في سورية الأسد... مزاد للمغلوبين على أمرهم

في سورية الأسد... مزاد للمغلوبين على أمرهم

26 يناير 2022
الوزارة طرحت سندات الخزينة تلبيةً لتمويل الموازنة (فرانس برس)
+ الخط -

إن سلمنا جدلاً، بأن رأس المال جبان، رغم التحفظ الكبير من هذه التهمة، فكيف لنا أن نسلّم بأن رأس المال غبيّ؟! بمعنى، إن كانت صفة الجبن تلحق بأصحاب الرساميل، جراء حيطتهم وعدم المخاطرة بأموالهم في مناخات مشكوك بها أو لا تتضمن أفقاً وأرباحاً، أو استقراراً وأماناً بالحد الأدنى، فهل من تبرير لأي رأسمال ليكون غبياً، يرمي بنفسه بغيابة جب المخاطر وبمنطقة تشهد حرباً ودماراً منذ عقد من الزمن، بل ومرشحة لمزيد من المخاطر، بعد أن رمى نظام بشار الأسد بورقة الابتزاز وفرض الإتاوات على كل من بقي في سورية، ليؤمن الحد الأدنى ممّا يبقيه على كرسي أبيه.
يقول الخبر إنّ وزارة المالية في حكومة النظام السوري أعلنت نهاية الشهر الجاري، موعداً للمزاد الأول للأوراق المالية الحكومية للعام الحالي، للاكتتاب على سندات خزينة بأجل 5 سنوات، وبقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليار ليرة.

وتفاصيل الخبر أنه يحق لجميع المصارف الخاصة والعامة الاكتتاب على هذه السندات، كما يحق لجميع الأفراد (الطبيعيين، الاعتباريين)، المشاركة في المزاد عبر فتح حساب لدى أي من المصارف العاملة، بعد تفويض المصرف للاكتتاب على هذه السندات.
وأما هدف الخبر المعلن، فهو تأمين مصادر لتلبية احتياجات تمويل الإنفاق الاستثماري للموازنة العامة للدولة من جهة، وخلق فرص استثمارية للقطاع المصرفي العام والخاص، من جهة أخرى.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وربما غير المعلن، تأمين سيولة تستر عورة إفلاس النظام، ومحاولة شراء الزمن وفق ذهنية، بعد خمس سنوات يحلها ألف حلّال.
قصارى القول: بعيداً عن البحث بأرقام الموازنة العامة الفلكية لسورية (13.3 تريليون ليرة)، سواء من أين تأتي أو كم منها سيُنفَق بالفعل، بواقع عدم صدور، ومنذ ثماني سنوات، قانون قطع حسابات بسورية، للوقوف عملياً على الإنفاق، بالشقين الجاري والاستثماري.
بيد أن عجز تلك الموازنة هو موضوع اليوم، إن لم نقل الأهم.

فتلك الموازنة المقدَّر عجزها بنحو 4118 مليار ليرة، قال وزير المال، ومنذ صدور قانون إقرارها، إن 600 مليار من العجز، سيُموَّل عبر طرح سندات خزينة، ورمى على الموارد الخارجية والاقتراض من المصرف المركزي، ترميم بقية مبلغ العجز.

هل لدى مصرف سورية المركزي، بعد تبديد الاحتياطي "18 مليار دولار" ما يقرضه لسد العجز الضخم في الموازنة؟

من دون أن يشرّح الوزير، هل لدى المصرف المركزي، بعد تبديد الاحتياطي "18 مليار دولار" ما يقرضه لسد العجز، أو يشير إلى ماهية الموارد الخارجية التي يمكن أن تؤمن 500 مليار ليرة، بواقع عجز الميزان التجاري بأكثر من 3.5 مليارات دولار، وليبقي على حقيقة وحيدة أو مصدر واحد، وهو سندات الخزينة.
ولكن السؤال، من سيشتري سندات خزينة بفائدة لا تصل إلى نصف نسبة التضخم، وبعملة منهارة تراجع سعر صرفها منذ عام 2011 من 50 ليرة مقابل الدولار إلى 3600 ليرة اليوم.
ومن يمكن أن يجازف بأمواله ببلد غير مستقر ومرشح لمزيد من التأزم والاستعمار والتقسيم؟!
رغم أن حل سندات الخزينة "دين الدولة من الشارع" يمكن أن يأتي بانفراجات عدة على واقع كما السوري اليوم، إن بدأت تلك الانفراجات من تحسين سعر الصرف جراء سحب جزء من فائض السيولة من السوق، وبالتالي توازن، أو شبه توازن بالعرض والطلب، لا تنهي - المنافع - عند تنفيذ مشروعات استثمارية حكومية، تنشط السوق وتمتص البطالة وتزيد الإنتاج، عبر تمويل فجوة الشق الاستثماري من الموازنة.

ولكن، بنهاية القول وإجابة عن سؤال من يشتري سندات بواقع مضمون الخسائر، الأرجح أن الإجابة التي تقفز على ذهن أي قارئ، أن لا أحد سيشتري، وستضطر الوزارة إلى إعلان مزاد آخر وربما ثالث، من دون أن يتقدم أي مشترٍ لأوراق مالية محققة الخسائر وليس المجازفة فحسب.

ولكن ليسمح لنا القارئ أن نقول له إن إجابته صحيحة بأي واقع عدا السوري، ولكن في سورية الأسد إجابته خاطئة بدليل استمرار اللعبة ذاتها منذ عام 2010 حتى اليوم، فكل سنة تطرح حكومة بشار الأسد مزادات لسندات الخزينة، وكل عام تبيعها وكل عام يُمنى المكتتبون بالخسائر.

نظام بشار الأسد يفرض على مصارف وشركات خاصة ورجال أعمال الشراء وإلا التعرض لتهديدات

ولتوضيح هذه المعضلة، نقول إن نظام بشار الأسد يفرض على مصارف وشركات خاصة ورجال أعمال الشراء وإلا، وهذه الـ"إلا" تراوح من الحجز على الممتلكات بتهمة تمويل الإرهاب الجاهزة، أو التضييق وفرض غرامات وضرائب بمفاعيل رجعية، تكلف المطلوب منه الشراء، أضعاف خسائره جراء شراء السندات.
كما ثمة حل آخر جاهز، يعتمده النظام السوري بحال أراد زيادة المبلغ، وهو الإيعاز إلى المصرف المركزي بشراء السندات عبر طبع ورق نقدي جديد "تمويل بالعجز"، وبذلك تسدد الحكومة بعض ديونها وتمول المشروعات من جيوب السوريين جراء التضخم الذي سيزيد على العملة السورية، من دون أن تحقق أهداف الخبر أعلاه، بتحريك عجلة الإنتاج وتحفز النمو.

المساهمون