأميركية وصولها للمستحقين بصورة غير مسبوقة.

وخلال تلك الفترة، ظل البعض قلقًا بشأن المرض، والبعض الآخر متمتعًا بالمزايا الفيدرالية، فيما أختار آخرون التقاعد مبكرًا. واليوم، ومع تضاؤل آثار الوباء، يقول العديد من المديرين التنفيذيين وأصحاب الأعمال في الصناعات الخدمية إنهم لا يجدون صعوبة في التوظيف وشغل الوظائف.

وفي يناير وحده، أضافت المطاعم والبارات 99 ألف وظيفة، ونمت صناعة الرعاية الصحية بنحو 58 ألف وظيفة، وأضافت محال التجزئة 30 ألف وظيفة، حيث تم التخلي عن عدد أقل من العاملين في فترة العطلات مقارنة بالسنوات الماضية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتشير التوقعات إلى استمرار التعافي من الوباء في دفع عجلة التوظيف هذا العام، بحسب ما قال روبرت فريك، خبير الاقتصاد في شركة Navy Federal Credit Union في ولاية فيرجينيا لجريدة وول ستريت جورنال، مشيرًا إلى الشركات العاملة في مجال الرعاية الصحية ودور رعاية المسنين ومراكز رعاية الأطفال.

وأضاف: "هذه الصناعات يجب أن توظف بالتأكيد، وسوف تستمر في البحث عن القوى العاملة، ورفع الأجور، وتقديم مزايا مختلفة لإعادة الموظفين".

وإحصائياً، أظهر تقرير الوظائف لشهر يناير أن أصحاب العمل أضافوا 517 ألف وظيفة، وهو ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما توقعه الاقتصاديون، وأدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 3.4%، وهو الأدنى منذ أكثر من 53 عامًا.

ودفع تقرير الوظائف الذي فاق التوقعات بعض المحللين إلى إعادة تقييم آرائهم، حيث قلل اقتصاديو بنك غولدمان ساكس من احتمالات دخول الولايات المتحدة في ركود خلال الاثني عشر شهرًا القادمة، لتصبح 25%، بعد أن كانت 35% قبل صدور البيانات.

وقبل نهاية 2022، توقع الخبراء تباطؤ الاقتصاد وتدهور سوق العمل، بسبب معدلات الفائدة المرتفعة، بعد اتباع البنك الفيدرالي سياسة نقدية متشددة، أغلب فترات العام. ووصل معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى مستويات غير مشهودة منذ عام 2007، الذي شهد إرهاصات الأزمة المالية العالمية.

وفي ديسمبر/كانون الثاني الماضي، توقع مسؤولو البنك الفيدرالي ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6% بنهاية هذا العام. ووضع الاقتصاديون الذين شملهم مسح أجرته صحيفة وول ستريت جورنال في يناير، احتمالية حدوث ركود خلال الاثني عشر شهرًا القادمة عند 61%، وتوقعوا انخفاض الرواتب في الولايات المتحدة بمقدار 7 آلاف دولار سنوياً في المتوسط هذا العام.

وترجح أحدث بيانات لسوق العمل الأميركية اقترابها من التوازن، بعد الاضطرابات المرتبطة بفترة الجائحة. فالأجور آخذة في الارتفاع، وإن بمعدلات أقل، ومتوسط الأجور في الوظائف الخدمية منخفضة الأجر ارتفع بسرعة أكبر من المتوسط الأشمل لوظائف القطاع الخاص، كما انخفض تسريح العمالة انخفاضًا تاريخيا، باستثناء قطاعات معدودة.

وتوظف سلسلة مطاعم Chipotle الآن أعداداً أكثر مما كانت توظف في فترة ما قبل الجائحة، مع انخفاض معدلات الاستقالة، وزادت شركة المستشفيات الوطنية HCA Healthcare Inc، التي عانت من نقص العمالة أثناء فترة الوباء، تعييناتها، ورفعت شركة وولمارت، أكبر موظف في القطاع الخاص في البلاد، الحد الأدنى لأجور العمال لديها إلى 14 دولارًا على الأقل في الساعة، من 12 دولارًا، في محاولة لسد الفجوة مع المنافسين الذين يدفعون أكثر، وفقاً لوكالة بلومبيرغ.

وفي ظل تراجع حالات الإصابة بوباء كوفيد-19، قل عدد العمال الرافضين للعمل مقارنة بالموسمين السابقين عندما انتشر الفيروس، وسيؤدي ذلك على الأرجح إلى تسهيل شغل الوظائف التي تتطلب اتصالًا شخصيًا وثيقًا، مثل العاملين في المطاعم والمقاهي، ومصففي الشعر ومقدمي خدمات التجميل الأخرى. 

وأدى التوظيف في قطاع الرعاية الصحية، بما في ذلك المستشفيات ومراكز العيادات الخارجية ودور رعاية المسنين، إلى تعزيز أعداد الوظائف الإجمالية لنسبة تقترب من 16% من إجمالي الرواتب المدفوعة في القطاع الخاص.

وإجمالًا فإن المستشفيات توظف العديد من الأطباء والممرضات والفنيين المتخصصين الذين يتقاضون رواتب عالية في كثير من الأحيان، ولا تزال جوانب أخرى من صناعة الرعاية الصحية، ذات الأجور الأقل، تبحث عن عمال.

وكذلك قطع التوظيف في مجال الترفيه والضيافة، الذي انخفض بشكل حاد في وقت مبكر من انتشار الوباء، خطوات كبيرة على طريق العودة، رغم أنه لم يصل بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، حيث اقتربت دور العرض والمسارح والمتاحف من العودة إلى كامل نشاطها الذي كان قبل الجائحة.

المساهمون