تمتلك ليبيا ثروات قلما تتوافر في أي دولة عربية، ثروات ترشحها لأن تكون أثرى من الدول الخليجية وأكثر تقدما من النمور الآسيوية، فهي تعوم على بحار من النفط والغاز الطبيعي والجبس والمياه الجوفية، وتبلغ احتياطاتها النفطية 41.5 مليار برميل، ما يجعلها تتصدر الدول الأفريقية في هذا المجال.
وتمتلك ليبيا سواحل طويلة على البحر المتوسط لا تتوافر في الدول الأخرى المطلة عليه، وهذه السواحل تكفي لاستقبال سياح العالم خاصة الأوروبيين، خاصة وأنها صالحة للاستثمار السياحي والفندقي.
ولدى ليبيا مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة لزراعة محاصيل استراتيجية مثل الشعير، القمح، الطماطم، البطاطس، الزيتون، الخضار، الفواكه، كما تمتلك مجموعة من أكثر المواقع الأثرية الرومانية خارج شبه الجزيرة الإيطالية على امتداد سواحلها.
ببساطة، ليبيا لديها كل المقومات التي تجعلها دولة عصرية ومتقدمة اقتصاديا، وكان من الممكن أن يستغل نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد 42 عاما، هذه الثروات في بناء دولة حديثة، وفي مد البنية التحتية لكل أنحاء البلاد، وإقامة مصانع ومشروعات انتاجية تستوعب الأيدي العاملة وتسد حاجة الأسواق من السلع والخدمات، وتوجه جزءا من هذه الثروات لإقامة فنادق لاستقبال السياح الأجانب خاصة القادمين من الدول الأوروبية الواقعة في الضفة الأخرى من المتوسط، وفي تشييد شبكات طرق وكهرباء واتصالات وغيرها من المرافق العامة.
كما دمر القذافي الأجزاء الشرقية من البلاد اقتصاديا بسبب النظريات الاقتصادية الغريبة التي تبناها طوال حكمه وفي كتابه الأخضر، ووضع ليبيا تحت عقوبات دولية قاسية من الأمم المتحدة بسبب تفجير طائرة قتل فيها مئات المسافرين.
ورحل القذافي عقب ثورة شعبية قامت على نظامه في فبراير 2011، وترك حساباته المصرفية في بنوك الخارج متخمة بمليارات الدولارات التي ضاع جزء منها بعد مقتله على يد الثوار، في حين ترك الخزانة العامة وحسابات الليبيين خاوية والرواتب متدنية.
ترك العقيد بلدا تحاصره أزمات في السكن والتعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والصناعة والزراعة والسياحة والخدمات العامة، ترك طبقة من الموظفين الفقراء وضباط جيش يعملون سائقي تاكسي في المساء لتغطية مصروفات أسرته، رحل وخلفه مؤسسات يعشش فيها الفساد في كل جانب، وجهات رقابية لا تعرف شيئا عن تحركات ثروة البلاد النفطية، وأين تذهب، وفيما تنفق.
وعقب قيام ثورة فبراير 2011 التي أطاحت بنظام القذافي، استبشر الليبيون بعصر جديد، عصر خالٍ من فساد وقهر رجالات العقيد، عصر يتم فيه إدارة ثروات البلاد بكفاءة ولصالح المواطن البسيط، وليس لشراء ذمم زعامات أفارقة ورؤساء عصابات، عصر تتم الاستفادة فيه من ثروات البلاد في إعادة البناء والإعمار لبلد نفطي كان ينتمي للعصور الوسطى، عصر يتم فيه مضاعفة الإنتاج النفطي المورد الرئيسي للخزانة العامة لينعكس على حياة البلاد ومواطنيها.
وفي ظل حرب أهلية تشعلها قوات حفتر منذ قيام الثورة في 2011 ضاعت ثروات البلاد وغرق الجميع في دوامة أضرت البلاد والاقتصاد والعباد، فقد أظهر تقرير صادر عن ديوان المحاسبة في طرابلس، أن ليبيا خسرت نحو 150 مليار دينار (107 مليارات دولار)، من جراء توقف موانئ التصدير النفطية خلال الفترة من منتصف عام 2013 وحتى نهاية 2016 فقط.
وخلال الحرب الأهلية تضاعفت معدلات البطالة خاصة بين الشباب الجامعي، ومعها زاد الفقر والفساد، وحسب الأرقام شبه الرسمية فإن معدل البطالة الحقيقي في ليبيا يزيد على 30%، في ظل تعثر الأنشطة الاقتصادية، وإحجام المستثمرين عن دخول السوق، بفعل العنف الدائر والاحتجاجات غير المسبوقة والمدعومة بالسلاح أحياناً.
واستغلت بعض المؤسسات المالية الدولية الأوضاع الأمنية في ليبيا وراحت تسرق، بل إن بنوكا عالمية مثل مصرف غولدمان ساكس الأميركي وسوسيتيه جنرال الفرنسي، استغلت جهل الكوادر الليبية المشرفة على أموال الصندوق السيادي الليبي في فترة حكم القذافي لتحقيق أرباح وعمولات استثمارية على حساب المواطن الليبي.
كما كشفت صحيفة "لو فيف" البلجيكية يوم 8 مارس/آذار 2018 عن اختفاء أكثر من 10 مليارات يورو من الأموال الليبية من حسابات مفتوحة في بنك "يوروكلير" بين نهاية 2013 و2017.
مطلوب من هذه الحكومة المدنية المنتخبة أن تعيد الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، وتفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الخارجية وإعادة الثروات المنهوبة في الخارج، وتوجه أموال البلاد إلى مشروعات إعادة البناء وليس إلى شراء السلاح من روسيا وفرنسا وغيرها كما يريد حفتر، فثروة ليبيا يجب أن تظل لليبيين وليس لدول إقليمية وعالمية لها أطماع في البلاد.