ليبيا.. من الثورة إلى اللادولة

ليبيا.. من الثورة إلى اللادولة

18 سبتمبر 2014
تمدد العنف في ليبيا يرهق الاقتصاد (أرشيف/getty)
+ الخط -

عقب نجاح الثوار في الإطاحة بنظام القذافي في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2011 اتجهت كل أنظار العالم نحو ليبيا، ذلك لأنها بلد بكر من الناحية الاقتصادية والاستثمارية، وهي في حاجة لمشروعات تبدأ من الإبرة ولا تنتهي بالصاروخ.

ورغم أنها كانت واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في مرحلة ما قبل الثورة، حيث كانت تنتج 1.5 مليون برميل يومياً، إلا أن القذافي جرّفها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ونهب ثرواتها، ولم يفرق بين ثروته الشخصية وثروة الدولة، واستخدم أساليب وحيلاً لإخفاء أموال الدولة في البنوك الغربية، وفتح حسابات بأسماء أشخاص وهميين خلافاً لأسماء عائلته.

وبدلاً من أن تتحول ليبيا إلى واحدة من أغنى الدول في عهد القذافي بسبب إيراداتها النفطية الضخمة من النقد الأجنبي، لم تختلف كثيراً عن حال الدول الإفريقية المجاورة لها أو حتى البعيدة عنها حيث الفقر والبطالة والسرقة والفساد. كما بدد نظام القذافي المال على المرتزقة وشراء السلاح لصالح عصابات إفريقية وتمويل حروب طائفية أو عرقية بدول جنوب الصحراء أو في إفريقيا.

وكانت الصين وتركيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة من الدول التي تنبهت مبكراً إلى أهمية ليبيا ما بعد الثورة، وأن بلداً سيتم بناؤه عقب استقرار الأمن وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

وأيقنت هذه الدول أن ليبيا بلد بحاجة لشركات عملاقة تتولى إقامة مشروعات بنية تحتية وشبكة سكك حديدية وطرق ومحطات توليد كهرباء وتحلية مياه ومصانع أسمدة وأسمنت وحديد ومطارات وموانئ وصناعات مختلفة في مجال تكرير النفط، فالزائر لمطار بنغازي على سبيل المثال يدرك علي الفور أننا في بلد لم يخرج بعد من العصور الوسطى، وأنه رغم امتلاكها ثروات في الخارج تتجاوز 200 مليار دولار، إلا أن معظم سكانه يرزخون تحت خط الفقر. 

كانت ليبيا ما بعد الثورة تمتلك كل مقومات النجاح الاقتصادي، ولديها من الإمكانات المالية ما يؤهلها للانضمام لمصاف الدول الناشئة اقتصادياً خلال سنوات معدودة، فليبيا تمتلك أحد أطول السواحل على البحر المتوسط بطول 1935 كم، وهو صالح للاستثمار السياحي والفندقي، وتعتبر الدولة الأكثر استحواذاً على آثار رومانية خارج إيطاليا، ولديها اقتصادياً من الأموال ما يمكنها من إقامة مشروعات عملاقة؛ حيث تمتلك احتياطياً من النقد الأجنبي يتجاوز 100 مليار دولار، وهي بحاجة إلى عمالة بالملايين وفي كل التخصصات.

لكن للأسف استيقظنا على كابوس، وهو أن ليبيا تحولت إلى لا دولة بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية بها، فالتجربة الديمقراطية أصبحت هشة؛ خاصة مع وجود برلمانين وحكومتين. وحلم الليبي بتحسن أوضاعه الحياتية تحول إلى كابوس مزعج، والأزمات المعيشية باتت تفتك بالمواطن العادي، ونجحت الميليشيات المسلحة في بسط سطوتها على الدولة وفرض إتاوات حتى على موانئ تصدير النفط ومواقع الإنتاج. وفي ظل التناحر بين القوى الأمنية وزيادة المخاطر تفككت الدولة. وهذا أمر في منتهى الخطورة، ليس علي ليبيا وحدها، بل على الدول المجاورة، بل وعلى جنوب أوروبا نفسها؛ حيث من المتوقع زيادة الهجرة غير المشروعة لمنطقة جنوب البحر المتوسط في ظل هذا التفكك.
 
من مصلحة الجميع استقرار ليبيا، لأن هذا الاستقرار يمكن أن يكون مفتاحاً حقيقياً لحل مشكلات بلدان ثورات الربيع العربي وفي المقدمة منها مصر وتونس واليمن، لأنها يمكن أن توفر فرص عمل للملايين من أبناء هذه البلدان التي تعاني من بطالة، وأن تكون سوقاً مهمة لصادرات هذه البلدان، وبالتالي زيادة مواردها من النقد الأجنبي، وحلاً لأزمات الطاقة بها؛ حيث تمتلك ليبيا نفطاً ضخماً.

 

المساهمون